21 يوليو 2024
تونس.. أي مستقبل للشاهد؟
بعد نحو شهر من تسلم الرئيس التونسي، قيس سعيد، مهامه رسميا، نالت لقاءاته مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد نصيب الأسد من نشاطه داخل القصر الرئاسي وخارجه. وهذا طبيعي تبعا لمقتضيات الدستور (الفصل 89) الذي يشرك رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة في تحمل مسؤولية الحكم، علاوة على ما تتطلبه المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد بين حكومة تصريف أعمال وسياقات تكوين حكومة جديدة قد تطول لحظة ميلادها وقد تقصر.
اللافت أن لقاءات سعيد بالشاهد تجاوزت الشأن الداخلي، وما تقتضيه المرحلة، لتشمل مهام رسمية على الصعيد الخارجي، يكلف بها يوسف الشاهد. فقد زار يوم 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري الجزائر، حيث التقى الرئيس عبد القادر بن صالح، وسلمه رسالة أخوة إلى الشعب والقيادة الجزائريين من الرئيس قيس سعيد. وجاء في بيانات رئاسة الجمهورية التونسية أن اللقاء تناول سبل مزيد من دفع هذه العلاقات وتدعيمها في ظل التحديات المشتركة بين البلدين، وخصوصا منها الأمنية. وقد صرح رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، بأن زيارته إلى الجزائر جاءت بتوصية من الرئيس قيس سعيد الذي سيكون في زيارة رسمية إلى الجزائر في غضون أسابيع، ستكون مهمة جدا، بحسب الشاهد الذي أوضح أن التنسيق الأمني مستمر بصفةٍ شبه يومية بين القوات الأمنية التونسية والجزائرية، وأن الرئيس التونسي، كما أعلن في خطاب تنصيبه، ستكون الجزائر وجهته الأولى خارج بلاده. وفي سياق آخر، وبتكليف ثان من الرئيس سعيد، طار رئيس الحكومة إلى باريس، أول من أمس الثلاثاء، حيث استقبله في قصر الإليزيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وسلمه رسالة خاصة من الرئيس قيس سعيد الذي مثله الشاهد في الدورة الثانية من المنتدى العالمي للسلام، وألقى محاضرة تتعلق بالتنمية وأهداف التنمية للجميع، بما في ذلك الفئات الأكثر فقرا، علاوة على عقده جلسة عمل مع الوزير الأول الفرنسي إدوارد فيليب. كما زار، في اليوم نفسه، إيطاليا محملا مرة أخرى برسالة خطية من الرئيس قيس سعيد إلى الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، تتعلق بدعم العلاقات بين البلدين، وخصوصا التي تهم ملف الهجرة، إذ تعتبر إيطاليا الشواطئ التونسية الضفة الأولى لتصدير المهاجرين غير الشرعيين إلى السواحل الإيطالية.
أعطت لقاءات الشاهد بسعيد في قصر قرطاج وتنقلاته خارجه ومهامه المكوكية بتكليف من سعيد خارج تونس انطباعا لدى المتابعين والرأي العام بمعالم صورة انسجام تام بين الرجلين، كانت
منطلق سؤال يدور في فضاءات عديدة بشأن مستقبل الرجل في ظل ما تشهده تونس من تحولات، أهمها صعود منظومة حكم جديدة. فأي مستقبل ينتظر الشاهد؟ تذهب قراءات عديدة إلى أنه لن يغيب عن المشهد السياسي المقبل، وقد يكون فيه فاعلا رئيسيا، على عكس ما تذهب إليه أوساط سياسية مناوئة له التي ترى أن دوره قد انتهى، خصوصا بعد نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتقلص حظوظ حزبه "تحيا تونس" في البرلمان الجديد (14 مقعدا).
