05 سبتمبر 2015
مشاهد موت متواصلة
سامر ياسر (فلسطين)
يتقدّم ضياء التلاحمة نحو حاجز ذُل على تخوم بلدته (خرسا)، يحمل عبوة كان يريد نسف الحاجز بها، لكنه كُشف في اللحظات الأخيرة من تنفيذ هجومه، فأصابته رصاصات المهووسين، لتنفجر العبوة بجسده، ويسقط في مشهد موت أول.
بعد يوم، وقريباً من موقع استشهاده في الخليل، تقف هديل الهشلمون متوجسة أمام بندقية من سيقتلها بعد لحظات. كان هذا آخر روتين ذُل يومي، إذ كانت تمر يومياً مسرعة من الحاجز المزروع في طريق بيتها، تريد العودة حيث ينتظرها والداها وإخوتها. هذه الليلة لن تصل إليهم، لأن الجندي الخائف أطلق، بيده المرتجفة، ثلاثة عشر رصاصة مزقت جسدها ورمتها أرضاً.
تظهر في مشهدٍ، وهي تنازع الرمق الأخير، بينما القتلة حولها تعلو صرخاتهم ككلاب مسعورة، إذ مازالوا خائفين منها، على الرغم من تأكدهم من موتها الذي لم يشف غليلهم، فنكّلوا بها ميتة، وجرّوا جثتها من دون مراعاة لحرمة الموت، فإدمانهم المريض لإذلال الفلسطيني، وهو حي، على حواجز التفتيش، يستمر في طقوس الإذلال لجسده، وهو ميت.
ادّعى القتلة أنها حملت سكيناً أرادت بها مهاجمة قاتلها، إلا أن صور الحادثة، وكلام شهود عيانها، أكدا أنها لم تحملها، وأنها قتلت من دون سبب بدم بارد، وتركت تنزف من دون محاولة لإسعافها، في مشهد ثانٍ من مشاهد موت تحصد أرواح شباب مزهرة وتطفئ أحلامهم بحياة كريمة في أرض الوطن.
لمّا ينتهي المشهد بعد، مازال متواصلاً يحبس الأنفاس، ويجمد الدم في العروق، ويضمن الإثارة والتشويق لمن أراد أن يرى مشاهد موت متواصلة على تلفزيون الواقع، فهنا، في تتابع مستمر، يخرج مهند الحلبي (صديق ضياء) في أحد أزقة القدس القديمة، يفجر غضبه بطعنات قاتلة لمستوطنَين، وعلى الرغم من دموية المشهد ورعبه، يبدو فدائياً وبطولياً بكل المقاييس، مشفياً لصدور قوم، قبل أن يسقط بطله مهند مضرجاً برصاصات جنودٍ هرولوا لإنقاذ من قتلهم.
لا يلبث المشهد أن ينتهي، حتى يقتحم مشهد آخر في المكان نفسه في القدس، بزمن لاحق، عندما يتكالب مستوطنون على فادي علون ضرباً ورفساً، حتى تجهز عليه أخيراً رصاصات الأمن الإسرائيلي، وترديه في عيد ميلاده التاسع عشر.
هديل وضياء ومهند وفادي، ما كُنتُم ستقتلون لولا طلقات الغدر والاحتلال والاستيطان. كانت ستبقى ضحكاتكم الفتية بلسم شفاء لأمهاتكم كلما سمعتها، كما أحلامكم وأمانيكم، كانت هاجساً لحياةٍ رغبتم بها سعيدة وحرة وآمنه وكريمة، لكن رصاصات القتلة أبت إلا أن تدفنها في مهدها.
فتحوا النار على أجسادكم وأردوكم. سقطتم، كلّ على حدة، في مشاهد وأمكنة ومواقيت عدة في أرض الوطن. سالت دماؤكم أمام جزارين ما شبعوا من موتكم، ولا من إذلالكم لمّا امتلأتم حياة.
أراد القَتَلة جعلكم مجرد أرقام لموتى تسجل في قائمة ما، أو خبراً عابراً على نشرة أخبار تبدأ وتنتهي بالموت، فشلوا حتماً، لستم أرقام موتى، بل أحياء في ذاكرة النكبة و الاغتصاب التي تجر نوازع الانتقام ورد الكرامات.
سيتذكّركم أقرانكم وبنو أرضكم كلما شاهدوكم في إطار نعي عابر، ليعبروا من خلالكم على يوميات الذل والامتهان لآدميتهم وإنسانيتهم، وليعرفوا أن حياتهم البائسة قد تنتهي مشابهة لحياتكم يوماً ما، فتبقى عيونهم شاخصة إلى سكاكين وأدوات موت أخرى، قد يفجّرون فيها غضبهم نحو من أذلكم ويذلهم، وقتلكم قبل أن يقتلهم، في مشاهد موت متواصلة في الوطن المحتل.
