حب وموت وروبوتات: تفكيك مفهوم المسلسل التقليدي

02 ابريل 2019
كأننا أمام كتاب أنطولوجي تقليديّ (نتفليكس)
+ الخط -
التعريف التقليدي للمسلسل يدور حول حكاية مقسومة إلى عدد من الحلقات، يتصل بعضها ببعض في الشكل والمضمون. أجزاء هذه الحكاية مقسّمة بحسب التقليد المرتبط بموسم المشاهدة وطبيعة الإنتاج، أي إما إلى ثلاثين حلقة، أو ثمان أو ست عشرة، وهذا يرتبط أيضاً بالإنتاج ومنصة البث، وأحياناً بطبيعة الحكاية. الأمر نفسه ينسحب على طول كل حلقة؛ إما 25 دقيقة أو 50 دقيقة، التي تتوزع ضمنها أحداث الحكاية. هذا "الزمن" يرتبط بطبيعة الإعلانات وقناة البثّ، لكن الأهم أن عوامل السوق هذه، تتدخل في بنية الحكاية والزمن الذي تمتد عبره، وطبيعة توزّع الأحداث ضمن الحلقات، كما تفترض مشاهدة حلقات المسلسل تباعاً وبالترتيب، أي من الحلقة الأولى وهكذا تصاعديّا. 
هذه الصيغة تعرضت للتهديد من قبل منصات البث الرقميّة، مثل نتفليكس، التي يمكن مشاهدة موسم كامل من بعض مسلسلاتها حال جعله متوافراً، كما يمكن للمشاهد انتقاء الحلقة التي يريد البدء بها، إلا أن الحكاية تبقى مرتبطة بتسلسل الحلقات الخطيّ، لكن هذا العام، وإثر تعاون إنتاجيّ بين نتفليكس وديفيد فينشر وتيم ميلر، لم تعد الصيغة السابقة موجودة، إذ أثمر العمل المشترك عن أنطولوجيا أفلام تحريك بعنوان "حب وموت وروبوتات" Love, Death & Robots، تتألف من 18 حلقة طولها أقلّ من 20 دقيقة، تتحرك ضمن الموضوعات التي يحويها العنوان.
يريد فينشر في هذه "السلسلة" تفكيك مفهوم المسلسل التقليديّ وكيفية مشاهدته، فكل واحدة من "الحلقات" تمثل كياناً منفصلاً، شكلاً ومضموناً، وتستند إلى قصة قصيرة من الخيال العلمي، منشورة مسبقاً، ومتوافرة مجاناً على الإنترنت. كما أن نتفليكس نشرت ملخصات الحلقات قبل بث المسلسل. يظهر الاختلاف أيضاً في أسلوب التحريك المميز الذي أنجزت به كلّ حلقة، التي أنتجت بالتعاون مع فنانين من أنحاء العالم، وكأننا أمام كتاب أنطولوجي تقليديّ، فيه مجموعة من النصوص التي تنتمي لذات الموضوع.

الحلقات التي تشبع رغبة محبي الخيال العلمي والسايبر بانك تتفاوت في إثارتها للاهتمام، ولا نقصد هنا جودة التحريك، بل طبيعة الموضوعات، فبعضها يجذب الانتباه على مستوى فكريّ، كأن نشاهد روبوتات تتحرك في الأرض التي أصبحت متحفاً بعد انقراض البشر، لنكتشف في النهاية أن القطط هي من تسيطر على الكوكب. وبعضها يتناول موضوعات تقليديّة ومعتادة، كتلك التي تتحدث عن جريمة تتكرر بين بائعة هوى وشاب، كل واحد منهما يقتل الآخر وكأنهما أسيرا عجلة قدريّة لا تنتهي.
جودة التحريك في عدد من الحلقات تجعل العلاقة بين الآلة وبين اللحم البشريّ عضويّة، وجذابة بصريّاً، كأن نشاهد كيف أدى انتصار الآلة إلى القضاء على السحر في العالم وكائناته العجائبيّة، التي تحولت إلى سايبورغات أرواحها من فحم وبخار، واستبدلت "الوضعية البشريّة" بأخرى سايبورغيّة تنتصر لشهوات الجنس والقتل، لنتلمس بصرياً اللذة المنحرفة في تداخل اللحم مع الحديد. توظف أيضاً بعض الحلقات سؤال "ماذا لو" السحريّ؛ إذ نشاهد مثلاً عدداً من السيناريوهات الكوميديّة التي تتخيل شكل العالم في حال مات هتلر. أو ماذا لو كان خلاص البشريّة في لبن الزباديّ؟ الذي يقرر مغادرة كوكب الأرض بعد أن يئس من قدرة البشر على إنقاذ أنفسهم.
الكثير من الانتقادات الموجهة للحلقات المختلفة مرتبطة بالعري المفرط، والجنسنة الفائقة لجسد المرأة، فهي تظهر مستعدة للعري التام، أو شبه عارية، من دون أن يكون هناك مبرر مقنع لهذا العري المجانيّ. صحيح أن هذا النوع من الخيال العلميّ يتصف بالجنسنة الفائقة، لكن كان من المتوقع ألا تتبنى نتفليكس ذات السياسة، أو على الأقل أن يكون هناك توازن بالعري بين الذكور والإناث.
  وخصوصاً أن هناك اتهامات لنيتفليكس بالتحكم بخوارزمية منصتها لتلائم كل مشاهد بحسب لونه وجنسه، عبر التلاعب بترتيب الحلقات والصور الترويجية، إلا أن نتفليكس نفت ذلك وقالت إن الأمر عشوائي.
لا تثير مجموع الحلقات الدهشة البالغة، بعكس "بلاك ميرور" مثلاً. أما بخصوص تجربة الحلقات القصيرة، وعدم الالتزام بتراتيبها، فلا تبدو مميزة، بعكس "بلاك ميرور" مرة أخرى، والحلقة التفاعليّة يختلف زمنها بحسب خيارات المشاهد، فالحلقات الـ18 لا تشكل تحديّا لـ"ديدان نتفليكس"؛ إذ يمكن مشاهدتها جميعها في جلسة واحدة أو سهرة واحدة.
المساهمون