تونس: جدل حول كاميرات المراقبة في الشوارع..والحكومة تبرر بـ"الإرهاب"

14 نوفمبر 2016
مخاوف من انتهاك الحريات الشخصية (ماريو بالاسيو/الأناضول)
+ الخط -
أثار قرار الداخلية التونسية تركيب كاميرات مراقبة ورادارات في الساحات الكبرى وفي الشوارع الرئيسيّة، بداية من 2017، لفرض الأمن العام وتحسبا لـ"العمليات الإرهابية"، جدلا واسعا، إذ اعتبره البعض انتهاكا للقانون وللحريات الشخصية، وتجاوزا للسلطات الممنوحة للوزارة، في حين يراه آخرون ضروريا "في ظل الخطر القائم والتهديدات المحدقة بتونس"

وكان وزير الداخلية، الهادي مجدوب، قد أكد، في جلسة بالبرلمان التونسي الخميس الماضي، خصصت لمناقشة ميزانية الوزارة، أنّ "الهدف من هذه المنظومة هو حماية الأمن العام، وليس مراقبة المواطنين، أو التعدّي على حرّياتهم الشخصية والخصوصية"، موضحا أن "البداية ستكون بإقليم تونس الكبرى، ثم سيتم تعميم التجربة لتشمل كافة المحافظات التونسية"، مشددا على أنه "جرى التنسيق مع الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية بخصوص هذا الموضوع".

وفي السياق، قال الخبير الأمني، علية العلاني، إنّ وضع كاميرات مراقبة بالشوارع الرئيسية والساحات العامة "أصبح أكثر من ضروري في هذه الفترة، بعد أن تضاعفت الاعتداءات وزاد خطرها"، موضحا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن وجود مثل هذه الكاميرات سيساعد في الكشف عن العديد من "التحركات المشبوهة".

وأكد العلاني أنه "يمكن تجنب ما أثاره هذا القرار من تحفظات وجدل، تحت مبرر حماية المعطيات الشخصية، بالإسراع بسن التشريعات ذات صلة"، مستدركا بأنه "لا يمكن انتظار صدور القوانين المنظمة للمسألة، لأنها ستستغرق الكثير من الوقت، وتونس تعيش في ظرف حسّاس في ظل كشف شبه يومي لأنشطة إرهابية والقبض على مسلحين".


واعتبر الخبير الأمني أن "أغلب البلدان المتقدمة تستعمل كاميرات المراقبة"، مبرزا أنه "كانت لها مساهمة مهمة في الكشف عن الجناة وضبطهم في وقت قصير"، معتبرا أن "قانون حماية المعطيات الشخصية يجب أن يتم تكييفه مع الوضع العام وحماية الأمن العام".

في المقابل، قال رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، شوقي قداس، إنّ هذا القرار ستكون له عدة تداعيات على حقوق الأفراد وحرياتهم، مبينا أن "الكاميرات تنتهك الحريات الشخصية، فضلا عن أن الإجراء مخالف للفصل 24 من الدستور التونسي، الذي ينص على أنّ الدولة تسعى إلى احترام الحياة الخاصة للأفراد".

وشدد قداس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أن "الكاميرات لا يمكن أن توضع في أي مكان،" موضحا أن "القانون الوحيد الذي يتعرض إلى هذه المسألة هو قانون 2004، والمتعلق بحماية المعطيات الشخصية، وأنه لا يمكن تركيب كاميرات مراقبة في أي مكان دون ترخيص من الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية".

واعتبر المتحدث ذاته أن "هناك عدة شروط لوضع كاميرات مراقبة"، مؤكدا أن "الطريق العام لا يندرج ضمن هذه الشروط، ومهما كان الهدف أو الغاية من هذا الإجراء، كحماية الأمن العام أو تجنب الاعتداءات الإرهابية، فإنه يجب احترام القانون".

وقال رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية: "هناك اليوم فراغ تشريعي في هذه المسألة، ومشروع وزارة الداخلية غير قانوني، ولا يتماشى مع روح الدستور"، مضيفا أنه التقى وزير الداخلية، شهر مايو/أيار الماضي، وأنه "جرى الاتفاق على ضرورة وضع إطار قانوني للمسألة، لكن لم تحصل أي متابعة في الملف"

وأفاد بأنّ وزارة الداخلية عمّمت طلب عروض، وأنه تم الاتصال بالمزودين الذين وقع الاختيار عليهم، كما أجريت تجارب في بعض الشوارع الرئيسية، مبينا أنه سيتم الانطلاق في العمل بهذه المنظومة بداية من شهر يناير/كانون الثاني 2017، معبرا عن مخاوف الهيئة من مثل هذا الإجراء، خاصة أن "التجارب الحاصلة في بلدان أخرى، مثل إنكلترا، تكشف أنه توجد برمجيات يمكن من خلالها التعرف إلى عربات النقل، وبالتالي معرفة كل سيارة مرت من ذلك الشارع"

وقال إنّ "الهيئة ليست ضدّ تركيب كاميرات مراقبة في الشوارع الرئيسية والساحات العامة، أو فرض الأمن العام، وحماية المواطنين من الإرهاب، بل هي ضد أن يتم هذا الإجراء دون سند قانوني"، مبينا أنه "بعد 50 عاما من الدكتاتورية، وسيطرة الأمن على الحياة الخاصة للمواطنين، فإن هناك مخاوف من العودة إلى الممارسات القديمة"، مشددا على "أن يكون كل إجراء مدروسا بشكل جيد وقانونيا".