وبدل أن تنقذ هذه الكليشيهات، الجهيناوي، أضحت السبب الأول لإحراجه أمام الرأي العام خصوصاً عندما تعلّق الأمر بالملف السوري، وقوّضت أسئلة النواب أسس دبلوماسية "صفر مشاكل" التي هرعت إليها الخارجية التونسية "لتصحيح أخطاء الترويكا"، وسدّدت نحوها سهاماً قلبت مفاهيمها.
ونزعت الأسئلة التي تلقّاها وزير الخارجية، التبريرات عن هذه السياسة، بحجة تفضيل مصلحة البلاد، والأخذ بعين الاعتبار تحالفاتها الإقليمية والدولية، بالتزام الحياد تجاه مسألة شائكة على غرار الملف السوري، لتسمّيها بمسمياتها، تحت عنوان إسقاط الاعتبارات الإنسانية.
وتلقّى البرلمان التونسي، أمس الأربعاء، ارتدادات القصف الكيميائي في خان شيخون، بريف إدلب شمالي سورية، خلال الاستماع للجهيناوي، من قبل لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية.
ووجّه النائب عن "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، للوزير في الجلسة العامة، أسئلة حول امتناع تونس عن التصويت على قرار من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، يدين النظام السوري وحلفاء الرئيس بشار الأسد، لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بحق الشعب السوري.
وخلافاً للمتوقع حتى، فإنّ الموقف التونسي، حسب ردّ الجهيناوي، لم يكن في إطار حياد سلبي، وإنّما في إطار وعي تام به وبتبعاته، موضحاً أنّ البلاد لم تغيّر تحالفاتها، بل قرّرت بعد التروّي والتفكير أن تسبق مصلحتها العليا فـ"القضية ليست قضية مبادئ أو شعارات"، لأنّ "المسألة تتعلّق بمصالح البلاد، وعلى منوال الدول العظمى يتم تفضيل مصلحة البلاد والمساومة بموقفها والمقايضة"، حسب قوله.
وشرح الجهيناوي، أنّ قرار تونس "غير متوازن، فهو يدين بشدة استمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي التي ارتكبها النظام السوري، والتنظيمات الموالية له، بينما لا يدين بنفس الحدة، الأطراف الأخرى المتورطة في تجاوزات جسيمة في حق المدنيين السوريين، على غرار "داعش" و"النصرة" وغيرها"، على حد قوله.
وتابع الوزير التونسي أنّ قرار تونس هذا "يمسّ أطرافاً على الساحة السورية من بينها "حزب الله" اللبناني، ودولاً أخرى صديقة، ولتونس علاقات متميزة معها، ولذلك لا يمكن التصويت على قرار يستهدفها"، بحسب قوله.
وواصل الجهيناوي عرض تبريراته، معتبراً أنّ "الطابع السياسي للقرار الذي يسدّ أفق تسوية سياسية في سورية، هو ما دفع إلى امتناع تونس عن التصويت، وأيّدتها في ذلك دول لها تاريخ في احترام حقوق الإنسان، إدراكاً منها أنّ القرار سيعقّد الأمور إذا ما قدّم إلى مجلس الأمن، وقد تكون له تبعات عسكرية أثبتت التجربة فشلها".
وقال إنّ "تونس سبق وأدانت انتهاكات النظام السوري حقوق الإنسان، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة"، مضيفاً أنّ "الحديث عن الاصطفاف الآن ليس له معنى، بل ينطبق على موقف تونس في عام 2012 عندما عمدت إلى طرد السفير السوري، في نبذ تام للأعراف الدبلوماسية، وانحياز واضح لحلف دولي معين".
ولم يبدُ ردّ وزير الخارجية مقنعاً للشواشي، الذي شدّد على أنّ الوقوف مع الحق والاستجابة لاستغاثة السوريين، أولى من الاصطفاف وراء مصلحة البلاد، ومراعاة علاقاتها بدول صديقة.
وذكّر الشواشي بأنّ "دستور تونس ينصّ على نصرة المظلومين في كل مكان، واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها ومناصرة حركات التحرّر، في حين أنّ موقف الخارجية يبدو مناصراً للنظام السوري بوضوح"، داعياً الجهيناوي إلى مراجعة موقفه "أمام التاريخ".
واستغرب النائب امتناع تونس عن التصويت على قرار مجلس حقوق الإنسان، بعد تشكيل لجنة تحقيق للتحرّي حول الجرائم التي ارتكبها النظام السوري، منذ أغسطس/آب 2011، والتي أكدت استهدافه المدنيين العزّل، والفئات المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، واستخدامه البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيميائية، فضلاً عن قيامه بتجويع السكان ومحاصرة المدن واللجوء إلى التعذيب.
واستنكر الشواشي كذلك تشكيك تونس في تقرير لجنة التحقيق كمبرّر لامتناعها عن التصويت، واستخدام ذات الحجة التي قدمتها مصر أيضاً لتبرير موقفها.