تونس التي تحولت إلى مرتع للقطط السِّمان

20 أكتوبر 2014
+ الخط -
"المعجزة الاقتصاديّة التونسيّة"... هكذا وصف الرئيس الفرنسيّ الأسبق جاك شيراك الاقتصاد التونسيّ في ذروة ‏التحالف ‏الفرنسيّ - التونسيّ خلال نهاية تسعينيات القرن الماضي، عندما كان بن عليّ الحليف الأوفى للمستعمر ‏القديم في شمال ‏أفريقيا. ولكنّ هذه "المعجزة" كانت تخفي اقتصاداً هشّاً تمّ خنقه وإخضاعه لنفوذ مجموعة صغيرة ‏من حاشية بن عليّ وعائلته ‏بعد أن تمّ تسخير السلطة السياسيّة لاختراق الاقتصاد التونسيّ.‏ 
 
يعلّق ‏الخبير في التسيير والإدارة، الدكتور شيحة قحة على ترابط الثروة بالسلطة في العهد السابق في ‏حديثه مع "العربي ‏الجديد" قائلا إنّ هناك فرقاً شاسعاً بين كسب الثروة الناتج عن الفهم الصحيح لظروف السوق وبين الفساد ‏المتأتّي ‏عن الالتفاف على القوانين وتسخيرها لخدمة المصالح الشخصيّة. ونظراً لغياب توازن قوى حقيقيّ في ‏المشهد ‏السياسيّ والاجتماعيّ في تونس من جهة وشلل المجتمع المدنيّ من جهة أخرى، فقد كان من السهل في نهاية ‏الأمر تجاوز ‏القوانين وانتهاكها.‏

إذ إن الصورة التفصيليّة لحجم التغلغل والنهب لم تتضّح إلاّ بعد ثورة 14 يناير/كانون الأول 2011. ‏ويقول التقرير الأخير للبنك الدولي إنّ أسرة ‏بن علي كانت قد تمكّنت خلال 23 عاماً من حكم هذا ‏الأخير من السيطرة على أكثر من 21% من أرباح ‏القطاع الخاص في البلاد بنهاية عام 2010، كما تمّ حصر 220 ‏شركة مرتبطة بالرئيس المخلوع، كما ‏حددتها لجنة المصادرة التي تشكلت بعد ثورة 2011. ‏وقد سجّلت المراجعات إصدار 25 مرسوما خلال فترة حكمه لتحديد ‏شروط الترخيص في 45 قطاعا مختلفا وقيودا ‏على الاستثمار الأجنبي المباشر في 28 قطاعاً.
كما ذكّر التقرير بأن ‏حكومات ما بعد الثورة صادرت 550 ملكية ‏عقارية و48 سفينة ويختاً و367 حساباً مصرفياً وحوالي 400 شركة كانت ‏جميعها تتبع لعائلة بن علي الموسعة ‏ويقدر عددها بـ114 شخصاً.‎ ‎

جرائم النظام السابق طالت المصارف الحكومية التونسيّة، التي موّلت مجبرة شركات ‏مرتبطة بعائلة الرئيس السابق بمبالغ ‏تصل قيمتها إلى 1.75 مليار دينار، قُدّم ما يقارب 30 % منها نقدا دون أية ‏ضمانات للسداد. ‏
ومن أبرز الأسماء التي مثّلت واحدة من أشهر قصص استغلال النفوذ والقرابة العائليّة في صنع ‏الثروة، هي قصّة ‏صخر الماطري، زوج ابنة الرئيس السابق الذي لم يتجاوز حينها العقد الثالث ليصبح واحدا من أهم ‏رجال الأعمال عبر وضع اليد على أهمّ مفاصل الاقتصاد. وتتكرّر الأمثلة مع ‏‎ سليم شيبوب‎، صهر الرئيس‎، وعماد وبلحسن ‏الطرابلسي ‏‎شقيقي زوجة الرئيس...‏

أطماع "القطط السمان" تجاوزت عالم المال والأعمال لتتوجّه ‏نحو الرياضة والإعلام. فالماطري اشترى ثلاث جرائد، أمّا شقيقا ‏زوجة الرئيس فقد أغراهما عالم الرياضة وخصوصا ‏كرة القدم، فوضع عماد الطرابلسي يده على واحد من أكبر الفرق في البلاد ‏وهو "النادي الإفريقي" أما الثاني فقد اتّجه ‏إلى فريق صغير في الضاحية الشمالية الراقية في العاصمة. تماما كما سيطر ‏صهر بن عليّ سليم شيبوب على مقاليد ‏تسيير فريق الترجّي الرياضي لأكثر من عشر سنوات استطاع خلالها أن ‏يضع بصمته من الفساد في ‏القطاع الرياضيّ.‏

الخبير الاقتصادي مصطفى الجويلي يشرح لـ "العربي الجديد" قائلاً إنّ الفساد الاقتصادي ناتج ‏عن ثالوث متكامل يتمثّل في الارتهان إلى ‏الخارج والترهيب الأمنيّ وفساد المنظومة القضائيّة. ثالوث مكّن بن علي ‏وعائلته من السيطرة على اقتصاد تونس سنوات طويلة‎.‎


المساهمون