في وقت تجددت فيه المجازر بريف إدلب، ظهر أمس الأربعاء، بفعل سلسلة غارات استهدفت مدارس في بلدة حاس جنوبي المحافظة التي تسيطر عليها المعارضة السورية، وأدت إلى مقتل أكثر من عشرين شخصاً معظمهم أطفال، لا يزال النظام يلقي قذائفه على إدلب، منذ نحو أسبوع، مخلفاً نحو 200 شخص ما بين قتيل وجريح. ويأتي ذلك في حين من المحتمل أن تتصاعد المعارك في محاور عدة بمحافظة حلب. وقد تحتدم المعارك على جبهات القتال بين فصائل المعارضة والنظام ومليشيات تسانده شرق المدينة وجنوبها من جهة، أو بين المعارضة من جهة، وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"قوات سورية الديمقراطية" والنظام من جهة ثانية، على جبهات شمال المحافظة الحدودية.
وشهدت محافظة إدلب التي تسيطر المعارضة السورية عليها بشكل كامل (باستثناء بلدتي كفريا والفوعة المرتبطتين باتفاق الزبداني) يوماً دامياً جديداً أمس، إذ أدت سلسلة غارات نفذتها طائرات "سوخوي 22" روسية الصنع، إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين معظمهم من الأطفال، في بلدة صغيرة جنوب إدلب. وقال الناشط الإعلامي في المحافظة، جابر أبو محمد، لـ"العربي الجديد"، إن "طائرة حربية من نوع سوخوي 22 ألقت 6 مظلات محملة بالصواريخ شديدة الانفجار (وتطابقت هذه المعلومات مع مشاهد فيديو بثها ناشطون في بلدة حاس على الإنترنت)، مستهدفة تجمع مدارس في بلدة حاس بريف إدلب، مخلفةً كحصيلة أولية، 20 قتيلاً وعشرات الجرحى، معظمهم من الأطفال إضافة إلى أساتذة مدارس". وفيما أضاف الناشط الإعلامي أن "المصابين نقلوا إلى أغلب النقاط الطبية القريبة من بلدة حاس، في حين نقل بعضهم إلى المشافي الحدودية"، أظهرت مجموعة مشاهد عرضها ناشطون من البلدة المستهدفة على الإنترنت، صوراً لأطفالٍ قُتلوا في الهجوم وقد غطت جثثهم الدماء، ودمار الأبنية المهدمة".
هذا التصاعد الدامي بالقصف الجوي في إدلب، يوازيه احتدامٌ للمعارك على جبهات متعددة بمحافظة حلب المجاورة. واستعر القتال جنوب المحافظة بين فصائل "جيش الفتح" و"الجيش السوري الحر" من جهة، وقوات النظام والمليشيات التي تسانده من جهة، وسط غارات كثيفة تمنح الأخيرة غطاءً جوياً في تلك المعارك. ويأتي هذا بعد إعلان فصائل بالمعارضة عن بدء معركة لاستعادة منطقة كتيبة الصواريخ قرب خان طومان بريف إدلب الجنوبي، إذ ذكر "تجمع فاستقم" العامل في مدينة حلب، أمس الأربعاء، على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن "التمهيد بالمدفعية الثقيلة على كتيبة الصواريخ قد بدأ". غير أن الناشط الإعلامي، ماجد الحلبي، قال لـ"العربي الجديد" إن "عملية الهجوم ربما تكون تباطأت بسبب عدم انضمام بقية الفصائل إليها التي أرادت التحضير أكثر للمعركة قبل خوضها". وتعتبر كتيبة الصواريخ، وتلة أحد، مدخلاً ضرورياً للوصول إلى مستودعات خان طومان، وتلة مؤتة ومدرسة الحكمة، وهي نقاط عسكرية تتحكم بمناطق استراتيجية مهمة جنوب محافظة حلب. وقد تمكنت قوات النظام والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه، خلال الأيام القليلة الماضية، من إحراز تقدم في بعض هذه المناطق، إضافة إلى تلة بازو القريبة من خان طومان.
وفي هذا الصدد، أعلنت فصائل مناوئة للنظام السوري في حلب، تصدي مقاتليها لرابع محاولة تقدم، قامت بها قوات النظام على جبهات تلة مؤتة وسوق الجبس والراشدين جنوب غرب حلب. وأكدت أن المواجهة أسفرت عن سقوط نحو 30 من عناصر النظام بين قتيل وجريح، بعد وقوعهم في كمين، بالتزامن مع شن الطيران الحربي لغارات كثيفة، استهدفت مناطق البوابية والقراصي وخان طومان في ريف حلب الجنوبي، وبلدة كفرناها في الريف الغربي لحلب. كما أعلن مقاتلو المعارضة تدمير منصة إطلاق صواريخ تابعة لحزب الله اللبناني، ليل الثلاثاء-الأربعاء، على تلة أُحد جنوب مدينة حلب، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الحزب، نعتهم بالتزامن صفحات موالية له على الإنترنت.