تفيد المؤشرات بأن الشاهد قد يكون وزير دولة للخارجية، وأن ما يقوم به سعيد حاليا هو مقدمات لهذا التعيين الذي يسمح به الدستور التونسي لرئيس الجمهورية، وقد يكون كذلك وزيرا ممثلا شخصيا للرئيس، وهي الخطة التي استحدثها سلفه الراحل الباجي قايد السبسي، وقد شغلها الوزير المستقيل العميد الأزهر القروي الشابي. ومن جهة أخرى، احتمال تكليف الشاهد برئاسة الحكومة الجديدة قائم، فقد رشحت معطياتٌ بشأن تقدم مفاوضات في هذا الأمر بين حزبه تحيا تونس وحركة النهضة، الفائز في الانتخابات، إلى جانب ما أعرب عنه رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، أن حزبه يقترب من حزب الشاهد باتجاه تشكيل حكومة إصلاح وطني، تكون "النهضة" طرفا رئيسيا فيها. فقد طويت مناكفات الحملات الانتخابية، "وعلى الجميع أن يعي دقة المرحلة والمضي في طريق التعايش والتحالف والتوافق".
يبقى هذا الاحتمال بعيدا في ظل ما أعلنته أحزاب وازنة أخرى في البرلمان، ومنها التيار الديمقراطي وحركة الشعب والحزب الحر الدستوري وائتلاف الكرامة، وهي أحزابٌ شبه راديكالية، تدعو إلى القطع مع منظومة الحكم السابقة، وتعتبرها مسؤولةً عن غياب محفزات التنمية والاستثمار وتفاقم العجز التجاري إلى 16.5 مليار دينار مع مختتم أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وارتفاع كتلة الأجور التي تستحوذ على 39% من إجمالي نفقات الدولة، علاوة على
نسبة المديونية التي تجاوزت 70%، وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وخصوصا من حاملي الشهادات العليا. ما جعل هذه الأحزاب تدعو إلى ضرورة الاتفاق على شخصية اقتصادية مستقلة، قادرة على إخراج الحالة التونسية من الانسدادين، الاقتصادي والاجتماعي. وهي دعوة لم تتفاعل معها حركة النهضة التي تسعى إلى الحفاظ على الشاهد حليف الأمس على رأس الحكومة التي تثمن "النهضة" منجزاتها، وخصوصا في محاربة الفساد والقيام بإصلاحات اجتماعية مهمة في مجال الحد من الفقر وإصلاح الصناديق الاجتماعية، ومنظومة التقاعد ومحاربة الإرهاب.
وبالعودة إلى ما يريده الرئيس قيس سعيد من الشاهد، تذهب معطيات أخرى إلى أنه بصدد نسج مشروع تأسيس حزب جديد (حزب الرئيس) يكون الشاهد وحزبه فاعلين فيه ومكونين من مكوناته، فالرئيس يرى أن التفاف الشعب حوله الذي جسمه من خلال الانتخابات (72 %) يمثل دافعا مهما على المضي في تكوين حزبه الذي سيمثل بالنسبة إليه حزاما سياسيا داخل البرلمان وخارجه، على أن يتولى قيادته رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد. ولا تستبعد هذه المعطيات أن يكون الرئيس قد شرع في الإعداد لعهدته التي ستسبقها حتما مبادرات منه تتعلق بمراجعة فصول الدستور، باتجاه تنقيح نظام الحكم والعودة إلى النظام الرئاسي.
