حب تائِه

06 يناير 2018
+ الخط -
على رزنامتِها العتيقة تركَت ذكرى لقائهما الذي لم يحدث، حين بدأت نيرانُ العشقِ تشتعل في أحشاءِ قلبِها من خلفِ نافذتِها الصغيرة التي عرفته من خلالها، فهو جارُها الذي ظنّت أنه يقطن بمفرده هناك في النافذة الأخرى، البعيدة قبالة نافذتها.

كان أربعينيّاً اشتعلَ رأسه شيباً، واكتست نظراته كل معاني الهيبة والرجولة، حين كان يحدّق إليها من شرفتِه محتسياً فنجان قهوته الاعتيادي الذي أذاب قلبها داخله، وبين ارتشافته أصبحت تحب شرب القهوة في كل وقت، وصارت تشتم عبق الحياة من رائحة البن الذي يشبه اسمرار وجنتيه وجبينه الذي زينته تجاعيد الزمن.

مطر غزير، ونسائم تأخذ المشتاقين معها إلى حيث تتمنى قلوبهم، ومن ثم تعيدهم إلى جدران غرفهم التي حبسوا فيها كل أمانيهم.
أما تلك التي غلبها شوقها للشرقي الأربعيني تجلس وحدها، تؤنسها قهوتها ووحدتها منتظرة أن ترى خياله من بعيد رغم كذبته الكبيرة، لكن من دون جدوى.. فقد رحل ورحلت معه أحلامها بعد أن تعلّق قلبها برسائله ومنحها كل ما تحتاجه أنثى عشرينية، وعلمها كيف تحب أشياء لم تكن بمعتقدها أن تحبها إلا أنه تمكن منها بنظرته الماكرة.
بعد قرابة الشهر أرسل إليها رقم هاتفه ومعه كلمات الحب وبعض الورود، فسارعت لتتصل به وتسمع صوته لأول مرة.

أمسكت سماعة الهاتف بيدين مرتجفتين ومع أول كلمة سقط قلبها وما زال.. فقد كان سهرها وليلها وحكاية السعادة التي أسندت روحها إليها، لكن حبل الكذب قصير جداً وستعلم كل ما يجول في قلبه وعقله في نهاية المطاف.

قررت في اليوم التالي أن تطلب مقابلته، ولم تلبث حتى أخبرته، لكنها عادت تجر ذيول خيبتها فلم يقبل أن يلتقيها وغاب منذ تلك اللحظة عنها، فلا وجود لصوته، ولا لرسائله، ولا لكلماته.
أدركت أن شيئاً ما يحدث ولم تستطع مغالبة حزنها وصدمتها فذهبت إلى حيث يسكن على أمل اللقيا.
قرعت الباب على عجل فخرجت امرأة قالت إنها زوجته، فكتمت سرها وحزنها في قلبها وقالت: إنّها أخطأت العنوان، وراحت بعينين ممتلئتين بالدموع باكية حظها العاثر الذي أوقعها في كذبة الحب تائهة في زحمة كلماته ونبرات صوته!
هؤلاء هم عشاق هذا الزمن.. أحدهم يكذب، والآخر يصدق، ويتوه الحب في المنتصف لا مكان له ولا سبيل!

39AEC136-A7C0-4E43-8625-49B1E04BB869
نور عبد الكريم البليخ

طالبة جامعية... هاوية ومحبة للكتابة. تقول: إن الذي يرتجي شيئا بهمته يلقاه حتى لو حاربه الإنس والجان.

مدونات أخرى