08 أكتوبر 2015
آلان وفرضيات أخرى
سامر ياسر (فلسطين)
لم يكن من المفترض لآلان، الطفل السوري ابن الثلاث سنوات الذي وجد غارقا على شاطئ تركي، أن يصل إلى تلك النهايه المأساوية التي سيشاهدها الملايين، فتؤرق إنسانيتهم بعض الوقت، ثم ما تلبث لتنتهي وتمحى من ذاكرة ضعيفه، يعيش أصحابها صخب وجنون أحداث موت يوميه تدور في وطن آلان الذي تركه هارباً من موت مسلط عليه، مع ملايين من أقرانه، بيد نظام جمهوري متوارث، يحكم بشعارات محشوة، اعتاد صبية أكبر منه ترديدها عبر سنوات في طابور مدرستهم الصباحي. كان من المفترض لآلان، لو نجا وكبر وعاش في جمهورية الممانعه تلك، أن يحفظها عن ظهر قلب، ويرددها مع زملائه في باحة المدرسة. لم يشأ القدر له أن يتركه، ويعيش في دولة الحزب الواحد والقائد الواحد.
غرق آلان، وقضى قبل أن يكبر، ليترك للعقل البشري الذي يراه نائماً على رمال بحر يلطم جسده، التفكير بالسبب الذي جعل مدارس النظام الأسدي لا تحتضنه وتحميه مع أسرته، قبل أن يركب ذلك القارب منقاداً إلى حتفه مع شقيقه. مات آلان، ولو ظل حياً وكبر في جمهورية الابن التي احترفت ترديد الشعارات والتعبئه المعنوية بين أطفال مدارسها، أنه كان سيجهر متحمساً بذاك الهتاف المشهور في طابور مدرسته المفترضة في صباحه المفترض، عندما يصيح أستاذه المفترض أيضاً من مكبر الصوت، "أهدافنا"، ليرد عليه مع باقي الصغار "وحدة حريه اشتراكية"، حيث كان من المفترض أيضاً أن ينضج، ثم ليكفر به (أي الشعار) تلقائياً عندما يتأكد أنه ليس إلا حشو فارغ، لا تحققه له جمهورية البعث التي كان مفروضاً أن يعيش فيها، لحظة اكتشافه حقيقة ما أنتجته هذه الجمهوريه من طبقيه وطائفيه وفقر، ومعتقلات تمتلئ بآلاف من شباب وطنه.
ولد ألان في بلد أحرقته الحرب الأهليه، أو قد يكون هو نفسه ولد خارج هذا الوطن في معسكر لجوء ما، قبل ثلاثة أعوام لم تكتمل من رصيد عمره المنقوص. ربما كان يريد أن ينضج وعيه في حديقة مدينة أوروبية، يلعب فيها ويعيش طفولة راغدة مدللة، لا يحتاج فيها لترديد شعارات لا يفهم عقله معناها، ثم ليتعلم في مدرسة حديثه مع أطفال يمتلئون فرحاً ومرحاً، حتى يكبر ويتخرج من جامعةٍ، كان من المفترض أن تكون السوربون أو كامبريدج، لكن عقله القاصر مرة أخرى لم يفهم أن هذه الدول المتقدمة ترفض أن تطأها قدماه، هو وشقيقه وأمه، لأنه سيكون عبئاً ثقيلاً على كاهل دافعي الضرائب فيها، وهي بالأساس لا تكترث له ولا لملايين الأطفال المشردين مثله، ممن يحتاجون حماية ومأوى وعلاجاً.
يفر من موت سلطّه عليه نظامه، إلى موت آخر على شاطئ بعيد، كي تتصدر فيه جثته الصغيرة المتصلبة صفحات وتلفزيونات العالم، تتراشقها وتضربها أمواج البحر الأوروبي الذي كان من المفترض أن يصل إليه ألان سالماً مع شقيقه ووالديه، ثم ليعود له لاحقاً كي يلعب عليه مع أطفال آخرين مفترضين، وليبني عليه قلعته الرملية المفترضه التي سيراها تتهدم، ليبنيها مرة أخرى، ثم ليعود إلى منزله الهادئ الجميل في تلك المدينة الأوروبية الوادعه التي كان من المفترض أن يعيش فيها.
ولد ألان في بلد أحرقته الحرب الأهليه، أو قد يكون هو نفسه ولد خارج هذا الوطن في معسكر لجوء ما، قبل ثلاثة أعوام لم تكتمل من رصيد عمره المنقوص. ربما كان يريد أن ينضج وعيه في حديقة مدينة أوروبية، يلعب فيها ويعيش طفولة راغدة مدللة، لا يحتاج فيها لترديد شعارات لا يفهم عقله معناها، ثم ليتعلم في مدرسة حديثه مع أطفال يمتلئون فرحاً ومرحاً، حتى يكبر ويتخرج من جامعةٍ، كان من المفترض أن تكون السوربون أو كامبريدج، لكن عقله القاصر مرة أخرى لم يفهم أن هذه الدول المتقدمة ترفض أن تطأها قدماه، هو وشقيقه وأمه، لأنه سيكون عبئاً ثقيلاً على كاهل دافعي الضرائب فيها، وهي بالأساس لا تكترث له ولا لملايين الأطفال المشردين مثله، ممن يحتاجون حماية ومأوى وعلاجاً.
يفر من موت سلطّه عليه نظامه، إلى موت آخر على شاطئ بعيد، كي تتصدر فيه جثته الصغيرة المتصلبة صفحات وتلفزيونات العالم، تتراشقها وتضربها أمواج البحر الأوروبي الذي كان من المفترض أن يصل إليه ألان سالماً مع شقيقه ووالديه، ثم ليعود له لاحقاً كي يلعب عليه مع أطفال آخرين مفترضين، وليبني عليه قلعته الرملية المفترضه التي سيراها تتهدم، ليبنيها مرة أخرى، ثم ليعود إلى منزله الهادئ الجميل في تلك المدينة الأوروبية الوادعه التي كان من المفترض أن يعيش فيها.
مقالات أخرى
19 يونيو 2015
02 مايو 2015
12 مارس 2015