جرد هزائمي

26 يوليو 2017
(الشاعر)
+ الخط -

في انتظاركِ

"إستراتيجيّتي هي أن أنتظر/ يوما من الأيّام،
لا أدري كيف وبأيّ ذريعة، ستحتاجين فيه إليّ أخيراً"
(ماريو بينيديتّي)

أنا في انتظارك: تلك هي إستراتيجيّتي.
لأنّي أحياناً
لا أدري
إن كُنتِ عابرَةَ سبيل
أم باقية إلى جانبي.
في انتظارِكِ أصبر
صبرًا لا مُتناهِيًا،
صَبْرَ تِمساح غاص في الماء
يترقّب فريسته.
أنا في انتظارِكِ، صامتًا،
بلا عجل، بلا إفراط،
بلا دُوارِ اللّحظة،
ولكن بعناد وإصرار وثبات.
أنا في انتظارِكِ لَيْلاً وصَباحًا،
أثناء تحضير الإفطار
وطيلة يوم العمل،
بمحطّة المترو وفي الحافلة،
بالمغارات الكُبرى ودكّان بائع السّمك،
وأنا أترقّب دوري في البنك أو فرع التّأمين.
أنا في انتظارِكِ في الشّوارع والسّاحات الصّغيرة،
وعلى الجسور،
كلّما أتمشى أو أتشمّس،
بقاعة السّينما أو المسرح،
أو ملاعب كرة القدم.
أنا في انتظاركِ وَحِيدًا كُنتُ
أو رِفقةَ جمع من الأصدقاء.
أنا في انتظارِكِ بلا دُموع، دون حزن أو عتاب.
أنا في انتظارِكِ باقتناع، وفي سكون،
فَرِحًا بِقُرْبِكِ التّدريجي منّي،
بجوارِكِ ودُنُوّكِ المتصاعد،
عِلْمًا بأنّك تحتاجين إلى الوقت،
والوقتُ هو أكبر حلفائي
في هذه الإستراتيجيّة
الّتي بَدَاْتُ
أقتحِمُ بها قَلْبَكِ.


■ ■ ■


جَرْدُ الهَزَائِمِ

قلتُ لها إنَّهَا في ضَلاَلٍ،
فأنا لستُ من نَسْلٍ نبيل
وبطاقتي البنكيّة لا أسحبُ بها
أكثر من مِائة يورو،
ولن أتصرّف أبداً تصرّف العقلاء.
قدّمتُ لها كلّ التّفاصيل عن مَسيرتي
كخاسر،
عن أوراق اعتمادي كمنفيّ
مدى الحياة. وضعتُ بين يديها الوثائق
الّتي تُثبت
أنّي من المعذّبين في الأرض منذ أمد بعيد.
شرحت لها دون تلعثُمٍ
نظريّتي حول المَدى الطّويل
ويَوْمِ الغد.
حاولتُ إقناعها
بأنّها لن تَكْسِبَ
إلى جانبي
سوى مستقبل ضبابيّ.
ومع ذلك فَضَّلتْ أن تُراهن على المغامرة
وأن تكون رفيقةَ دَرْبي.
ومنذ ذلك الحين
لم أعُدْ أحتاج إلى أَحَدٍ آخرَ
يقاسِمُني
جَرْدَ هزائمي.


■ ■ ■


شهادة
"...فسحة إلى الموت
هي الحياة"
(ماريو بينيديتّي)
إلى لاريسه وقد بدأت عيونُها تُنير كلّ شيء.

توقّفت عن الإيمان في سنّ مبكّرة:
في الرّابع والعشرين من عمري.
اليوم لم أعد أترقّب نشر الموتى ولا الحياة الأبديّة.
فقدتُ ثقتي في الإنسان وأصبحت السّياسةُ تبدو لي أكثر فأكثر تصرّفاً مبتذلاً.
وقد عَزَفْتُ منذ أمد بعيد عن ارتياد المنتديات وتوقيع البيانات. وصارت الطّقوس الدينيّة لديّ مُنافية للحياء.
العمل يُضْجِرُني إذ لم يعد ذلك الفضاء الّذي كنتُ أُحَقّق فيه ذاتي. أقلعت عن التّدخين وشرب الكحول وبعض الرّذائل الأخرى. وتمسّكت بإصرار بميلي القديم إلى الإطناب في استعمال رصيد لغويّ غير لائق.
عليّ أن أعترف بأنّه تكاد لم تبق لي قيم
ولا عقائد ولا معتقدات
ولا حتّى آمال مبهمة.
فأنا لا أَشْهَدُ إلاّ بعينين،
بعيونِكِ الّتي تُنْسِينِي هذه الفسحة اليوميّة إلى الموت.


■ ■ ■


إعْسَارٌ

يُعجبني إعسَارُكِ
إذ تعيشين كلّ يوم وكأنّه آخر دقيقة
لمحكوم بالإعدام.
يُعجبني إِعْسَارُكِ
إذ لا تشترين القبل بِرَهْنٍ عقاريّ.
يُعجبني إعسَارُكِ
لأنّه ليس بالزّهدِ أو الإنهزام
بل هو صرخة حرب، هو تمرّد
وتعارض.
يُعجبني إعْسَارُكِ رَغْمَ الدولارات
ودفاتر الصّكوك الّتي بحوزتي.
لأنَّكِ لم تَرْغَبِي أبدا في ثروة
لا تُصرّف في الحاضر، ولا في صناديق الجرايات.
ولا في حبّ ٍ على المدى البعيد.
رصيدي يتمثّل في أنّي فقير جدّا
وأنت في غاية الثّراء، ثراء مبنيّ على الإعسار.


* José Sarria شاعر إسباني من مواليد مالقة عام 1966.

** ترجمة عن الإسبانية: محمّد نجيب بن جميع

المساهمون