19 يناير 2024
تونس والديمقراطية في مرحلة انتقالية
ما زالت تونس في مرحلة هشّة من عملية الانتقال الديمقراطي، على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية الثانية، والانتخابات التشريعية الثالثة قريبا. ولكن معظم علماء السياسة يعتبرون أن استقرار المؤسسات الديمقراطية يحتاج على الأقل أربع دورات تشريعية انتخابية، تجري فيها الانتخابات بحرية ونزاهة تامة، وهو ما يؤكد الدور المميز الذي لعبته الهيئة المستقلة العليا للانتخابات في تونس، فقد نجحت في تنظيم الانتخابات الرئاسية خلال وقت قصير نسبيا بعد الوفاة المفاجئة للرئيس الباجي السبسي. ويبقى أخطر مؤشرين: عزوف الناخبين عن المشاركة، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 45.02%، وهذه أدنى مما في عام 2014، وكانت 64%. ويُقرأ عزوف الناخبين دوما فقدانا للثقة في أن نتائج الانتخابات ستُحدث أي تغيير على مستوى الحياة الاقتصادية والاجتماعية للناخبين، وهذا يبعث على الخوف من أن يتحول هذا الصمت الانتخابي إلى عمليات احتجاج خارج الصندوق الانتخابي، على شكل مظاهراتٍ من الصعب السيطرة عليها أو أعمال شغب.
النقطة الأخرى فشل وصول أي من ممثلي الأحزاب السياسية أو مرشحيها إلى الدور الثاني، وهو ما أحدث "زلزالا" سياسيا، كما تم وصفه، ومنها حزبا النهضة ونداء تونس الذي شهد تصدعات كبيرة، تدل على نهايته تقريبا على المستوى الوطني، وذلك مع صعود أكبر للحالات الشعبوية التي مثلها أكثر من مرشح في هذه الانتخابات، وفي مقدمتهم نبيل القروي الذي وصل إلى الدور الثاني.
عموما، تحدث الهزات السياسية في كل الدول حديثة العهد بالديمقراطية، وهو ما حدث تقريبا مع خسارة معظم الأحزاب الثورية والديمقراطية في المراحل الثالثة أو الرابعة من الانتخابات
التشريعية في أوروبا الشرقية، على الرغم من دور هذه الأحزاب الكبير في عملية التغيير الديمقراطية ودمقرطة المؤسسات بعد مرحلة الانفضاض عن الاتحاد السوفييتي، والتغيير الكبير الذي جرى عام 1989، حيث خسرت منظمة التضامن البولندية. ما يعود إلى توقعات كبيرة كانت لدى المواطنين أن التغيير السياسي الكبير سيجلب معه نجاحا اقتصاديا وازدهارا على المستويين، الوطني والفردي.
لم يتحقق شيء من ذلك على المستوى الوطني في تونس، حيث يثقل الدين العام الخزينة التونسية، ويجبرها على الاقتراض الدائم من البنك الدولي، من دون أن تعوّض إيرادات السياحة أو تصدير الفوسفات من العجز الدائم في الميزانية أو يرفع نسبة النمو المنخفضة جدا على مستوى الأعوام الأربعة الماضية، وهي 2.1% وفقا للبنك الدولي. وفوق ذلك، يبقى ترهل مؤسسات القطاع العام أو التوظيف الحكومي أحد أهم عقبات النمو والإصلاح الاقتصادي، والتخلص من ذلك يكون عبئاً على كل مرشح ديمقراطي، يريد أن يعد الناخبين بالتوظيف وفرص العمل. وقد أدخل هذا الحال تونس في حلقة مفرغة من العجز الاقتصادي الذي يصبح أكثر تأثيرا مع ارتفاع نسب التعليم، فالنسبة الأكبر من المتعلمين صوّتوا للمرشح قيس سعيد الذي اعتمد على طلبته في إدارة الحملة الانتخابية المتواضعة التي أوصلته إلى الموقع الأول، في حين صوّت الناخبون الأقل تعليما للمرشح نبيل القروي الذي حصل على المرتبة الثانية.
تفيد كل المؤشرات بأن حزب النهضة والأحزاب السياسية الأخرى، خصوصا "تحيا تونس" الذي يرأسه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد (عداوته كبيرة للقروي) ستعمل على دعم المرشح المحافظ،
قيس سعيد، على حساب المرشح نبيل القروي، الموقوف والمتهم بالاختلاس والتهرّب الضريبي. وبالتالي يمكن التوقع أن رئيس تونس القادم سيكون من خلفية أكاديمية مع خبرة سياسية أقل مع كثير من الشعارات الشعبوية التي رفعها في حملته الانتخابية تحت عنوان "الشعب يريد"، وهو يرفض بشدة المساواة في الميراث بين المرأة والرجل، إذ أكد مراتٍ "أن المسألة محسومة بالنص القرآني، وهو واضح وصريح ولا يحتاج للتأويل ولا للاجتهاد.. فنحن لسنا ضيعة ولا بستانًا، بل دولة". وسيجعله هذا الموقف في حالة صدام مع اليسار التونسي الذي جعل من قضية المساواة في الميراث أحد أهم إنجازات الرئيس الراحل، الباجي السبسي، على الرغم من عدم قدرته على تمرير مشروعه هذا في البرلمان ليصبح قانوناً.
