تهريج

05 نوفمبر 2014
يرسمون على وجوههم ابتسامات عريضة ويدّعون التهلّل (فرانس برس)
+ الخط -

"اعتنوا جيداً بهؤلاء الذين يجعلونكم تضحكون. هم بالتأكيد الأكثر حزناً". هذا ما قاله بيتر بان، ذلك الولد الشقيّ الذي كان الروائيّ الاسكتلنديّ جيمس ماثيو باري قد ابتكر شخصيّته في عام 1902.

هو اقتباس ينتشر أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وتحديداً منذ أغسطس/آب الماضي، بعدما وضع الممثل الشهير روبن ويليامز حداً لحياته. ويليامز، الذي كان قد لعب دور ذلك "الولد الذي لا يكبر" في عام 1991، بعد نحو تسعين عاماً على إبصار الشخصيّة الخياليّة النور.

لسنا هنا في صدد تناول ويليامز الخلافيّ - بسبب مواقفه السياسيّة -، لكن لا يمكن الإنكار أن الاقتباس المُشار إليه يصحّ تطبيقه على هذا الممثل الذي طالما أضحك مشاهديه، في حين كان هو يعاني اكتئاباً حاداً.

"اعتنوا جيداً بهؤلاء الذي يجعلونكم تضحكون. هم بالتأكيد الأكثر حزناً". واقع تؤكّده دراسات عدّة تبيّن أن المهرّجين المحترفين على سبيل المثال، من هؤلاء.

هم يرسمون على وجوههم ابتسامات عريضة بالألوان ويضعون أنوفهم الكرويّة الحمراء، ويخرجون من ثمّ إلى جماهيرهم التي تصّفق لهم. كيف لا، وهؤلاء الضاحكون يجعلونها تنسى ولو لدقائق هموم يومياتها.

لكنه مجرّد تهريج، بمعنى "الإتيان بأفعال وأقوال غير متّزنة بغية إضحاك الناس"، بحسب المراجع اللغويّة.

إضحاك الناس. هذا هو الهدف، من دون شروط أخرى كأن يضحك فاعل التهريج مثلاً أو أن يكون مبتهجاً جذلاً.

كتّاب واختصاصيّون نفسيّون واجتماعيّون كثر من حول العالم، يجزمون ذلك. هم قابلوا مهرّجين محترفين قبل أدائهم عروضهم وبعد تلك العروض، وتواصلوا معهم من دون كل ذلك التبرّج الذي كانوا يخفون تحته الأسى المحفور في وجوههم.

لكن التهريج لا يستدعي دائماً رسم الابتسامة بالألوان. فقد ينجح البعض في ادعاء البشاشة والتهلّل. منهم من نصادفهم في مقرّات عملنا أو في خلال لقاءاتنا مع الأصدقاء أو في مناسبات اجتماعيّة مختلفة.

هؤلاء يتصنّعون البسمة، ليس خبثاً ولا بهدف الخديعة. هم حزينون لدرجة تجعلهم ومن دون أن يقصدوا، يهرّجون ليظهروا بغير ما هم عليه. بهذا، يتمكّنون من الدفاع عن أنفسهم. هذا ما أوضحه تقرير نفسيّ نشرته مجلّة "بسيكولوجي" الفرنسيّة تحت عنوان "ألعبُ دائماً دور المهرّج".

وتشدّد كاتبة التقرير كاترين مايار وهي صحافيّة متخصّصة في مجال الصحة النفسيّة، على ضرورة التقرّب من هؤلاء الذين وعلى الرغم من كلّ تهريجهم، يحرصون على الإبقاء على مسافة من الآخرين والبقاء في نطاق طفوليّ.

ويعيدنا النطاق الطفوليّ إلى ذلك "الولد الذي لا يكبر"، إلى بيتر بان وحِكَمه.
المساهمون