جسم مثاليّ

17 اغسطس 2019
"ملهمة الفتيات" (Getty)
+ الخط -

"أعرف لماذا لا تستطيعين مرافقتنا إلى البحر"، تهمس ابنة الأعوام الخمسة في أذن المرأة الستّينيّة. وردّاً على نظرات الأخيرة المستغربة، تضيف: "لم تعثري على مايوه يناسب مقاسك... أليس كذلك؟!". تحت وقع الصدمة، تجد الستينيّة نفسها تقول "هذا صحيح حبيبتي"، قبل أن تطبع قبلة على رأس الصغيرة. وتعود الفتاة لتهمس في أذن المرأة التي شهدت ولادتها والتي اعتنت بها على مدى عامَين كاملَين، "كان عليكِ أن تخسري بعض الوزن قبل فصل الصيف". هو كلام "أكبر" من أعوام الفتاة الخمسة جعل عينَي الستّينيّة تغرورقان بالدموع.

وماذا تعلم ابنة الأعوام الخمسة عن الوزن الزائد؟ سؤال في غير محلّه، لا سيّما أنّ والدتها تنبّهها دائماً من مغبّة تناول السكاكر، ليس حرصاً على أسنانها من التسوّس أو على صحّتها عموماً، إنّما بهدف عدم اكتساب وزن إضافيّ يحرمها ارتداء الملابس الجميلة وارتياد البحر فيما يجعلها تشبه ابنة الجيران "الباطابوفا". ابنة الجيران في مثل سنّها، غير أنّهما لا تتشاركان اللعِب. هي تخاف من أن "تدهسها". هذا ما قاله شقيقها الأكبر، محذّراً إيّاها من الاقتراب من "الباطابوفا"، غير أنّها تحاول في بعض الأحيان مراقبتها من بعيد. هي، حتى اليوم، لم يُقدَّر لها أن تشهد بأمّ العين "دهس" أيّ كان.

تلتصق الصغيرة بالمرأة الستّينيّة وتطلب منها أن تحكي لها ولدميتها قصّة من أيّام طفولتها. هي تحبّها على الرغم من وزنها الزائد. أمّا دميتها التي تصطحبها معها، فهي "باربي" الشهيرة التي طُرحت في الأسواق للمرّة الأولى في عام 1959 مع شعار "ملهمة الفتيات". تلك الدمية التي تصغَر المرأة الستّينيّة ببضعة أعوام فقط، ربّما ساهمت في جعل الصغيرة تركّز على مسألة الوزن الزائد. فهي مصمَّمة بمقاسات لاقت في الأعوام الأخيرة انتقاداً من قبل خبراء كثيرين، لا سيّما أنّ "تلك المقاسات لا يمكن في أيّ حال من الأحوال أن تكون واقعيّة". هذا ما أكّده هؤلاء الخبراء، وهذا ما دفع شركة "ماتيل" مصمّمة "باربي" إلى إطلاق عدد من الدمى بمقاسات مختلفة، إحداها "ممتلئة" بعض الشيء، في عام 2016. واليوم، بالتزامن مع الاحتفال بعيد الدمية الستّين، تفيد دراسة أعدّها باحثون من اختصاصات مختلفة في الولايات المتحدة الأميركيّة ونشرتها أخيراً دوريّة "إلزفير" العلميّة، بأنّ الفتيات ما بين ثلاثة أعوام وعشرة يمِلنَ إلى رفض "باربي الممتلئة". بالنسبة إلى هؤلاء الباحثين، في إمكان الأهل شراء دمية "باربي ممتلئة" لبناتهنّ غير أنّهم لا يستطيعون حملهنّ على استحسانها.




في بدايات الألفيّة الأخيرة، أشار بعضٌ من الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة وكذلك من الذين يحاولون سبر المجتمع وأحوال أهله إلى "متلازمة باربي"، تلك التي تصيب فتيات كثيرات مخلّفةً لديهنّ عقداً ترتبط بـ"الجسم المثاليّ"، فيحملنَها معهنّ مدى حياتهنّ. هل ثمّة ما يُعَدّ جسماً مثاليّاً؟ سؤال يجزم أهل العلم بأنّ الإجابة عنه سلبيّة. ومن يضمن سلامة بناتنا من عقد محتملة قد تكون تبعاتها خطيرة؟
المساهمون