جمال خاشقجي... الراقص بين الذئاب

04 أكتوبر 2018
لا يزال مصيره مجهولاً (محمد الشيخ/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال نبأ اختفاء الصحافي السعودي والإعلامي جمال خاشقجي بعد دخوله للقنصلية السعودية في تركيا لإتمام معاملة شخصية له، يتصدر المشهد الصحافي والإعلامي في المنطقة. وقد أثار ردود فعل مختلفة بين المغردين والناشطين والصحافيين العرب والعالميين، الذين عبروا عن قلقهم من اختفاء أي خبر عن خاشقجي بشكل يفتح الباب أمام احتمالات عدة. 


يملك خاشقجي تاريخاً مثيراً للجدل بسبب تحولاته الفكرية واختياره المفاجئ العيش في منفى اختياري، بعد صعود ولي العهد محمد بن سلمان وسيطرته على مقاليد الأمور وقيامه بحملة اعتقالات كبرى استهدفت تيار الصحوة الديني وعدداً آخر من الناشطين والفاعلين في التيارات السياسية والاجتماعية.

ولد جمال أحمد حمزة خاشقجي في المدينة المنورة عام 1958 لعائلة ذات جذور تركية، ويعود زمن تواجدها في المنطقة إلى خمسة قرون مضت. درس خاشقجي في ثانوية طيبة وتأثر بأفكار الإخوان المسلمين من دون أن ينضم إليهم قبل أن يدخل السلك الصحافي عبر العمل في صحيفة "سعودي غازيت"، وهي صحيفة سعودية تصدر باللغة الإنكليزية. وسرعان ما سطع نجمه أثناء تغطيته للحرب الأفغانية السوفييتية وعمله كمراسل من أرض الحدث حيث قام بإجراء مقابلات صحافية مع أسامة بن لادن وكان أول من التقط صورة لبن لادن أثناء تواجده في أفغانستان.

بعد الحرب، قام خاشقجي بتغطية حرب تحرير الكويت والأزمة الجزائرية (العشرية السوداء) وعدد من قضايا المنطقة المشتعلة في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يتحول للعمل كنائب رئيس تحرير صحيفة "عرب نيوز" وهي صحيفة سعودية ناطقة بالإنكليزية بين عامي 1999 و2003.



ونسج خاشقجي علاقة مميزة مع آل الفيصل وهم أبناء الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، حيث عُين في عام 2004 رئيساً لتحرير صحيفة "الوطن" المملوكة للأمير خالد الفيصل لكنه أقيل منها بعد 52 يوماً من استلام منصبه بسبب مقالات هاجم فيها التيار السلفي وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشرطة الدينية) آنذاك.

وعيّن خاشقجي بعدها كمستشار شخصي للأمير تركي الفيصل وهو رئيس الاستخبارات السعودية السابق والسفير السعودي في لندن ثم واشنطن قبل أن يعود ليترأس تحرير صحيفة "الوطن" من جديد عام 2007 ويشن حملة عنيفة على التيار الديني في البلاد مطالباً بإصلاحات جذرية تهدف إلى تقليل حدة سيطرة رجال الدين وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مجال الحياة في السعودية.

لكن خاشقجي الذي عرف دوماً بإثارته الجدل ورقصه بين الذئاب أقيل مرة أخرى عام 2010 بسبب سماحه للجريدة بنشر مقال هاجم الفكر السلفي الذي قامت عليه البلاد.

وانتقل خاشقجي ليعمل هذه المرة كمستشار للأمير الوليد بن طلال صاحب شركة المملكة القابضة وأحد أثرى أثرياء العالم، حيث دشن قناة "العرب" الإخبارية المملوكة للوليد في العاصمة البحرينية المنامة وخطط لتكون هذه القناة منافسة للقنوات الإخبارية العربية الأخرى وأداة قوة للوليد داخل السعودية وخارجها. لكن القناة التي بثت عام 2015 توقفت بعد 24 ساعة من أول بث بسبب سقفها العالي واستضافتها لمعارضين بحرينيين، قبل أن يعلن خاشقجي في عام 2017 إغلاق القناة نهائياً والتخلي عن المشروع.

وألف خاشقجي عدة كتب هي "علاقات حرجة، السعودية بعد 11 سبتمبر" و"ربيع العرب زمن الإخوان المسلمين" و"احتلال السوق السعودي".



بعد صعود الأمير محمد بن سلمان لكرسي ولاية العهد منتصف العام الماضي وقيامه بحملة سبتمبر/أيلول التي استهدفت اعتقال المئات من الدعاة ورجال الدين والأكاديميين المنتمين لتيار الصحوة، غادر جمال خاشقجي البلاد بشكل سري وأعلن أنه سيقيم في منفاه الاختياري وأن ولي العهد دشن عهد الرعب في البلاد، وهو ما سبب هزة كبيرة للنظام السعودي بسبب حجم خاشقجي في الأوساط السياسية، وعلاقاته الكبيرة في أروقة الإعلام العالمي، بالإضافة إلى معرفته بالكثير من خفايا وأسرار النظام أثناء عمله كصحافي ومستشار لعدد من الأمراء.

وأوقفت صحيفة "الحياة" التابعة للنظام السعودي خاشقجي عن الكتابة، كما حاولت السلطات ملاحقته وتهديده بأكثر من طريقة رفقة معارضين آخرين في الخارج، وها هي أصابع الاتهام توجّه إلى السلطات السعودية إثر اختفائه في القنصلية السعودية في تركيا ظهر الثلثاء الماضي.