ويؤيد قيس سعيد إنفاذ عقوبة الإعدام، على الرغم من المساعي الدولية والحقوقية لإلغائها في تونس، بل ويشدّد على ضرورة تطبيقها في حالاتٍ تحتاج ردعا شديدا، كما يعتبر سعيد أن "المثليين يحصلون على تمويل من الخارج لإفساد الأمة الإسلامية". ويتعهد بـ"حل الجمعيات" إذا وصل إلى السلطة، معربا عن رفضه العمل الجمعياتي. وهو ما سيجعله أيضا في حالة صدام قوي مع المجتمع المدني التونسي، الحيوي والنشط، والذي يحصل على تمويل كبير من الاتحاد الأوروبي، الجار الأكبر والشريك الاستراتيجي لتونس. ولذلك، من المتوقع بعض الفتور في السياسة الخارجية التونسية، مع الحاجة لانتظار الانتخابات التشريعية، لمعرفة رئيس الوزراء القادم، والذي وفقا للدستور التونسي يحتفظ بصلاحيات أكبر من رئيس الجمهورية الذي ينتخبه الشعب بشكل مباشر.
عموما، تحدث الهزات السياسية في كل الدول حديثة العهد بالديمقراطية، وهو ما حدث تقريبا مع خسارة معظم الأحزاب الثورية والديمقراطية في المراحل الثالثة أو الرابعة من الانتخابات
لم يتحقق شيء من ذلك على المستوى الوطني في تونس، حيث يثقل الدين العام الخزينة التونسية، ويجبرها على الاقتراض الدائم من البنك الدولي، من دون أن تعوّض إيرادات السياحة أو تصدير الفوسفات من العجز الدائم في الميزانية أو يرفع نسبة النمو المنخفضة جدا على مستوى الأعوام الأربعة الماضية، وهي 2.1% وفقا للبنك الدولي. وفوق ذلك، يبقى ترهل مؤسسات القطاع العام أو التوظيف الحكومي أحد أهم عقبات النمو والإصلاح الاقتصادي، والتخلص من ذلك يكون عبئاً على كل مرشح ديمقراطي، يريد أن يعد الناخبين بالتوظيف وفرص العمل. وقد أدخل هذا الحال تونس في حلقة مفرغة من العجز الاقتصادي الذي يصبح أكثر تأثيرا مع ارتفاع نسب التعليم، فالنسبة الأكبر من المتعلمين صوّتوا للمرشح قيس سعيد الذي اعتمد على طلبته في إدارة الحملة الانتخابية المتواضعة التي أوصلته إلى الموقع الأول، في حين صوّت الناخبون الأقل تعليما للمرشح نبيل القروي الذي حصل على المرتبة الثانية.
تفيد كل المؤشرات بأن حزب النهضة والأحزاب السياسية الأخرى، خصوصا "تحيا تونس" الذي يرأسه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد (عداوته كبيرة للقروي) ستعمل على دعم المرشح المحافظ،
ويؤيد قيس سعيد إنفاذ عقوبة الإعدام، على الرغم من المساعي الدولية والحقوقية لإلغائها في تونس، بل ويشدّد على ضرورة تطبيقها في حالاتٍ تحتاج ردعا شديدا، كما يعتبر سعيد أن "المثليين يحصلون على تمويل من الخارج لإفساد الأمة الإسلامية". ويتعهد بـ"حل الجمعيات" إذا وصل إلى السلطة، معربا عن رفضه العمل الجمعياتي. وهو ما سيجعله أيضا في حالة صدام قوي مع المجتمع المدني التونسي، الحيوي والنشط، والذي يحصل على تمويل كبير من الاتحاد الأوروبي، الجار الأكبر والشريك الاستراتيجي لتونس. ولذلك، من المتوقع بعض الفتور في السياسة الخارجية التونسية، مع الحاجة لانتظار الانتخابات التشريعية، لمعرفة رئيس الوزراء القادم، والذي وفقا للدستور التونسي يحتفظ بصلاحيات أكبر من رئيس الجمهورية الذي ينتخبه الشعب بشكل مباشر.