في غضون ذلك، وفي تحرك من شأنه أن يؤثر على الوضع في حلب التي باتت بؤرة صراع محلي وإقليمي هو الأبرز في سورية هذه الأيام، أعلنت "غرفة عمليات حوار كلس" أن "وحدات حماية الشعب" الكردية، وهي العمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية"، شنت هجوماً ضد مقاتلي المعارضة المشاركين في عملية "درع الفرات" من جهة تل المضيق شمال حلب، أثناء قتال "الجيش السوري الحر" ضد تنظيم "داعش" في تلك المناطق. ويأتي ذلك، بعدما قصف طيران النظام تل جيجان شمالي حلب، ما أودى بحياة ثلاثة مقاتلين من "الجيش الحر" المنضوين في إطار عملية "درع الفرات" المدعومة من تركيا. وتسبب هذا القصف أيضاً بجرح عشرة آخرين، وفق ما أعلنت "غرفة عمليات حوار كلس" التي تتبع لـ"الجيش الحر". وهذا الاستهداف من جانب طائرات النظام لقوات "درع الفرات"، هو الأول من نوعه منذ انطلاق عملياتها في عمق الأراضي السورية المتاخمة للشريط الحدودي مع تركيا، في 24 من آب/أغسطس الماضي. وقد جاء بعد سيطرة "درع الفرات"، يوم الثلاثاء الماضي، على قرى كانت خاضعة لـ"داعش"، وهي: تل جيجان، تل مضيق، وكسار. ويأتي سقوط هذه القرى بيد قوات "درع الفرات" ضمن توجه لديها لبدء معركة استعادة مدينة الباب من "داعش"، وهي المعقل الأبرز للتنظيم بريف إدلب الشرقي.
حديث الوزير التركي الذي أدلى فيه لوسائل إعلام محلية، يعكس بوضوح تصاعد الخلاف بين أنقرة وواشنطن بشأن الوضع في الشمال السوري. ولفت جاووش أوغلو إلى تعهد الولايات المتحدة، على لسان نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، ووزير الخارجية، جون كيري، بخروج الوحدات الكردية من "مناطق شرقي نهر الفرات"، لكنه تساءل أيضاً: "لماذا لا تفي الولايات المتحدة بتعهداتها؟ على رئيس الدولة أن يفي بوعده، كما أن على وزير خارجيتها أن يلتزم بوعوده. كم مرة وعدونا؟ ألا تستطيعون السيطرة على 200 شخص؟ أو أنكم تتعمدون في عدم فعل ذلك؟"، كما استطرد في تساؤله وانتقاده الواضح للتصرف الأميركي.
وتابع جاووش أوغلو تساؤلاته موجهاً كلامه للجانب الأميركي: "هل تقولون لنا أن نتعاون مع (الوحدات المسلحة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي) في الرقة السورية (ضد داعش)؟ ما الذي سيحدث؟ سيقومون بالتطهير العرقي هناك أيضاً"، بحسب قوله.
ويبدو هذا الموقف التركي حاداً وجازماً نحو المضي بعملية "درع الفرات"، للوصول إلى إقامة منطقة تريدها أنقرة خالية من "داعش" وخصومها من الأكراد شمال سورية. ولطالما اصطدمت أنقرة سابقاً بلاءات واشنطن التي تدعم "وحدات حماية الشعب" الكردية. وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أن النظام السوري سجل موقفاً متماهياً مع الموقف الأميركي ضد الموقف التركي، مهدداً منذ يومين، باستهداف أي طائرة تركية تعبر الحدود السورية. وهو موقف سياسي فقط أبعد من أن يكون ميدانياً. لأن القوات التركية التي ساندت فصائل "الجيش السوري الحر" في عملية "درع الفرات"، تعمل فعلياً داخل الأراضي السورية منذ أكثر من شهرين. لكن يمكن استجلاء موقف النظام (وربما آماله) من خلال تصريحات مقربين منه، كعضو "مجلس الشعب" في دمشق عمر أوسي، والذي توقع أن يشهد "شمال سورية تصعيداً عسكرياً دراماتيكياً بين الجيش السوري وحلفائه ووحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية من جهة، والجيش التركي والمجموعات الإرهابية(يقصد بها الجيش الحر) من جهة أخرى".
ويأتي كلام أوسي الذي يشغل أيضاً، منصب رئيس ما يسمى بـ"المبادرة الوطنية للأكراد السوريين"، في سياق رد فعل دمشق على التقدم الكبير لـ"درع الفرات" شمال سورية، مطالباً نظام دمشق "بعدم الثقة بالحكومة التركية" بعد "تغير موقفها من الأزمة السورية"، حسب رأيه، قائلاً إن "تركيا تحاول اللعب على الحبال مع روسيا وإيران". وبدا أوسي كمن يريد إخافة أكراد سورية ممن ليس لهم نشاط سياسي أو عسكري، عبر قوله في تصريحات نقلتها عنه مواقع كردية تعمل من محافظة أربيل في إقليم كردستان العراق، إن "التدخل التركي في الأراضي السورية لن يقتصر على جرابلس والراعي ومارع وإنما سيمتد في مرحلة لاحقة إلى تل رفعت وعفرين وإلى جميع مناطق الإدارة الذاتية الكردية". كما اعتبر أن "الهدف من التدخل التركي ليس محاربة تنظيم داعش الإرهابي وإنما ضرب الإدارة الذاتية في القامشلي وعفرين وكوباني"، وأن "هذا الاجتياح يعني اجتياحاً (لحلف شمال الأطلسي) لسورية". وختم أوسي: "إن التدخل التركي جاء بموافقة أميركية من خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي، بايدن، قبل أكثر من شهر لأنقرة ومن خلال زيارة وزير الدفاع، آشتون كارتر، قبل يومين، وموافقة البنتاغون".