تكاثُر البؤر الاستيطانية في بطن الهوى... تهويد متسارع للقدس

08 يوليو 2016
التمييز العنصري سمة رئيسية للاحتلال في القدس(موسى الشاعر/فرانس برس)
+ الخط -
تبدو تجلّيات السياسة العنصرية الجديدة ضد المقدسيين في مصادقة بلدية الاحتلال في القدس، أخيراً، بشكل عاجل، ومن دون اكتمال النظر فيه من لجان أخرى مختصة، على مشروع بناء مبنى استيطاني جديد في حي بطن الهوى بسلوان، جنوبي المسجد الأقصى. ويتاخم المبنى الجديد مبنى آخر كان مستوطنون استولوا عليه قبل أكثر من خمس سنوات، ويُعرف باسم مبنى "جوناثان"، نسبة إلى الجاسوس الأميركي جوناثان بولارد الذي سُجن في الولايات المتحدة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل لمدة 30 عاماً، وخرج العام الماضي. ويتألف هذا المبنى الجديد، كما يوضح مدير مركز معلومات وادي حلوة المقدسي، جواد صيام، لـ"العربي الجديد"، من ثلاثة طوابق تشمل عشر شقق سكنية، ويقع في قلب حي بطن الهوى.

ادعاءات بامتلاك بطن الهوى
تدّعي جمعيات استيطانية أن "حي بطن الهوى يسمى حارة اليمن، وأنها مملوكة ليهود من اليمن كانوا قد أُخرجوا منها عشية حرب عام 1948، ليقطنها لاحقا الفلسطينيون وينشئوا آلاف المباني السكنية، حتى باتت أكثر المناطق ازدحاماً في بلدة سلوان، وفي محيط القدس عموماً".

وسبق المصادقة الأخيرة على بناء المبنى الجديد في قلب سلوان سيطرة جمعيات استيطانية على عدد آخر من المباني في حي رأس العامود شرقاً، والمتاخم لحي بطن الهوى، وهو امتداد جغرافي وسكاني لسلوان. كما سيطر المستوطنون على مبان أخرى قرب باب المغاربة إلى الشمال الغربي من بطن الهوى، ما رفع عدد البؤر الاستيطانية في البلدة إلى نحو 60 بؤرة تديرها جمعية "العاد" الاستيطانية وجمعيات أخرى ناشطة في المنطقة أبرزها "عطيرات كوهانيم".

وتتخذ "العاد" مقراً ضخماً لها عند مدخل البلدة في الحي المعروف بـ"وادي حلوة"، ومن هناك تدير معظم نشاطاتها في سلوان، وفي منطقة واسعة حول البلدة القديمة يطلقون عليها منطقة "الحوض المقدّس". وكان الخلاف الفلسطيني ـ الإسرائيلي في مفاوضات كامب ديفيد الثانية تَفجّر بعد مطالبة الوفد الإسرائيلي بإبقاء سيطرته على هذه المنطقة الحيوية جغرافياً واستراتيجياً، وتسبّب في حينه بفشل المفاوضات وتوقفها. 

وفي ما يتعلق بالمنطقة المنوي إقامة المبنى الجديد عليها، يشير فخري أبو دياب من لجنة الدفاع عن أراضي سلوان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد صادرتها بُعيد احتلالها للقدس عام 1967، قبل أن تقوم في العام 2005 بنقل ملكيتها بمبلغ رمزي إلى جمعية "عطيرات كوهانيم" الاستيطانية، المدعومة من أثرياء يهود يقيمون في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية. ومن أبرز هؤلاء الأثرياء إيرفينغ موسكوفيتش عرّاب الاستيطان اليهودي في البلدة القديمة وسلوان، والذي ينفق سنوياً نحو 100 مليون دولار على تعزيز الوجود الاستيطاني في القدس القديمة وجوارها. وكان أبرز ما قام به موسكوفيتش على هذا الصعيد، تمويل بناء مستوطنة "معاليه هزيتيم" في قلب حي رأس الوادي، وهو امتداد جغرافي طبيعي لسلوان، التي يطلق عليها المقدسيون البوابة الجنوبية للمسجد الأقصى وحاميته الرئيسية.

غضب مقدسي 
في حي سلوان البالغة مساحته نحو ستة آلاف دونم، ويقطنه أكثر من 50 ألف مقدسي، يتصاعد غضب السكان هناك إزاء ما يسمونه سياسة تمييز عنصري تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم. وما يثير غضب المقدسيين على بلدية الاحتلال هو تنفيذها على مدى العقدين الماضيين أوسع حملات الهدم لمنازلهم. وتقوم طواقم ما يسمى بـ"المراقبة على البناء" في البلدية بحملات دهم يومية، يتم خلالها تسليم مزيد من إخطارات الهدم للمواطنين في الحي، بينما توفر الدعم والغطاء القانوني لعمليات البناء التي يقوم بها المستوطنون هناك، سواء إقامة مبان جديدة، أو ترميم مبان استولوا عليها، وتحجب هذه التسهيلات عن الفلسطينيين.

