ثوراتنا وربيعنا.. هل من أمل؟!

01 يناير 2015
لا أمل حينما يكون عالم أفكارنا مهترئاً (Getty)
+ الخط -

بعدما كبّر الكثيرون على ثورات الربيع العربي أربعاً، ودفنوها في قعر من أرض صدورهم في بقعة قاحلة لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، يسأل أحدهم وقد ذاب يأساً وقنوطاً أين الأمل؟
يشاهد بنفسه كيف أجهضت ولادتها العويصة، ومات الجنين، بل لقد أُحرق، حرقته أمه لأنها لم تكن تظن أن ولادتها ستكون صعبة عسيرة إلى هذه الدرجة، هكذا قال لها زوجها الذي يقف على رأسها، هي لم تشاهد غيره!

يتساءل أين الأمل، ويتساءل الكثيرون ذات السؤال: أين الأمل؟

فهم لم يتعودوا أن تكون الأمور بهذا التعقيد، تعودوا من مشايخ القنوات الفضائية أن يقصوا عليهم قصص ملاحم الصحابة وهم يركبون عباب الصعاب، ويتجاوزون المخاطر بدعوة صادقة يدعونها في جوف من الليل!

تعودوا على مدربي دورات التنمية البشرية أن يحكوا لهم بطولات نماذج إنسانية عظيمة مرت بصعوبات في حياتها ولكنهم استطاعوا بفضل التصميم ووضوح الهدف والتخطيط الفذ أن يتجاوزوا كل هذه الإشكاليات، لقد حققوا الملايين وصاروا من المشاهير، لقد نجحوا في حياتهم!

تعودوا من مشايخ الجن والشياطين أن غالب مشاكلهم بسبب نسيانهم أذكار الصباح والمساء، فالجن والشياطين متربصون بهم، وعيون الناس تحسدهم، وهم إن استطاعوا تجاوز هؤلاء وأولئك سيكونون من الفائزين المفلحين!

تعودوا أن يسمعوا أنهم إن تبنوا هذا المنهج أو تلك الأيديولوجيا سينتصر الإسلام، كن ما شئت لكن لا تخبر أحداً من باقي المتنافسين لأنهم غالباً سيرونك منحرفاً عن النهج المستقيم!

تعودوا أن يسمعوا أن الإسلام لم يترك شاردة ولا واردة إلا عالجها وتطرق لها، وهذا يعني أن علينا أن نكون أسرى للتاريخ الإسلامي بكل ما فيه من خير وشر، علينا أن نعود إلى تاريخنا القديم بآلة زمن صنعتها عقولنا ثم نطبق كل ما في ذلك التاريخ المقدس حتى لو ركبنا البغال، وحملنا السيوف!

تعودوا أن يسمعوا أن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وهذا يشمل كل مناحي الحياة بمعناها الواسع!

تعودوا أن العالم كله منشغل في مؤامرة كونية تتابع أدق تفاصيل حياتنا، فالإسلام هو الخطر القادم، وهذا يعني أن علينا أن نلعن الغرب في اليوم ألف مرة، لم لا؛ فإن لعن الظلام ألف مرة خير من إشعال شمعة!

أو تعودوا أن مسلك النهوض مفتوح، وأن العالم ينتظر أن ننجح كي يفرش لنا الأرض ورداً، لم لا؛ فالعالم عبارة عن جمعية خيرية كبيرة يقودها قديس محترم!

تعودوا أن مصدر المعرفة الإنسانية هي قراءة روايات، وكتب قصصية، وبعض التافه من الكتب، وهم يرتشفون قهوة الكابتشينو، ثم بعد ذلك يصورون أنفسهم "سيلفي" ويعرضون هذه المنجزات الثقافية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي!

أين الأمل؟!

لا أمل حينما يكون عالم أفكارنا مهترئاً إلى هذه الدرجة، وتقودنا أفكار مرهَقة، أفكار قاتلة تسببت في تسمم عقولنا، تسببت في تزييف وعينا، تسببت في تشوه رؤيتنا إلى الواقع وتقيمنا له.

لا أمل حينما نظن أن الحياة مفروشة بالورود وأن مجرد النية الصالحة، وبذل القليل من الجهد، نزينه بدعوات مخلصة في جوف الليل مع إسباغ للوضوء على المكاره، كل هذا سيعني نهوضنا وتفوقنا وتسيدنا للعالم وقيادتنا له!

لا أمل إن كنا نظن أننا متفردون عن غيرنا وأننا أفضل منهم، فنحن مؤمنون وهم كفرة فجرة، ثم نحاول خرق سنن الله في كونه، معتمدين على "الواسطة"، فإن كانت واسطتهم الأسباب، فنحن الله سبحانه واسطتنا!

هل تريدون معرفة أين يكمن الأمل، الأمل يمكن استشرافه في مقولة المفكر الفرنسي غوستاف لوبون الذي يقول: (إن الانقلابات الكبرى التي تسبق عادة تبديل الحضارات تبدو للوهلة الأولى وكأنها محسومة من قبل تحولات سياسية ضخمة. ولكن الدراسات المتفحصة عن كثب لهذه الأحداث تكشف لنا غالباً أن السبب الحقيقي الذي يكمن وراء هذه الأسباب الظاهرية هو التغير العميق الذي يصيب أفكار الشعوب. والانقلابات التاريخية الحقيقية ليست تلك التي تدهشنا بضخامتها وعنفها. ذلك أن المتغيرات الوحيدة المهمة هي تلك التي تصيب الآراء العامة والتصورات والعقائد).

الأمل في تغييرنا لتلك الأفكار القاتلة المرهقة التي تجذرت في داخلنا حتى صارت معتقدات راسخة، عندما تتغير أفكارنا حينها فقط سيكون هناك أمل، لا ليس أملاً وحسب بل سيكون هناك تغير جذري حقيقي ولن تستطيع كل أنظمة الاستبداد ثنينا عن قرارنا. وكفانا بقول أبي القاسم الشابي:

إذا الشعــب يومــاً أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
ومن لم يعانقــه شــوق الحيــاة تبخــر فــي جوّهــا واندثـــر


*البحرين

المساهمون