إكراه على الزواج، ضرب وحرمان، فقر ونزوح وتقاليد وأعراف بالية، وغيرها الكثير من الانتهاكات التي تمارس على عشرات الآلاف من النساء في العراق، واللواتي قُتلت وجُرحتْ ورُمِّلتْ كثيرات منهن خلال عقود من الحروب المستمرة.
تقول المحامية، أزهار محمود، لـ"العربي الجديد"، إن الحروب خلفت في العراق ملايين المعنفات. "صحيح أنه لا توجد إحصائية دقيقة، سواء رسمية أو من المجتمع المدني، إلا أن إحصائية لوزارة التخطيط العراقية عام 2011، أظهرت أن 23 في المائة من النساء المتزوجات في الفئة العمرية من 15 إلى 45 سنة، يتعرضن للعنف، سواء كان نفسيا أو جسديا أو لفظيا، و10 في المائة للعنف الجنسي".
وتضيف محمود: "الشيء اللافت أن المرأة العراقية أصبحت تعيش العنف كشأن طبيعي لأن الحياة في العراق صعبة للغاية، حتى أن بعض النساء أصبحن لا يعترضن عند أخذ ميراثهن بحسب العادات والتقاليد لدى بعض المناطق أو العوائل، وهذا ما أكدت ذات الدراسة من أن 55 في المائة من نساء العراق لا يرين في ضرب الرجل لزوجته عنفًا".
وتشرح أم إسراء، لـ"العربي الجديد": "لم أكن أتوقع يوما أن أجد نفسي في هذا الموقف. بعد نزوحنا قبل عام إلى قضاء خانقين واستئجار بيت عبارة عن هيكل غير مكتمل البناء، كان مالك البيت عطوفًا معنا لدرجة أننا استغربنا ذلك. في بداية الأمر لم يكن يتردد على المنزل، وحين يغادر زوجي البيت بحثا عن عمل كان يأتي بحجة وأخرى، حتى فاجأني في أحد الأيام بطلب أن أكون أكثر لطفا معه مقابل أن يقلل لنا ثمن إيجار البيت أو يعفينا منه تماما".
وتتابع "حاولت أن لا أخبر زوجي في المرة الأولى. لكن خوفي من عودة الرجل جعلني أخبره. منذ ذلك اليوم وزوجي لا يثق بي. بدأت أشعر أنه يراني متهمة لا ضحية رغم انتقالنا إلى العيش في المخيمات لفترة ثم عودتنا إلى مدينتنا".
وقالت لـ"العربي الجديد": "كنا نسكن بعد نزوحنا في خيام، وبعد فترة أحضر زوجي عائلة أخرى لتسكن معنا. لم يخبرني من هم. كل ما يفعله يوميًا هو القيام بضربي بقسوة ومعاملتي معاملة الجواري، ولأن أهلي يعانون من حالة مادية صعبة لا أستطيع العودة إليهم أو طلب الطلاق. عليّ أن أتحمل ما يقوم به دون شكوى، فالعادات والتقاليد تمنعنا من الشكوى أو الحديث عن تلك الأمور، خاصة أنني من أصول ريفية".
"عنف اقتصادي وعنف دولة". هكذا تصنف أم أيوب حالها. تقول لـ"العربي الجديد": "عام 2006 اختفى زوجي أو خطف دون أن نعلم من خطفه ولماذا. لدي خمسة أطفال أعمل على رعايتهم. القانون العراقي يسمح لمن غاب زوجها أربعة اعوام اعتباره متوفياً وإصدار شهادة وفاة له. لجأت إلى محام وتمكن بالفعل من إصدار قرار بوفاة زوجي لأخذ الحقوق المترتبة على ذلك، وكلفني الأمر أموالاً كثيرة استدنتها، وما زلت أعمل كي أسدد ما عليّ من ديون، وقبل أن أتمكن من إتمام الإجراءات قُبض على المحامي وتم سجنه، فخسرت كل شيء وتم البت بقضيتي على أنها باطلة لأنها تعود إلى ذلك المحامي".
وأضافت أم أيوب: "إن لم توفر لنا الدولة راتباً ولا تلتزم بحقوقنا وحقوق أطفالنا، ألا يعد ذلك عنفًا ضد المرأة في مجتمع أصبح كله معنف؟".
من جهتها، قالت مديرة مركز ديالى للاستماع والإرشاد القانوني، الدكتورة بثينة المهداوي، إنه "خلال ثمانية شهور وصل إلى مركزنا أكثر من 200 قضية؛ غالبيتها حالات عنف تقدمت بها نساء، رغم خوفهن، وهذا يجعلني على يقين من أن كل امرأة في العراق معنفة باعتبار تصنيفات العنف، ويمكن القول إن نسبة تسع من بين كل عشر نساء عراقيات معنفات، وهذا يعني أن العراقيات هن أكثر النساء المعنفات في منطقة الشرق الأوسط".
وتفصل المهداوي قائلة: "هناك معنفات من الأهل والزوج والظروف الاقتصادية والبيئة والمجتمع والمدير في العمل وغيره. يمكن القول إن كل امرأة نازحة معنفة أو على الأقل تعرضت لعنف من النزوح والتحرش الجنسي، إذ لا شيء أقسى من أن تكون المرأة نازحة تسكن خياماً أو كرفانات، وعليها أن تتحمل تلك الظروف القاسية وأقل الإمكانات الاقتصادية، فضلا عن انعدام الراحة النفسية لجميع النازحات اللواتي أجبرتهن الظروف على التنازل عن منازلهن وأمتعتهن والسكن في خيمة أو كرفان قد يضم أكثر من عائلة، حتى اللواتي هن أكثر حظا وسكنّ في بيوت مستقلة داخل مناطق النزوح، فإنهن فقدن خصوصيتهن وحياتهن السابقة التي كانت أكثر استقلالية وراحة".
وأعربت المهداوي عن خوفها من استمرار الجهات الحكومية ذات العلاقة، والمنظمات الدولية، في عدم الاهتمام بالمرأة العراقية بشكل عام والنازحات بشكل خاص، "العراقيات يعانين ويلات الحروب منذ أربعة عقود مستمرة، والكثير منهن وخاصة الأرامل والمطلقات، لا يملكن دخلا ثابتا كمرتب شهري أو مردود مادي آخر. هؤلاء النسوة أصبحن ضحية الظروف والمجتمع على حد سواء".
ولفتت إلى أن المساعدات التي تقدم عن طريق المنظمات لا تعدو كونها قشة في بحر معاناة المرأة العراقية، التي لم تر في حياتها غير صور الحرب والدمار والخوف في بلد يعدّ من أغنى بلاد الشرق الأوسط.