وتمتنع بلدية الاحتلال في القدس عن تنفيذ أوامر هدم وإخلاء لبعض البؤر الاستيطانية كما هو الحال في مبنى "جوناثان" على الرغم من صدور أمر قضائي من المحكمة العليا الإسرائيلية، بحجج وذرائع عديدة. وتشترط مقابل ذلك هدم عشرات المباني التي يقيم فيها فلسطينيون في المنطقة ذاتها، ويبلغ عددها نحو أكثر من 200 منزل كان أصحابها قد تلقّوا أوامر هدم إدارية على مدى الثلاث سنوات الماضية.






في هذا الصدد، يشير كل من صيام وأبو دياب إلى أن بلدية الاحتلال التي تمنح تسهيلات كبيرة للمستوطنين ليشيدوا ما يريدون من مبان، وتغضّ الطرف عن أعمال إضافة بناء، وتغيير معالم أبنية استولوا عليها، فإنها تفرض قيوداً صارمة على البناء الفلسطيني في الحي، وتكافحه بشدة، إلى درجة أنها تطارد مَن هُدّمت منازلهم، حتى لو لجأوا إلى كهوف ومغارات قديمة، كما هو الحال بالنسبة للمواطن المقدسي خالد الزير.

استيطان سريع التنفيذ
السرعة التي تمت بها عملية المصادقة وإقرار مخطط البناء الاستيطاني الجديد في بطن الهوى، تشير إلى أن دوافع سياسية تقف وراء المصادقة. وتفرض محاولة تسريع تنفيذ مخططات أخرى في المدينة المقدسة أمراً واقعاً جديداً على الأرض، يقف أمامه الفلسطينيون عاجزين وغير قادرين على المطالبة بأية حقوق لهم بما تبقى منها في القدس المحتلة. ويحذّر خبير الخرائط والاستيطان، خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن "البناء الاستيطاني الجديد في قلب سلوان، سيمهد لمزيد من المخططات الاستيطانية الجهنمية الأخرى، التي ستحول الفلسطينيين في كل حي بالقدس إلى جاليات أو أقلية محدودة العدد، لا حول لها ولا قوة"، على حدّ تعبيره.

دعم رسمي إسرائيلي
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي احتفال أقيم قبل نحو عشرة أيام، بمناسبة ذكرى احتلال القدس وضمّها لكيان إسرائيل، أن خطة حكومته للسنوات المقبلة تكمن في تحويل الفلسطينيين في القدس إلى أقلية صغيرة، وسط محيط ديمغرافي يهودي كبير يمتد في نطاق القدس الكبرى على مساحة تصل إلى نحو 15 في المائة من مساحة الضفة الغربية المحتلة.

في حين قضت خطط أخرى لسلفه أرييل شارون، ومن خلال ما عُرف بـ"مشروع النجوم"، بتوطين أكثر من مليون يهودي في القدس المحتلة حتى نهاية العام 2020. بينما تشير معطيات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية إلى أن عدد سكان القدس بشطرَيها الشرقي والغربي، بلغ 850 ألفاً مع نهاية 2015، بينهم 534 ألف يهودي، و316 ألف عربي، يشكلون 36 في المائة من مجمل عدد السكان. ويؤكد تفكجي أنّه على مدى سنوات الاحتلال تم تشييد 58 ألف وحدة استيطانية أقيمت على أراض فلسطينية مُصادرة، مقابل أكثر من 20 ألف وحدة سكنية فلسطينية يهددها الهدم بحجة أنها شُيّدت من دون ترخيص.

مفاوضات مستحيلة
سياسياً، يرى مسؤولون فلسطينيون أن ما يجري في القدس من تهويد وأسرلة يجعل من المستحيل التفاوض على مستقبل المدينة، وأن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية، كما يقول القيادي في حركة فتح، حاتم عبد القادر لـ"العربي الجديد". ويرى أن المواجهة الشاملة مع الاحتلال تبدو وشيكة، بسبب ممارساته التهويدية على الأرض، ومحاولته إلغاء الوجود الفلسطيني في المدينة المقدسة. ويطالب عبد القادر في التسريع بوضع استراتيجية دفاع وطنية عن القدس تشارك فيها جميع القوى، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، إذ على الأخيرة أن تدرك مخاطر السياسة الإسرائيلية الحالية، وأن تكف عن استجداءاتها للجانب الإسرائيلي، الذي لا يبدو مكترثاً بأي حال بتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وفقاً للقيادي ذاته.