أذكر أنّ علاقة أمي، بصفتها كنّة جدّتي، كانت غير طيبة، وإن أبدت كلتاهما عكس ذلك أمام الأخرى.
الكنة كانت تنتهرني بشدّةٍ إن دلفتُ إلى بيت حماتها، الذي يفصله عن بيتنا ممرٌّ صغير.
فكنت أتسلّل في غياب أمي إلى جدتي، أستمع إلى قصصها عن قريتنا وأتناول من طعامها، وكلما تناولت من يدها لُقمةً شعرت أنني أتناول من طعام قريتنا البعيدة، وأتخيلها مفروشة بأشجار الزيتون.
فطعام جدّتي كان جميعه بزيت الزيتون، حتى خبزها كانت تعجنه بزيت الزيتون، وحين تقرّر أن تُسعد جدّي وتُعدّ له صنفاً من الحلوى التي يُحبّها مثل العوّامة والمطبّق والزلابية، كانت تقليها بزيت الزيتون.
ومرضت جدّتي مرضها الأخير، وكانت تناديني وتنظر إليّ نظرات خاوية. أحياناً كنت أشعر أنها تكرهني، وهذا ما أكّدته لي أمي، بأنها تؤْثر عليّ بنات ابنتها، وحين كانت تنتهرني وتزجرني على خطأٍ بسيط، كنت أتأكد من ذلك.
ماتت جدتي ولم أبكِ، ولكن بمجرد أن دخلت غرفتها ولم أجد سوى فراشها وموقدها بكيت. أمسكت بثوبها الذي خرجت به من "البلاد"، واستنشقت عطرها وشعرت أني أعاهدها، سأعود يوماً إلى "البلاد"، التي تفوق القمر والمريخ سحراً وغموضاً يا جدّتي!
أصبح الثوب ملكي. أخفيته بعيداً عن عيني أمّي، حتى كبرتُ ودسسته في حقيبة جهازي. بدا دخيلاً بين ثياب العروس، فذكّرني بالبطّة السوداء التي فقست من البيضة، لتجد إخوانها بيض اللون محبوبين، وهي قبيحة مكروهة.
مرّت السنوات والتقيت بعمّتي في زيارة سريعة، فسألتني: "لماذا لا تضعين حول عنقك العقد الذي يشبه حبات الزيتون، الذي تركته لك جدتك؟".
العقد.. العقد.. عقد جدتي من أيام "البلاد"، والذي باعته أمي خلسةً في مصر، وأوصتني وإخوتي ألاّ نخبر أبي، وقالت إنه إرث أبي من أمّه، وهو "موضة" قديمة، واستبدلته ببعض الحلي لي ولأختي.
كان لي إذاً! خصّتني جدتي به! بعد كل هذه السنين، اكتشفتُ أن جدتي كانت تُحبّني إلى درجة أن تستأثرني بعقدها الوحيد الذي أضاعته أمي لأنها كانت "كُنة".
فكنت أتسلّل في غياب أمي إلى جدتي، أستمع إلى قصصها عن قريتنا وأتناول من طعامها، وكلما تناولت من يدها لُقمةً شعرت أنني أتناول من طعام قريتنا البعيدة، وأتخيلها مفروشة بأشجار الزيتون.
فطعام جدّتي كان جميعه بزيت الزيتون، حتى خبزها كانت تعجنه بزيت الزيتون، وحين تقرّر أن تُسعد جدّي وتُعدّ له صنفاً من الحلوى التي يُحبّها مثل العوّامة والمطبّق والزلابية، كانت تقليها بزيت الزيتون.
ومرضت جدّتي مرضها الأخير، وكانت تناديني وتنظر إليّ نظرات خاوية. أحياناً كنت أشعر أنها تكرهني، وهذا ما أكّدته لي أمي، بأنها تؤْثر عليّ بنات ابنتها، وحين كانت تنتهرني وتزجرني على خطأٍ بسيط، كنت أتأكد من ذلك.
ماتت جدتي ولم أبكِ، ولكن بمجرد أن دخلت غرفتها ولم أجد سوى فراشها وموقدها بكيت. أمسكت بثوبها الذي خرجت به من "البلاد"، واستنشقت عطرها وشعرت أني أعاهدها، سأعود يوماً إلى "البلاد"، التي تفوق القمر والمريخ سحراً وغموضاً يا جدّتي!
أصبح الثوب ملكي. أخفيته بعيداً عن عيني أمّي، حتى كبرتُ ودسسته في حقيبة جهازي. بدا دخيلاً بين ثياب العروس، فذكّرني بالبطّة السوداء التي فقست من البيضة، لتجد إخوانها بيض اللون محبوبين، وهي قبيحة مكروهة.
مرّت السنوات والتقيت بعمّتي في زيارة سريعة، فسألتني: "لماذا لا تضعين حول عنقك العقد الذي يشبه حبات الزيتون، الذي تركته لك جدتك؟".
العقد.. العقد.. عقد جدتي من أيام "البلاد"، والذي باعته أمي خلسةً في مصر، وأوصتني وإخوتي ألاّ نخبر أبي، وقالت إنه إرث أبي من أمّه، وهو "موضة" قديمة، واستبدلته ببعض الحلي لي ولأختي.
كان لي إذاً! خصّتني جدتي به! بعد كل هذه السنين، اكتشفتُ أن جدتي كانت تُحبّني إلى درجة أن تستأثرني بعقدها الوحيد الذي أضاعته أمي لأنها كانت "كُنة".