ثقافة الموت وعبقرية الإجرام

05 فبراير 2015
+ الخط -

طريقة قتل الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة، وأسلوب تصوير الجريمة المتقن، يظهران عقلية منظمة، تتصف بالدهاء، وتفهم وتستوعب ما تقوم به، ولا يدور الحديث، هنا، عن الأفراد المسلحين الذي ظهروا في فيلم جريمة الحرق، بل على قيادة التنظيم التي تعطي الأوامر بالقتل وتصويره ونشره عبر الأثير، ليراه كل العالم. من دون أدنى شك، يجد المشاهد نفسه أمام حدث مقرف مقزز، يخلو من حس آدمي، ويعكس مدى اللوثة العقلية والخلل النفسي للمنفذ، ولا يمكن لأي ديانة أن تحلل، أو تشرعن قتلاً بهذه الطريقة. لكن، لا يمكن حصر الجريمة في إطار الإدانة الأخلاقية والإنسانية، وتبرئة الإسلام منها فحسب، فعلى الرغم من أهمية ما سبق، تبقى الحاجة ملحة لفهم الاستراتيجية وطريقة التفكير التي تتبعها قيادات التنظيم، في ممارسة القتل البشع والمرعب بأقصى درجاته، وعرضه بهذه الطريقة الملفتة.
ما أرادته قيادة التنظيم من إظهار حرق الطيار الشاب، إضافة إلى أفلام الرعب التي تصدرها بتتابع، على طريقة سلسلة أفلام "هالوين" الهوليودية، هو استحضار ردات فعل، وإرسال رسائل سياسية عدة، ربما كان أولها استجلاب غضب الجمهور الأردني على تحالف الحرب المنضوية دولتهم تحته، ضد التنظيم، وهي تدرك، أيضاً، أن أهل الشهيد وأبناء وطنه، سيوجهون غضبهم وصدمتهم من هول الحدث تجاه التنظيم نفسه، أيضاً، هي رسالة تحمل مضامين سياسية، لكل الأطراف الدولية، يثبت فيه التنظيم مدى قوته وسطوته، وتحكمه على الأرض. في النهاية، هي جزء من استراتيجية الحرب النفسية التي تمارسها داعش، عبر سنوات طويلة، بدأت في عهد أبو مصعب الزرقاوي، وتهدف، من خلالها، إلى بث حالة من الخوف والرعب ضد كل من يفكر في المواجهة والتصدي لفكرها وآلتها العسكرية الممتدة.
قد لا يبدو إجرام داعش، هنا، حالة فردية، تبعد الأنظار عن أنظمة وميليشيات لا تقل دموية عنه، كنظام الأسد وميليشياته الطائفية التي تقاتل دفاعاً عنه، وارتكبت وترتكب جرائم تصفيةٍ، لا تقل وحشية، في العراق وسورية، من حرق إلى تفخيخ أجساد وثقب رؤوس على طريقة "أبو درع"، أحد قادة جيش المهدي، لكنها متسترة ومخفية، فتنفذ دونما تقنيات تصوير داعش، بل كشفتها كاميرات هواتف محمولة، صورها المسلحون بأنفسهم.
بهذا الشكل، أصبح القتل والتفنن في عرضه، سواء عبر محترفين و تقنيين، أو هواة يمارسون اللهو، حاله سائدة، وموضة دارجة في الشرق الأوسط، كما لم يعد فيها مجرد جريمة يرتكبها مهووسون ومضللون بستارات دينية (داعش)، أو مرتزقه ذوي نزعات إجرامية-طائفية (شبيحة الأسد والميليشات المذهبية)، دونما هدف، بل هي استراتيجية متبعة، وتخططها عقول نخبوية محنكة، ليست ساذجة ولا سايكوباتية، بل واعية وتملك بعد نظر، وتحقق منها مكاسب سياسية-عسكرية، فلكل زمانٍ رجالاته كما يقال، وعندما تدخل المنطقة في فوضى الحروب والموت المجاني، وتتحول الجريمة لتكون واقعاً وحالة عامة، يتصدر هنا قادة الموت والقتل، و تتفتق العقول القيادية النيِّرة، بعيدة النظر، لتنتج، وسط ثقافة الموت، عبقرية الإجرام.

 

 


 

avata
avata
سامر ياسر (فلسطين)
سامر ياسر (فلسطين)