"تطير الطيور بدون أسمائها
بدلاً منها أتمتم بهذه التوريات
كما لهجات بائدة"
ميشيل دوغي
يدي التي لم تكن ترتعش بعد
يدي لم تكن ترتعش بعد
عندما رميتُ حبوب الذرة
أمام البقع الصفراء
كانت صيصاناً أو دجاجات
الرؤوس لا تزال ملتصقة بالرقبة
المخالب كتجاعيد في زاوية العين
ممّا جعلني أشيخ تحت الشمس الضاحكة.
في الصورة المصفرّة الباهتة أحمل سنواتي
جرّةً من الصمت في اليد
باخرةً عملاقة، قاطرةً سوداء
ثمّة بحر هنا، ثمّة ممر هناك
- من يستطيع اقتحام
رقصة الصيصان والدجاجات؟
لا لم تنقلب أية سفينة
لم يخرج أي قطار عن المسار
وليس القدر الذي اعترض طريقنا
ثمّة واضعُ ألغازٍ صفّق الباب وراءه.
■ ■ ■
عند مغادرة قريتنا
عند مغادرة قريتنا نمتلك الحق
في الالتفات للوراء لإلقاء التحية على التمثال
الذي يقف حارساً قبل أن نُعانقه
أعانقه، ويستمرّ في الحراسة
ويتسلّل إلى المكائد رشّاش من الضوء.
متى سيتوقّف نزيف الشبح؟
هل سيتعقّبني في الأطلال الخاملة؟
ومن سوف يلتقط الأصداء والروائح؟
بركٌ من الأصداء وطبقاتٌ من الروائح
تُبلّل القدمَين في الأحذية الرخوة
قبّعة مرفوعة لعدّ الموتى.
أين ستتوقّف قاطرة الضوء؟
لنتبع الدم الذي ينساب
على سفوح الجبل
إذا لم يكن ثمّة صدع في منتصف البحيرة
أخبِرني من أين يتسرّب الحزن؟
■ ■ ■
البيت الموروث
البيت الموروث كان مقفلاً عندما تسلّمتُه
الشريط الحدودي يطلّ على الساحة البرية
النافذة مفتوحة لكن البحر لا يلجها.
خلف الباب كان الربيع في الانتظار
لماذا هنا تحديداً بالقرب من علبة الرسائل
- من الذي يترقّب في وسط البريد؟
باستطاعتك الوثوق بختم البريد – قلت لي –
وفي صوتك كان ثمّة أجنحة حمامة زاجل.
سرقتْ صوتك الأكثر عذوبة
من ريش الوسادة
ثم تحوّلت الحمامة إلى شظايا
وظهرت طائرة ورقية
ثم استطالت الظلال
لأن الشمس كانت تغرق الأفق
في حلوى الهلام الأحمر.
أبعدَ بعيداً كانت المفردات تتبخّر
وتُشكّل غيوماً
لا غرابة من سقوط زوج من الرقائق
وليس فقط مجرّد قطرات
ثمّةَ أيّامٌ تطاول الحيرة كل شيء
في السماء كما في الأرض.
■ ■ ■
سيقان الكذب
للكذب سيقان قصيرة
قال أبي
مثلما الشموع – أضفت – المنشار في يدي
وقطعتُ أرجل الطاولة
لإظهار أنني دخلت اللعبة
ثم فرشت سجادة تحت أرجلها المقطوعة.
بعد مرور عدّة سنوات على قطعي
الأرجل الخشبية الأربعة للحصان
لئلا يكون أعلى من ذكرياتي
شعرت بانخساف عمودي الفقري
أو انخساف فقرات الحصان الخشبي
الشبح الذي يتضاءل كلما يتوغّل بعيداً
بحيث أضحى أصغر من الشمس
من ومضان شرارة تبتعد فيما تتلاشى
بحيث يمكنني إمساكه بين الإبهام والسبابة.
إنها مكيدة خيال الظل
خداع الواقع
يمتلك سيقاناً طويلة لا يمكن اللحاق بها
ولن تنطلي عليَّ اللعبة.
■ ■ ■
في هذه اللعبة
في هذه اللعبة هذه المرّة أنت الشاري
أنا البائع
في لعبة أخرى أنا شارع مشاة
أنت من يزوّد بالوقود
خزّان حزنك
ثم تجيء موجة؛ الموجة الهائلة
فيما ألج ناموس مراوغة العقد
هكذا نستولي على سرّ الوجود
عندما يكتمل شرطنا الفاني.
الأيام العادية
تمتلك حصصها من الزوبعة
أقبل بالتسوية
مثلما ندخل الحجْر الصحي.
لكنني عدت إلى بيتي بعد الكارثة
وأشعلت شمعة أسفل صورتك
ممّا جعل شفتيك ترتجفان
الشفتان كانتا ترتجفان
بينما كان الوقود يتدفّق من فمك
برائحته السوداء التي استحوذت على المكان.
غادرتِ في هذه اللعبة
وبقيتُ لوحدي من دونك.
■ ■ ■
كناري العمر
كناري العمر يظلّ في الخارج
عندما يرجع من القفص
أو من الطفولة المُحتجزَة في حالة تلبُّس.
مواسمه تمرّ عبر شفرات طاحونة هوائية
ومثل جلد أحتفظ به رغماً عني
لأنه ربما لا يزال صالحاً للاستعمال
أعلّقها على الجناح الأيسر للزمن
الجناح الأيمن – قلت لي – هو المفتاح
كرنفال شهر مايو الصاخب
عندما ينكسر شراع الطاحونة
تعال واستلق بالقرب من سنواتي.
تعال لنشعل عود كبريت
ها قد ابتعدنا بما يكفي تماماً عن الشرارة
أنبئني ثانية عن الكيمياء التي
كلما اجتهدتُ في الحك أكثر
قرعتُ قضبان الصمت أيضاً.
* شاعر لوكسمبورغي من مواليد عام 1950 لأسرة قادمة من إيطاليا
** الترجمة عن الفرنسية ميشرافي عبد الودود