تونس ما بعد الصيد: مأزق دستوري ومصاعب اختيار خليفته

01 اغسطس 2016
دافع الصيد عن عمل حكومته أمام البرلمان (ياسين غايدي/الأناضول)
+ الخط -


بدأت تونس تستعد لمرحلة ما بعد حكومة الحبيب الصيد، بعد أن سحب البرلمان الثقة من رئيس الحكومة وفريقه الوزاري الذي حضر معه الجلسة النيابية العامة، والتي حاول خلالها الصيد الدفاع عن حصيلة عمله، وسط انتقادات واسعة من بعض النواب وصلت إلى حد التهجم على رئيس الحكومة وفريقه. ومع تصويت 118 نائباً بسحب الثقة، تحوّلت حكومة الصيد إلى حكومة تصريف أعمال، في انتظار استئناف المشاورات مجدداً حول تشكيل الحكومة الجديدة، والمرشح لنيل ثقة القصر الرئاسي، وثقة الأحزاب المشاركة في المشاورات الحكومية، وسط مؤشرات تدل على أن الاتفاق على خليفة الصيد لن يكون أمراً سهلاً.
وتواجه تونس مأزقاً دستورياً باعتبار أن التوجه نحو حكومة تصريف أعمال، يبدو مسألة غير واضحة دستورياً. ويرى المتخصص في القانون الدستوري أمين محفوظ، أن مصطلح تصريف الأعمال غريب عن الأنظمة السياسية المستقرة. ويوضح محفوظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تصريف الأعمال يكون في الحكومات غير المستقرة، ولكن تونس التي اختارت هذا النظام، لم تحدد معنى تصريف الأعمال، وهي قامت بتعديلات عليه. ويشير إلى أن الدستور التونسي، حدد اللجوء إلى حكومة تصريف الأعمال في ظل وجود أزمة، أو شغور في منصب رئيس الحكومة، مؤكداً أنه بعد جلسة سحب الثقة فإن الحكومة منذ يوم أمس الأحد، لم تعد قادرة على مواصلة أعمالها. ويلفت المتخصص في القانون الدستوري، إلى أنه في بلجيكا مثلاً وعندما حصلت أزمة، بقيت الحكومة تصرف الأعمال 541 يوماً، لكن في تونس التي لا توجد بها أزمة ولا محكمة دستورية، كيف سيتم التعامل مع الموضوع؟
وتواجه تونس مأزقاً دستورياً واضحاً في تحديد طبيعة تصريف الأعمال، والمدة التي ستقضيها الحكومة في مهمتها هذه. ولكن بالعودة إلى خطاب الصيد الأخير، فهو لم يكن مقتنعاً بفشل حكومته ولجأ إلى التذكير بإنجازاته، ولم يُخفِ تأثره بقرار إزاحته، مردداً "ها نحن راحلون"، وهو الذي توقّع منذ تعيينه أن يكون وجوده في المنصب طويل المدى، الأمر الذي سيمكّنه من القيام بمزيد من الإصلاحات الكبرى التي كان ينتظرها التونسيون.
الصيد الذي عمل في ظل وضع اجتماعي واقتصادي مشحون ومعقّد، كان بمثابة من يمشي في حقل من الألغام، فالتركة التي خلّفتها الحكومات المتعاقبة منذ الثورة كانت ثقيلة، الأمر الذي جعل الرجل يسهب في الدفاع عن أداء حكومته، ويشخص الوضع الاقتصادي في تونس. ورأى الصيد أن حكومته، وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة، قد أحرزت تقدّماً واضحاً في مجال محاربة الإرهاب، وهو الموضوع الأساسي الذي ركّزت عليه ليكون من أبرز الأولويات، إضافة إلى مقاومة غلاء المعيشة. وبحسب الصيد، فإن مؤشر غلاء الأسعار تراجع من 5,7 في المائة في فبراير/شباط 2015 إلى 3,9 في المائة حالياً. وفي ظل الأوضاع الاجتماعية المعقدة، والمشحونة التي عاشتها تونس، عملت حكومة الصيد على مسألة السلم الاجتماعي، لأنه من دون سلم اجتماعي وأمن لا يوجد تنمية أو استثمار.
كما أن حكومة الصيد، وجدت أيضاً مشاريع عدة معطلة، سعت إلى حلحلة بعضها، وإعداد برنامج تنموي يمتد على 5 سنوات، في إطار المخطط التنموي 2016-2020، هذا إلى جانب مقاومة الفساد الذي استفحل في تونس بدرجة كبيرة، حيث تم إحداث وزارة للحوكمة ومقاومة الفساد، وإعطاؤها الصلاحيات كبيرة، إلى جانب هيئة مكافحة الفساد التي كانت في سبات عميق، وتمّ تغيير رئيسها لتنطلق في أعمالها.
أما بخصوص مسألة توفير فرص العمل، المعضلة الكبيرة التي تعاني منها تونس، فقد أوضح الصيد أن حكومته لم تقدّم وعداً بحلّ هذه المشكلة في سنة أو سنتين، موضحاً أن هذه المسألة مرتبطة بالأمن ومقاومة الإرهاب والوضع الاجتماعي، وليس بتغيير الحكومات يتمّ إيجاد حلّ لمعضلة العمل.
هذه النتائج لم تكن كافية في نظر النواب ولا الرأي العام في تونس، فالعديد من النواب اعتبروا أن ما قامت به حكومة الصيد غير كافٍ، وأن الإصلاحات كانت تسير بنسق بطيء، إلى درجة أنه لا يمكن ملاحظتها أو الوقوف عندها. وكانت منظمة "أنا يقظ" التونسية، قد كشفت في ندوة إعلامية أخيراً، أن حكومة الصيد، لم تنجز سوى ثلثي الوعود والبرامج المقدّمة، منذ يوم تسلمها الحكم، وأنه من جملة 72 وعداً قدمه رئيس الحكومة أو وزراؤه منذ تسلّمهم الحكم إلى الآن، لم يتم إنجاز سوى 20 وعدًا فقط، فاغلب الوعود التي كانت تشمل السياسة الخارجية، والاقتصاد، والأمن، والتنمية، والمجتمع، والحقوق والحريات لم تنفذ.


