25 يوليو 2021
مونولوغ
لا أعلم أي شعور أشعر به في هذا الليل المعتم، غير أن ذاكرتي تقلّب صفحاتها فما بين ماضٍ رحل وأيام سريعة تتالى، أقف في المنتصف أحمل عقلي وقلبي وكل أشيائي بحيرتي التي تطوقني أمام خيالات الراحلين والعابرين من أمامي ومن خلفي، وفي أواخر الطرقات هناك حيث المدى البعيد، وطيف أمي وحده وهمساتها وحدها التي أسمع، وهي تدرّسني في أذني مفرداتها المعتّقة الثقيلة التي تنغرس، يوماً تلو آخر وبتعاقب الأيام، في ذهني وهي تشرح لي وتُدلي علي دلو خبرتها وكل ما تعلَّمته وجرَّبته وعانته.
لا تلتفتي خلفك .. كوني قوية .. لاتحزني .. اضحكي ..كوني بعيدة عن التعمق والتعلُّق.
الكلمة الوحيدة التي وضعتها قاب قوسين هي (لا تحزني) الوحيدة التي جعلتني أقف أمام نفسي متسائلة، هل من الممكن أن يعيش المرء حياته دون أن يحزن وأن يكون صخراً قاسياً أمام صفعات الحياة؟ ..حتماً لا ..، فجميعنا يعلم أنّ الحزن مهم جداً في حياتنا كما الفرح وبعضنا يبحث عن أشياءٍ تبكيه رغم أنه لا يوجد ما يُحزنه، لكن على ما يبدو أن الشعور بالحزن حق علينا ورد فعل عكسي يستوجب فعله عندما يرتفع هرمون السعادة إن ارتفع، رغم أننا في مجتمعاتنا العربية نعاني من خلل في هرمون السعادة، فالدموع في بيئاتنا وبحسب ما تربينا على طقوسها التي يجب أن نمارسها وهي تسيل على وجناتنا مستلذين بها وبأحزاننا لأننا نؤمن بأن الحزن الطويل يليه فرح كبير، لذلك السبب نبالغ في أحزاننا طمعاً في أن تهدينا الحياة ما يسعدنا ويبدل أحزاننا إلى مسرات.
القوة أيضاً كما الحزن لابد لنا يوماً أن نعيشها عندما نصل إلى ما يسمى المرحلة الذهبية، لكن القوة العظمى لا تتأتى اإلا من بابين، إما من حب عظيم أو من موت عزيز -جملة سمعتها ذات ليلة- أي أنك إن كنت تريد أن تمتلك وعيا كافياً لا يمكن أن تحصل عليه دون أن تعاني من حزن عظيم يلمس أصغر تفاصيلك لتنهض بعده مُجبراً نفسك على الابتسام حينها فقط يمكن أن نقول إنك قوي كجبل عال لا يمكن أن ينهار مهما ضربته عواصف الحياة التي تجبرنا رياحها على التخبط على جنباتها وما علينا سوى الصمود أمامها والتعايش مع الجميع وتقبلهم واحترامهم ثم نسير بعدها برفقة الزمن إلى أن نكون قد ضللنا طريق العودة، وانفصلنا انفصالاً أبدياً عن الماضي حتى كلمات الراحلين الذين تحتضنهم المقابر والذين آلمونا برحيلهم يصبح من الصعب استذكارها رغم أنهم قد يكونون لنا في السابقات كل أشيائنا وهنا أعني الراحلين عزيزي القلب، من احتوونا وتُهنا في غيابهم ذات يوم فجأة وعدنا كما نحن بعد برهة زمنية تليها فاصلة.
وتجري الحياة عكس كل توقعاتنا وكل توقعاتنا تجري عكس رغباتنا وجميع رغباتنا نشعرها في مراحل متعددة ومغايرة .. وكل مرحلة هي مرحلة وعي جديد يمكننا من خلالها أن نحسِّن بها أنفسنا نحو الأفضل .. ونودع بها جزءاً منا إلى أن نصبح رقعة واحدة مليئة بالرسوم والوجوه بحلل جديدة في نهاية المطاف.