تعلم الصهيونية بدون معلم

21 يوليو 2014
+ الخط -


كيف يمكن أن تكون صهيونياً أكثر تعصباً من الصهاينة أنفسهم، أو إسرائيلياً أكثر انتماءً وإخلاصاً لدولة إسرائيل من مستوطنيها، أو كيف تصبح يهودياً متطرفاً تكره الإسلام وأهله، وتدافع عنهم بنفس صهيوني، على الرغم من أنك تمتلك شهادة ميلاد تفيد بأنك عربي. الأمر بسيط، فأنت لست في حاجة أن تعيش في تل أبيب، أو تنضم لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أو أن يتم تجنيدك عميلاً لدى الموساد، كما لا يلزمك حتى أن تتوجه إلى معبد يهوديٍ، لاعتناق اليهودية على يد أحد الحاخامات. كل ما عليك فعله أن تواظب، بحرص واقتناع، على مشاهدة الفضائيات المصرية، الحكومية منها والخاصة، المملوكة من حفنة ممن يسمون أنفسهم رجال أعمال. عندها، ستتعلم الصهيونية بدون معلم، مع أشهر مذيعي مصر في برامجهم الحوارية، والنتيجة مضمونة خلال أسبوع على الأكثر، والنتائج مبهرة بحول الله.

إذا قمت بذلك، وأسلمت سمعك ووعيك لهؤلاء، ستجد نفسك تحتقر عروبتك، وتكره أهل غزة كراهية الموت، ستعتقد في قرارة نفسك أن فلسطين عدو، وإسرائيل صديق. كما ستجد نفسك سعيداً بكل ما تفعله إسرائيل من قتل وتدمير وتشريد لأهل فلسطين المحتلة، وستنضح نفسك بالشماتة، حينما ترى مشاهد تدمير بيوت أهل غزة، أو قتل أطفالها الأبرياء، وبشكل تلقائي ستردد عبارات من نوعية "يستاهلوا.. هما من قتلوا جنودنا في رمضان". إضافة إلى أنك ستجد نفسك تبرر وتصفق لكل أفعال الحكومة الإسرائيلية، وتشيد بإنجازاتها في قتل وسحل كل ما هو عربي ومسلم، وستتابع بشغف صفحات متحدثيها الرسميين، مثل المشعوذ، أفيخاي أدرعي، على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وستكتب تعليقات على شاكلة "رائع أيها الإسرائيليون، دمروا حماس والمقاومة، أبيدوهم".

أما إذا لم تلتزم بالبرنامج المطلوب والمدة المحددة لجعلك صهيونياً متطرفاً متعصباً، فعدة مقالات لكتاب مصريين مشاهير في الصحف القومية أو الخاصة، والمملوكة تحديداً لفئة رجال الأعمال عينهم، كفيلة بأن تجعلك على الأقل صهيونياً معتدلاً أو "متحرراً"، وستجد نفسك تردد عبارات من نوعية "لست مع قتل أهل غزة، ولكني ضد حماس، هما اللي عملوا في نفسهم كده، وإحنا مالنا!".

في حالة كونك تمتلك الاستعداد للتعلم، ولكنك تقدس العمل، ولا تمتلك الوقت الكافي لمتابعة إبداعات "ماسبيرو" الفضائية ومدينة الإنتاج الإعلامي. فيمكنك الالتحاق بوزارة الخارجية المصرية، أو العمل في إحدى مؤسسات الدولة الانقلابية، لتعرف، بشكل عملي ومحترف، كيف تصبح صهيونياً أكثر إخلاصا لدولة إسرائيل ممن ولدوا على أرضها، ويحملون جنسيتها. ولتستمع بنفسك لتصريحات قادة بني صهيون ووزراء حكومتهم وكتابهم ونخبتهم، وإشادتهم بالمشير الانقلابي، عبد الفتاح السيسي، ومواقفه تجاه دولة إسرائيل. كشف المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، باراك رافيد، الجمعة 18/7/2014، عما قال إنه "كواليس قرار شن العملية البرّية على قطاع غزة"، حيث أكد أن القرار اتخذ عقب عودة قادة المخابرات الإسرائيلية من مصر مساء الخميس، بعدما تناولوا الإفطار مع مدير المخابرات المصرية، محمد التهامي، وعادوا بقرار ضرب حماس بقسوة أكبر، لإفشالها المبادرة المصرية. وكان أعضاء الوفد الإسرائيلي: رئيس الشاباك (يورام كوهين)، ومندوب رئيس الحكومة (يتسحاق مولخو)، ورئيس القسم السياسي الأمني (عاموس جلعاد). بينما نشرت الصحيفة عينها، قبل هذا التصريح بيومين، تفاصيل المبادرة المصرية للتهدئة، والتي ألمحت فيها أنها كانت فخاً منصوباً لحركة حماس، من أجل إعطاء الذريعة لضربها بعملية برية، والقضاء عليها ونزع أسلحتها، وأكدت أن المبادرة اتفاق إسرائيلي مصري، لم تشارك فيه حماس، ولم تطلع عليه سوى من وسائل الإعلام.

الأعجب من ذلك، حينما تقرأ تصريحاً للمعلق الصهيوني، بن كاسبت، قبل أيام يقول فيه: "إن السيسي يستمتع كثيراً حين تدمر إسرائيل بيتاً من بيوت قادة حماس، ما يجعله لا يريد إنهاء الحرب". أو أن تشاهد الاحتفاء الإسرائيلي غير المسبوق بوجود السيسي على رأس الحكم في مصر، والدور الذي يلعبه، في برنامج حواري جرى يوم الأحد 13 يوليو/تموز 2014، على قناة "i24 News" الإسرائيلية. استضاف البرنامج ثلاث شخصيات إسرائيلية بارزة، هي داني يعلون، نائب وزير الخارجية السابق، ونيتزان لوريال، الرئيس السابق لإدارة مكافحة الإرهاب الإسرائيلية، والصحفية، تال شنايدر. أجمع ثلاثتهم على أن السيسي كنزهم الجديد، وحليفهم الأبرز في العالم العربي، وكان أكثرهم فهماً لمتانة العلاقة هو لوريال الذي كاد أن يقول لهم إنه رجلنا في مصر، حيث قال: لا نحتاج من السيسي أن نطلب منه أكثر من ذلك، إنه يقوم بعمله، على أكمل وجه.

قبل أن ننسى خطوات تعلم الصهيونية من دون معلم، يجب تذكر استماع تصريح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف والمجلات المصرية في مبنى وزارة الخارجية، الخميس 17 يوليو، الذي قال فيه "العلاقة بين مصر وحماس تحمل قدراً عالياً من التوتر والصعوبة، بسبب اتجاه حماس العقائدي، والذي يجعل نقطة الالتقاء بينها وبين الحكومة المصرية شبه مستحيلة".