بعد يوم، وقريباً من موقع استشهاده في الخليل، تقف هديل الهشلمون متوجسة أمام بندقية من سيقتلها بعد لحظات. كان هذا آخر روتين ذُل يومي، إذ كانت تمر يومياً مسرعة من الحاجز المزروع في طريق بيتها، تريد العودة حيث ينتظرها والداها وإخوتها. هذه الليلة لن تصل إليهم، لأن الجندي الخائف أطلق، بيده المرتجفة، ثلاثة عشر رصاصة مزقت جسدها ورمتها أرضاً.
تظهر في مشهدٍ، وهي تنازع الرمق الأخير، بينما القتلة حولها تعلو صرخاتهم ككلاب مسعورة، إذ مازالوا خائفين منها، على الرغم من تأكدهم من موتها الذي لم يشف غليلهم، فنكّلوا بها ميتة، وجرّوا جثتها من دون مراعاة لحرمة الموت، فإدمانهم المريض لإذلال الفلسطيني، وهو حي، على حواجز التفتيش، يستمر في طقوس الإذلال لجسده، وهو ميت.
ادّعى القتلة أنها حملت سكيناً أرادت بها مهاجمة قاتلها، إلا أن صور الحادثة، وكلام شهود عيانها، أكدا أنها لم تحملها، وأنها قتلت من دون سبب بدم بارد، وتركت تنزف من دون محاولة لإسعافها، في مشهد ثانٍ من مشاهد موت تحصد أرواح شباب مزهرة وتطفئ أحلامهم بحياة كريمة في أرض الوطن.
لمّا ينتهي المشهد بعد، مازال متواصلاً يحبس الأنفاس، ويجمد الدم في العروق، ويضمن الإثارة والتشويق لمن أراد أن يرى مشاهد موت متواصلة على تلفزيون الواقع، فهنا، في تتابع مستمر، يخرج مهند الحلبي (صديق ضياء) في أحد أزقة القدس القديمة، يفجر غضبه بطعنات قاتلة لمستوطنَين، وعلى الرغم من دموية المشهد ورعبه، يبدو فدائياً وبطولياً بكل المقاييس، مشفياً لصدور قوم، قبل أن يسقط بطله مهند مضرجاً برصاصات جنودٍ هرولوا لإنقاذ من قتلهم.
لا يلبث المشهد أن ينتهي، حتى يقتحم مشهد آخر في المكان نفسه في القدس، بزمن لاحق، عندما يتكالب مستوطنون على فادي علون ضرباً ورفساً، حتى تجهز عليه أخيراً رصاصات الأمن الإسرائيلي، وترديه في عيد ميلاده التاسع عشر.
هديل وضياء ومهند وفادي، ما كُنتُم ستقتلون لولا طلقات الغدر والاحتلال والاستيطان. كانت ستبقى ضحكاتكم الفتية بلسم شفاء لأمهاتكم كلما سمعتها، كما أحلامكم وأمانيكم، كانت هاجساً لحياةٍ رغبتم بها سعيدة وحرة وآمنه وكريمة، لكن رصاصات القتلة أبت إلا أن تدفنها في مهدها.
فتحوا النار على أجسادكم وأردوكم. سقطتم، كلّ على حدة، في مشاهد وأمكنة ومواقيت عدة في أرض الوطن. سالت دماؤكم أمام جزارين ما شبعوا من موتكم، ولا من إذلالكم لمّا امتلأتم حياة.
أراد القَتَلة جعلكم مجرد أرقام لموتى تسجل في قائمة ما، أو خبراً عابراً على نشرة أخبار تبدأ وتنتهي بالموت، فشلوا حتماً، لستم أرقام موتى، بل أحياء في ذاكرة النكبة و الاغتصاب التي تجر نوازع الانتقام ورد الكرامات.
سيتذكّركم أقرانكم وبنو أرضكم كلما شاهدوكم في إطار نعي عابر، ليعبروا من خلالكم على يوميات الذل والامتهان لآدميتهم وإنسانيتهم، وليعرفوا أن حياتهم البائسة قد تنتهي مشابهة لحياتكم يوماً ما، فتبقى عيونهم شاخصة إلى سكاكين وأدوات موت أخرى، قد يفجّرون فيها غضبهم نحو من أذلكم ويذلهم، وقتلكم قبل أن يقتلهم، في مشاهد موت متواصلة في الوطن المحتل.
مقالات أخرى
19 يونيو 2015
02 مايو 2015
12 مارس 2015