التراخي في حل مشكلة شركة "بتروفاك" في جزيرة قرقنة (ولاية صفاقس)، وتعطل الإنتاج في شركة فسفاط قفصة، من السلبيات العديدة التي أثّرت على أداء وصورة حكومة الصيد، إلى درجة أن بعض النواب وصفوها بالحكومة العاجزة عن أخذ القرارات الصعبة، معتبرين أن السنوات الخمس السابقة شهدت "استهلاك قدرات الدولة وغياب القرارات التي تطبق القانون". وفسر البعض، النتائج السلبية بارتباطها بالمحاصصة الحزبية، مما أدى إلى تشتت القرار السياسي بين القصبة (مقر الحكومة) وقرطاج (المقر الرئاسي) وباردو (مقر البرلمان) ومون بليزير (مقر حركة النهضة).
ومباشرة بعد سحب الثقة من حكومة الصيد، دعت بعض الأحزاب من الائتلاف الحاكم وتلك المشاركة في المشاورات لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، إلى استئناف اجتماعاتها. ويوضح النائب عن "نداء تونس" فيصل خليفة، لـ"العربي الجديد"، أن المشاورات حول رئيس حكومة الوحدة كان من المفترض أن تنطلق أمس الأحد أو اليوم الإثنين، وأن الرأي يتجه إلى أن يكون رئيس الحكومة الجديد من "النداء"، باعتباره الحزب الفائز في الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو مستعد لتحمل مسؤولية الحكم الآن.
ويرى خليفة أن هناك رغبة في الإبقاء على بعض الوزراء الذين كانوا في حكومة الصيد من حزب "النداء"، بعد تقييم عملهم، مؤكداً أن هناك وزراء أكفاء في الحكومة سيحافظون على مواقعهم، على غرار وزير التربية ناجي جلول، والذي يرجح بقاؤه في الحكومة الحالية لما قدّمه من إصلاحات تعليمية، ووزير التنمية المحلية يوسف الشاهد، ووزيرة السياحة سلمى اللومي التي سجلت نتائج إيجابية في قطاع السياحة.
ولم تُحسم بعد النقاشات داخل "نداء تونس"، حول الإبقاء على المستشار الدبلوماسي السابق للرئيس الباجي قائد السبسي، ووزير الخارجية الحالي، خميس الجهيناوي، أو تغييره، وسط ترجيحات بأن يخضع هذا الموضوع إلى التوافقات.
من جهته، يؤكد وزير الاتصال والتكنولوجيا في حكومة تصريف الأعمال نعمان الفهري، لـ"العربي الجديد"، أن من شروط النجاح في المرحلة المقبلة، أن تتوفر معايير الكفاءة والنزاهة والاستقلالية، وإلا فان الأخطاء نفسها ستتكرر. ويعتبر أن رئيس الحكومة الجديد يجب أن يكون متفهماً ومطلعاً على متطلبات البلاد الحالية، لا أن يفكر بعقلية الأربعينات ليجابه مشاكل تونس في القرن الواحد والعشرين.
ولكن يبدو أن اختيار خليفة للحبيب الصيد، لن يكون بالمهمة السهلة، إذ بدأت بعض الخلافات تطفو على الساحة السياسية، بين الرباعي الحاكم حول تسمية رئيس للحكومة المقبلة وخلفيته السياسية، وهو ما قد يُدخل البلاد وفق بعض المراقبين في أزمة سياسية جديدة.

المساهمون