نجت العشرينية والأم لأطفال من الموت، فيما تصف التقارير الصحية حالتها بالحرجة، لكن 28 فتاة وامرأة قبلها لقين مصرعهن منذ مطلع العام الجاري، لأسباب ودوافع مختلفة من بينها ما يُدعى بجريمة الدفاع عن شرف العائلة، حسب ما توثق مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن قضايا النساء.
أما الارتفاع المقلق الذي سجلته جرائم قتل النساء في الأردن خلال العام الجاري، مقارنة بالأعوام السابقة، فإن الجريمة التي أقدم فيها ابن مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري على قتل والدته وقطع رأسها بعد قتلها وتشويه جثتها، تصدرت قائمة أكثر الجرائم إثارة للرعب، لاسيما بعد إقدام جهات مجهولة على نشر صورة الضحية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشير بيانات جمعية معهد "تضامن" النسائي الأردني، إلى ارتفاع نسبة جرائم قتل النساء والفتيات خلال العام الجاري في الأردن بنسبة 53 في المائة، بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وترصد إحصائيات صادرة عن جهات قضائية وقوع 37 جريمة قتل للنساء والفتيات منذ مطلع العام.
ولا يقتصر العنف ضد المرأة في الأردن على جرائم القتل، فقد وثقت سجلات إدارة حماية الأسرة التابعة لمديرية الأمن العام، منذ مطلع العام الجاري، تعاملها مع 1895 حالة تعنيف ضد النساء، وسط تقديرات من قبل ناشطات الدفاع عن قضايا المرأة أن العنف المسكوت عنه أضعاف الموثق.
تقول الطبيبة الشرعية إسراء طوالبة، إن "الأرقام المتعلقة بجرائم قتل النساء والفتيات مقلقة، العدد زاد فجأة"، وتتساءل: "هل كل ما أنجزته الحكومة ومنظمات المجتمع المدني خلال سنوات طويلة من تعديل قوانين وتوعية وحماية ذهب هباءً منثوراً؟ هل كنا نناهض العنف ضد المرأة بشكل مدروس ومخطط له أم بطريقة عشوائية؟".
وبالنظر إلى ارتفاع أعداد جرائم قتل النساء والفتيات التي ترى فيه مؤشراً خطيراً، فإن طوالبة تعتقد أن جهود مناهضة العنف ضد المرأة خلال الفترة الماضية عشوائية، وتقول "يجب أن نقف ونعيد النظر في طريقة واستراتيجيات العمل"، مشيرة إلى أن العديد من قضايا التغيّب أو الانتحار تبين لاحقاً أنها ادعاءات للتغطية على جرائم قتل ارتكبت ضد النساء.
ومن أرشيف الطب الشرعي تستذكر حادثة ادعى فيها زوج لدى الجهات الأمنية أن زوجته تغيبت عن المنزل ليكتشف بعد أكثر من عشر سنوات أنه قتلها وأخفى جثتها نتيجة خلاف وقع بينهما، وهي حالة تكررت مراراً كما تؤكد.
وفي وقت تنظر طوالبة إلى أرقام القتل بالكثير من القلق، تشعر بارتياح نسبي للأعداد المتعلقة بحالات العنف الواقعة على النساء، وتفسر الارتفاع في أعداد حالات العنف المبلغ عنها بارتفاع الوعي عند النساء من جهة وبزيادة الثقة بالجهات المعنية من جهة أخرى، مع تأكيدها أن الحالات غير المبلغ عنها نتيجة الثقافة الاجتماعية والخوف وغيرها من الأسباب تفوق ذلك بكثير.
وأنهت منظمات المجتمع المدني الأردنية استعداداتها للمشاركة في حملة "الـ16 يوماً للقضاء على العنف ضد المرأة"، وهي الحملة التي تمتد من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة إلى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وأعلن "التحالف المدني الأردني لإلغاء المادة 308 من قانون العقوبات" أنه سيركز في الحملة على إلغاء المادة التي يُكافأ فيها المغتصب بالإفلات من العقاب في حال تزوج من ضحيته، إلى جانب أشكال العنف الأخرى التي تتعرض لها المرأة الأردنية، من خلال جملة من النشاطات التي ستنفذها في عموم مدن المملكة.
ورغم إقدام الحكومة على إدخال تعديلات على القانون تعيق في كثير من الحالات إفلات المغتصب من العقاب حتى لو تزوج ضحيته، إلا أن التحالف يصر على إلغاء المادة كاملة لعدم شمول التعديلات جميع الجرائم الجنسية الواقعة على الفتيات والنساء.
وترى المحامية الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، إنعام العشا، أن العنف ضد المرأة ناتج عن مجموعة من الأسباب، وأن التشريعات أحد تلك الأسباب، مع تأكيدها على ضرورة العمل على تغيير الثقافة السائدة في المجتمع والتي تبرر العنف الواقع على المرأة.
وتقول "رغم وجود منظومة تشريعية متماسكة في الأردن، إلا أن العديد من النصوص تحتاج إلى تعديل ومراجعة مستمرة للنصوص القانونية". واصفة ارتفاع الجرائم الواقعة على النساء خلال العام بـ"المروعة والبشعة"، وفيما تؤكد ضرورة تغليظ العقوبات على مرتكبيها، فإنها تدعو لدراسة الأسباب التي دفعت لارتكابها للخروج بسياسات واستراتيجيات تضع حداً لارتكاب الجرائم مستقبلاً أو الحد من وقوعها، معتقدة أن جهود مناهضة العنف الواقع على المرأة في الأردن ما تزال بحاجة إلى تضافر الجهود.