ومجمل القول إن هذه القراءات، على الرغم من عدم تقاطعها، تؤكد أن الشاهد لن يكون غائبا عن المشهد السياسي القادم، خصوصا وأن الرجل قد أظهر، في سنوات ترؤسه الحكومة منذ 2016، قدرة عجيبة على تحمل إكراهات السياسة وضغوطها، وعلى التأقلم مع كل الأوضاع التي مر بها، على صغر سنه، واستطاع أن ينسج شبكة علاقاتٍ فاعلةٍ مع الجهات المانحة، فضلا عن تمتعه بكاريزما رجل الدولة المسؤول والسياسي الناجح. فإلى أي مدى سيستطيع رئيس الجمهورية إقناع شركائه في منظومة الحكم بالاستفادة من خدمات الشاهد؟ وهل يجد الشاهد قبولا لديهم حتى يستمر فاعلا في المشهد السياسي الجديد ذي الملامح المبهمة والتضاريس الوعرة؟
أعطت لقاءات الشاهد بسعيد في قصر قرطاج وتنقلاته خارجه ومهامه المكوكية بتكليف من سعيد خارج تونس انطباعا لدى المتابعين والرأي العام بمعالم صورة انسجام تام بين الرجلين، كانت
تفيد المؤشرات بأن الشاهد قد يكون وزير دولة للخارجية، وأن ما يقوم به سعيد حاليا هو مقدمات لهذا التعيين الذي يسمح به الدستور التونسي لرئيس الجمهورية، وقد يكون كذلك وزيرا ممثلا شخصيا للرئيس، وهي الخطة التي استحدثها سلفه الراحل الباجي قايد السبسي، وقد شغلها الوزير المستقيل العميد الأزهر القروي الشابي. ومن جهة أخرى، احتمال تكليف الشاهد برئاسة الحكومة الجديدة قائم، فقد رشحت معطياتٌ بشأن تقدم مفاوضات في هذا الأمر بين حزبه تحيا تونس وحركة النهضة، الفائز في الانتخابات، إلى جانب ما أعرب عنه رئيس حزب قلب تونس، نبيل القروي، أن حزبه يقترب من حزب الشاهد باتجاه تشكيل حكومة إصلاح وطني، تكون "النهضة" طرفا رئيسيا فيها. فقد طويت مناكفات الحملات الانتخابية، "وعلى الجميع أن يعي دقة المرحلة والمضي في طريق التعايش والتحالف والتوافق".
يبقى هذا الاحتمال بعيدا في ظل ما أعلنته أحزاب وازنة أخرى في البرلمان، ومنها التيار الديمقراطي وحركة الشعب والحزب الحر الدستوري وائتلاف الكرامة، وهي أحزابٌ شبه راديكالية، تدعو إلى القطع مع منظومة الحكم السابقة، وتعتبرها مسؤولةً عن غياب محفزات التنمية والاستثمار وتفاقم العجز التجاري إلى 16.5 مليار دينار مع مختتم أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وارتفاع كتلة الأجور التي تستحوذ على 39% من إجمالي نفقات الدولة، علاوة على
وبالعودة إلى ما يريده الرئيس قيس سعيد من الشاهد، تذهب معطيات أخرى إلى أنه بصدد نسج مشروع تأسيس حزب جديد (حزب الرئيس) يكون الشاهد وحزبه فاعلين فيه ومكونين من مكوناته، فالرئيس يرى أن التفاف الشعب حوله الذي جسمه من خلال الانتخابات (72 %) يمثل دافعا مهما على المضي في تكوين حزبه الذي سيمثل بالنسبة إليه حزاما سياسيا داخل البرلمان وخارجه، على أن يتولى قيادته رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد. ولا تستبعد هذه المعطيات أن يكون الرئيس قد شرع في الإعداد لعهدته التي ستسبقها حتما مبادرات منه تتعلق بمراجعة فصول الدستور، باتجاه تنقيح نظام الحكم والعودة إلى النظام الرئاسي.
ومجمل القول إن هذه القراءات، على الرغم من عدم تقاطعها، تؤكد أن الشاهد لن يكون غائبا عن المشهد السياسي القادم، خصوصا وأن الرجل قد أظهر، في سنوات ترؤسه الحكومة منذ 2016، قدرة عجيبة على تحمل إكراهات السياسة وضغوطها، وعلى التأقلم مع كل الأوضاع التي مر بها، على صغر سنه، واستطاع أن ينسج شبكة علاقاتٍ فاعلةٍ مع الجهات المانحة، فضلا عن تمتعه بكاريزما رجل الدولة المسؤول والسياسي الناجح. فإلى أي مدى سيستطيع رئيس الجمهورية إقناع شركائه في منظومة الحكم بالاستفادة من خدمات الشاهد؟ وهل يجد الشاهد قبولا لديهم حتى يستمر فاعلا في المشهد السياسي الجديد ذي الملامح المبهمة والتضاريس الوعرة؟
دلالات
مقالات أخرى
25 اغسطس 2023
02 اغسطس 2023
14 يوليو 2023