جهل الأوغاد بإسرائيل العنصرية

25 مايو 2018
+ الخط -
عُصبة من الأوغاد، هكذا وصفهم أستاذنا المفكر فهمي جدعان، أولئك الذين يمتطون منابر الرأي وساحات الإعلام مبهورين بـ"ديمقراطية" إسرائيل، في محاولاتٍ بائسةٍ لتسويق الاحتلال لدى الجمهور العربي، بعد أن باعوا أنفسهم بثمنٍ بخس. والحديث السَمج عن "ديمقراطية" إسرائيل يعتريه كثير من الخلل والعوار، على الأقل لناحيتين. الأولى، كيف لهؤلاء الحديث عن "بدعةٍ" لم يختبروها في بلدانهم، ولم يمارسوها في حياتهم الشخصية، أو العملية، تُدعى الديمقراطية. ثم كيف لهذه العُصبة الحديث عن "ديمقراطية" إسرائيل، غافلين، أو متغافلين أن هذا الكيان قام على أنقاض الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى أشلاء الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم، بمجازر متواصلة منذ دير ياسين وصولاً إلى مجازر مسيرات العودة على سياج غزة.
قبل إطلاع هؤلاء الثُلة الضالة على بعض ما يحفل به سجل إسرائيل "الديمقراطية" من ممارساتٍ عنصريةٍ، وسلوك لا إنساني، لا بد من تذكيرهم، وهم يتباهون بشعر بنت الجيران، بأنَّ الأولى بهم ممارسة الديمقراطية في أوطانهم، بل في منازلهم، حيث لا تزال الأنثى متاعا يورّث. ثم ماذا يعرف هؤلاء عن الديمقراطية، وهم يرفلون تحت عباءات أنظمة شمولية، لا مكان فيها إلا للتمثيل على الشعب، بدلاً من تمثيله. وحيث يُعتقل أصحاب الرأي الآخر بتهم "التواصل مع جهات أجنبية مشبوهة"، أو الخروج على ولي الأمر.
أما "ديمقراطية" إسرائيل التي يتغنى بها أوغاد التطبيع، وجنرالات الذباب الإلكتروني، فحدّث عنها ولا حرج. وإذا كانت ذاكرة رويبضة الزمن العربي الرديء ضعيفة، بسبب الخرف المُبكر، لا بأس، فلن نعيدهم إلى 70 سنة خلت، منذ غُرس هذا النبت الشيطاني في الجسد العربي، بل إلى أسابيع قليلة، سن فيها البرلمان الإسرائيلي "قانون القومية" الذي يعتبر "إسرائيل" الوطن القومي لليهود والقدس عاصمة "إسرائيل". وتشدّد بنود القانون على أن الرموز اليهودية والصهيونية هي الأساس في النشيد الوطني وعلم الدولة، مع منح الأفضلية للطابع اليهودي على النظام الديمقراطي. وقد وصفت منظمة العفو الدولية "قانون القومية" بأنه بمثابة تقنين وتشريع سياسة الفصل العنصري ضد 1.5 مليون فلسطيني، فُرض عليهم العيش تحت نير دولة الاحتلال. ومنذ العام 1948، سنت المؤسسات "الديمقراطية" الإسرائيلية عشرات القوانين العنصرية التي تمنع الفلسطيني من أبسط حقوقه في ملكية الأراضي والسكن والبناء، وحتى ترميم المسكن، ناهيك عن قوانين التمييز في العمل والتعليم والصحة... إلخ.
ولا تقتصر عنصرية إسرائيل على ما يُمارس ضد الفلسطينيين، أهل البلاد الأصليين، إذ يمارس نظام الأبارتهايد الإسرائيلي العنصرية ضد شرائح عريضة من اليهود أنفسهم أيضاً، لا سيما الشرقيين منهم، وخصوصا يهود اليمن وإثيوبيا. وقد تجلت هذه العنصرية بشعةً عندما شبّه الحاخام إسحاق يوسف، أكبر مرجعية دينية لليهود الشرقيين في إسرائيل، قبل أسابيع قليلة، ذوي البشرة السوداء بـ"القرود". وتمارس "الديمقراطية" الإسرائيلية التمييز العنصري ضد اليهود الشرقيين في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وعلى الرغم من أن اليهود الشرقيين يشكلون نصف السكان اليهود في إسرائيل، إلا أن التمييز يمارس ضدهم منذ تأسيس إسرائيل، ويتعاظم مع تنامي المعتقد السائد لدى اليهود الغربيين بأنهم الأفضل، سواء بين أبناء ديانتهم الواحدة أو الشعوب الأخرى.
ويمكن الاستدلال على عنصرية إسرائيل، ولا ديمقراطية كيانها، بمئات الشهادات الصادرة عن شخصياتٍ ومؤسساتٍ عالمية، لم تعد تقبل ممارسات هذا الكيان القائم على الفصل العنصري، أو الأبارتهايد، وقد استخدم الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، هذا المصطلح في كتابه الصادر في 2006 "السلام لا الأبارتهايد" لوصف الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وسواء علم أوغاد التطبيع، أو جهلوا، أو تجاهلوا، فإسرائيل كيانٌ عنصري من الباب إلى المحراب، أي من مطار بن غوريون الذي أقيم على أراضي مدينة اللد الفلسطينية المحتلة، وصولاً إلى مبنى الكنيست (البرلمان)، المُشَيَّد على أراضي حي الشيخ بدر المقدسي، بعد قتل سكانه في مجازر تطهيرٍ عرقيٍّ ارتكبتها عصابات شتيرن وهاغاناه الصهيونية.
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.