استمع إلى الملخص
- تفاقم الأزمة بسبب تهالك البنى التحتية: الأمطار الغزيرة في سبتمبر/أيلول أدت إلى قطع الطرق وتضرر المنازل، مع استجابة حكومية محدودة اقتصرت على إرسال المعونات وفرق الإسعاف.
- تأثير التغير المناخي والصراعات السياسية: التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في البحر المتوسط يزيدان من مخاطر الأمطار والسيول، مع تأثير الصراعات السياسية على قدرة السلطات في مواجهة هذه المخاطر.
تتواصل التحذيرات الرسمية من إمكانية هطول أمطار غزيرة تتسبب في فيضان أودية في أنحاء ليبيا، لا سيما في غربها وجنوبها، في وقت يبدي فيه مواطنون قلقهم من مخاطر التغيّرات المناخية الطارئة على حياتهم.
يكثف المركز الوطني للأرصاد الجوية في ليبيا منذ أكثر من شهر نشراته اليومية الخاصة بتوقعات كميات الأمطار التي ستهطل، والأماكن التي يتوقع أن تفيض فيها أودية، ويكرر في كل نشرة تحذير المواطنين من تجنب الأماكن القريبة من الأودية.
وتسببت الأمطار الغزيرة التي هطلت في جنوب شرقي ليبيا في منتصف أغسطس/ آب الماضي، ثم انتقلت بعد أسبوع إلى الجنوب الغربي، في فيضان أودية كثيرة تدفقت مياهها داخل مدن ومناطق تعرّضت لأضرار واسعة، خاصة غات وتهاله والبركت وأوباري في الجنوب الغربي التي نزح منها عدد كبير من السكان.
وفي مطلع سبتمبر/ أيلول الجاري، شملت موجات الأمطار مناطق الشريط الساحلي الغربي، خاصة جنوبي طرابلس في ترهونة ومسلاته وسرت وزليتن، وتزامنت مع عودة الأمطار والسيول الى وسط الجنوب، خاصة مدينتي سبها وزويلة.
وفي نشرة أخيرة أصدرها في مطلع الأسبوع الجاري، حذر المركز الوطني للأرصاد الجوية من تكاثف كميات الأمطار في الأودية المجاورة لترهونة وزليتن ومسلاته وغريان الجبلية.
وقطعت السيول الطريق الرئيسي الذي يربط بين ترهونة وبني وليد من دون أن تلحق أي أضرار مادية بالمنطقتين، في حين لا تزال مدينة سبها تعالج أضرار تدفق مياه السيول إلى داخل أحيائها الشعبية، من بينها القاهرة والتحرير والمنشية وحجارة. وقد تسببت السيول في وفاة شخصين وتضرر 223 منزلاً ونزوح أكثر من 517 أسرة.
وتعد مسألة تهالك البنى التحتية في أنحاء البلاد سبباً رئيسياً لتفاقهم أزمة السيول والأمطار الغزيرة، بحسب ما يقول عبد الحكيم الزيداني، أحد أعيان جنوب ليبيا، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن "كميات السيول والأمطار التي شهدتها مناطق الجنوب غير مسبوقة منذ أكثر من سبعة عقود، علماً أن سكان هذه المناطق اعتادوا بناء مساكنهم بتصميمات وأسس فنية تناسب المناطق الجافة، لكن التحوّل المناخي فاجأهم".
ويعتبر الزيداني أن "الاستجابة الرسمية الحكومية لا تتناسب مع حجم الأزمة في مناطق الجنوب، في وقت تستمر فيه مخاطر عودة السيول في أي وقت"، ويؤكد انتشار المخاوف لدى عدد كبير من السكان من مخاطر التغيّر المناخي الذي جلب كميات كبيرة من الأمطار، في مقابل صمت السلطات، خاصة أن فصل الخريف على الأبواب".
وباستثناء المطالب التي أطلقها رئيس حكومة مجلس النواب أسامة حماد للمواطنين بضرورة الالتزام بالتحذيرات المناخية التي تصدرها إدارة التنبؤات في مركز الأرصاد الجوية لتخفيف أضرار الأمطار والسيول، لم تصدر حكومتا طرابلس وبنغازي أي بيانات تبدد مخاوف المواطنين في شأن تأثير التغيّر المناخي على حياتهم.
ويوضح الزيداني أن "جهود الحكومة لم تتجاوز حدّ إرسال المعونات وفرق الإسعاف والإنقاذ، وتنظيف مجاري الأودية وتحذير المواطنين من الاقتراب منها، في حين لم تقدم أي بديل للأسر التي نزحت من منازلها جراء السيول في تهالة وسبها، علماً أن الأهالي باشروا بجهودهم الخاصة تنظيف منازلهم وإعادة تأهيلها.
ويشير إلى أنه يتلقى أسئلة من السكان عن سبب التغيّر المناخي المفاجئ، ويحاول تقديم أجوبة لطمأنتهم بقدر الإمكان، "لكنني على يقين بأن كلامي لا يزيل خوف السكان. وبمقدار فرحتهم بمنظر الأعشاب الخضراء غير المألوف التي صارت تغطي مساحات واسعة من الصحراء، يخافون في الوقت نفسه من حوادث أشهر فصلي الخريف والشتاء المقبلين".
ويعتبر الأكاديمي المتهم بالدراسات المناخية سليمان الزحاف أن الصراعات السياسية والحروب أثرت بشكل كبير على قدرة السلطات على وعي مخاطر التغيّر المناخي وآثارها المحدقة بالحياة، ويشير إلى أن التقارير الدولية تحذر منذ مدة من تداعيات التغيّر المناخي الناجمة عن الاحتباس الحراري على صحة المواطن وحياته.
ويتحدث الزحاف لـ"العربي الجديد"، عن أن "التغيّر المناخي الذي يحصل في ليبيا سببه ارتفاع درجات الحرارة في المسطحات المائية بالبحر المتوسط. وتبدو الآثار واضحة من خلال التدقيق في ملامح الإجهاد الحراري على الناس، وعدم قدرة أجسامهم على التكيف مع نسب الحرارة الجديدة وموجات الرطوبة العالية".
ويعتبر أن "مخاطر التغيّر المناخي على ليبيا أكثر لأسباب عدة، منها أن الجهات الرسمية لا تستطيع مواجهة المظاهر الواضحة للتغيّر، مثل الأمطار والسيول، وكون موقعه الجغرافي ذا التضاريس المتنوعة يجعله أكثر عرضة للتغيّرات، والعاصفة دانيال التي ضربت مدينة درنا العام الماضي مثال واضح على ذلك فهي مرّت على مناطق عدة ثم اشتدت كثيراً حين وصلت إلى درنة".
يضيف "لم تنفذ حتى الآن دراسات دقيقة وموجهة لرصد الأثر البيئي للعاصفة دانيال، فالأمراض التي تفشت فجأة بين الحيوانات والمزروعات لا يمكن أن تكون إلا بسبب العاصفة، والسؤال عن أثرها على الإنسان منطقي أيضاً، خصوصاً أن الحكومة في بنغازي اكتشفت ارتفاع معدلات الإصابة بالأورام بشكل كبير منذ مطلع العام الحالي".
ويختم بأن "الخريطة المرضية ستتغير في ظل انتشار نواقل البكتيريا والفيروسات، ما يرفع مستوى الخطر من تفشي أمراض جديدة وانتشار أوسع للأمراض الموجودة".