في جو يقترب من الوشاية، بعد تفجيرات السابع من يناير/كانون الثاني التي عرفتها باريس، تتعرض كل المؤسسات الإسلإمية في فرنسا لانتقادات وهجمات منظمة، تأتي من كل الجهات، ليس فقط من اليمين المتطرف، ولا يمين اليمين التقليدي، بل حتى من اليسار.
ولا يتوقف اليساريون عن إعطاء الدروس والاحتماء بالعلمانية، ما يفسر ما أعلنته النائبة الفرنسية المسلمة في مجلس الشيوخ الفرنسي، سامية غالي، بأنه من أجل الحديث عن العلمانية يجب إرساء المساواة!.
ولا تتعرض المؤسسات الدينية وحدها للنقد، بل أيضاً المؤسسات الدينية المرخصة من وزارة الداخلية الفرنسية، واتحاد المنظمات الإسلامية، الذين يعملون علانية، وفي وضح النهار. كما وصل الأمر إلى التهجم على عدد من المدارس والثانويات الإسلامية الخاصّة التي استطاعت الجالية الإسلامية في فرنسا، بشق الأنفس، أن تؤسسها رداً على تنامي الإسلاموفوبيا، بما فيها حرمان آلاف التلميذات المحجبات من ولوج المدارس العمومية، باسم العلمانية، واللواتي لم يكن لهنّ من خلاص سوى ارتياد المدارس والثانويات المسيحية الخاصة، على غرار ما فعله إمام بوردو الشيخ طارق أوبرو.
ويبدو أن الأمر يَغيظ أنصار التشدد "العلمانوي" في فرنسا، والذي تقوده صحيفة ليبراسيون، التي أقدمت على نشر مقال رأي لرجل تعليم اسمه سفيان زيتوني، وجَّه فيه اتهامات حادة لثانوية ابن رشد، الموجودة في ليل، بشمال فرنسا. وتلقفت وسائل الإعلام الفرنسية كلها هذا المقال بطريقة فيها من التهويل والإثارة والتهييج وكأن الجمهورية الفرنسية مستهدفة من طرف هذه الثانوية التي تأسست سنة 2003، والتي تعمل بترخيص (عقد) من طرف وزارة التعليم الفرنسية، وحظيت سنة 2013 بجائزة أفضل ثانوية في فرنسا (وفق استطلاع أجرته صحيفة لوباريزيان، نسبة النجاح فيها تصل إلى 100 في المائة في البكالوريا).
ويبدو أن المفتاح السحري في أي هجوم على الجالية الإسلامية ومؤسساتها هو تهمة اللاسامية. وهو سلاح يجيد استخدامه كل المنشقين عن هذه الجالية الذين يبحثون عن تحقيق مكاسب سياسية أو مالية أو شهرة في الوسط الثقافي والإعلامي الفرنسي. وهي طريقة بوعلام صنصال ومالك شبل وآخرين الذين يكتبون في مجلات صهيونية مكشوفة كـ"كوزور". وهو نفس سلاح سفيان زيتوني، الذي تجرأ على الكتابة في ليبراسيون، أنه: "خلال أكثر من عشرين سنة من العمل في الوسط المدرسي، لم يسمع فيها كلماتٍ معاديةً للسامية في أي ثانوية، وفجأة تجرأ طالبٌ على أن يقول لي يوما: إن العِرْق اليهودي عِرقٌ لعنه الله. وهو ما يقوله كثير من العلماء".
يخلط زيتوني، الذي يُصرّ على إظهار انتمائه لمدرسة طرقية (صوفية)، وهو ما يفضح توجّهاته ونواياه، أصلا، بين الموقف الرسمي للثانوية وتصرفات تلاميذ وطلاب. وهو موقفٌ تُفنده كل استطلاعات الرأي والمتخصصون في هذا المجال، التي تعترف بتنامي الأقوال والتصرفات المعادية للسامية في مختلف المؤسسات التعليمية في عموم فرنسا، وليس فقط في ثانوية إسلامية خاصّة.
وكأن صحيفة ليبراسيون كانت سعيدة بنشرها لهذا المقال، إذ كشفت أن العلاقات فاترة جداً بين ثانوية ابن رشد وعمدة مدينة ليل، مارتين أوبري، ولكنها نسيت أن العمدة نفسها رفضت استقبال المفكر السويسري الكبير طارق رمضان في لقاء فكري نُظِّمَ في مدينتها.
وقد نشرت ثانوية ابن رشد بياناً بهذا الصدد، وأرسلت نسخةً منه إلى "العربي الجديد" جاء فيه: إن سفيان زيتوني نشر مقالا يسيء كثيراً إلى الثانوية الإسلامية الخاصة، ابن رشد، وإن إدارة الثانوية وكل الطاقم التعليمي في المؤسسة يُفنّدون الادعاءات الكاذبة والتي يُشتمّ منها رائحة الوشاية في المقال. ولهذا السبب، فإن الثانوية ستقدم شكوى بتهمة القدح ضد هذا المُدرّس الذي يجهل، بعمق، روحية مؤسستنا، والتي لم يشتغل فيها سوى ثلاثة أشهر. إن المؤسسة ارتكزت على مبادئ الانفتاح والتسامح، وتدعو، بشكل لا يتغير، إلى فهم أصيل عن الإسلام في انسجام كامل مع قِيَم الجمهورية.