تشدّد ياباني بحق غصن... ودفاع فرنسي عن "العبقري المنقذ"

21 نوفمبر 2018
دعم فرنسي رسمي لا محدود لكارلوس غصن (Getty)
+ الخط -
إذا كان من إجماع في فرنسا حول كارلوس غصن، فهو كونه شخصية عبقرية حالفها النجاح في كثير من المشاريع التي لمسها، ولعلّ آخرها استطاعة هذا الشخص الطموح إنقاذ شركتين كبيرتين للسيارات في فرنسا واليابان. فقد أنقذ "نيسان"، ثم جعل من "رينو" زعيمة بمستوى عالمي.

وإذا كانت صورة كارلوس غصن في اليابان حاليا سيئة للغاية، بسبب اعتقاله وتمديد هذا الاعتقال لعشرة أيام، مع كل ما تنشره الصحافة اليابانية من اتهامات تمسّ الرجل وجنسياته الثلاث وطريقة عيشه وتنقلاته بين عواصم دولية كثيرة، وأيضا اتهامات بتسخير أموال الشركة لأغراضه الشخصية، وعدم التصريح سوى بنصف عائداته السنوية، خلال عدة سنوات، فإنه كان مبجَّلا في هذا البلد، بحيث كان من أبطال المانغا اليابانية الشهيرة، كما أن الصورة تختلف في فرنسا تماماً، لأسباب كثيرة.

أولها أن كارلوس غصن يملك الجنسية الفرنسية، وهو ما يمنحه بعض امتيازات في البلد، من حيث سعي البلد لتوفير الدفاع عن مواطنه، قدر الاستطاعة، عند الضرورة.

وثانيا، دوره في تسويق العبقرية الفرنسية في صناعة السيارات، بعدما كانت شركة رينو، التي تمتلك الدولة الفرنسية 15% من رأسمالها، في وضعية سيئة جدا.

ورغم ذلك تعاملت الصحافة الفرنسية بنوع من القسوة مع كارلوس غصن، بمجرد توقيفه، وأشهرَت سيوفَها حسب بعض المراقبين، وهو ما يمكن تلمسه في عناوين العديد من الصحف، مثل "السقوط النهائي" في "ليبراسيون"، و"كارلوس في دوّامة" في "لوفيغارو"، و"سقوط رئيس شركة كان يتصور نفسَه معصوماً" في صحيفة "لومانيته"، و"إمبراطور السيارات في دوامة" في صحيفة "لاكَرْوَا". ومن ذلك "كارلوس غصن كان من أبطال المانغا" في صحيفة "لوموند"، أو "سقوط المارد كارلوس غصن"، كما كتب موقع "أورانج"... إلخ.

إلا أن السلطة السياسية الفرنسية سارعت للتأكيد لكل الفرنسيين، الذين تعيش بعض شرائحهم ظروفا اقتصادية صعبة، ويُطلَب منها تضحيات اقتصادية مؤلمة، أن كارلوس غصن يدفع ضرائبه في فرنسا بشكل طبيعي، ولا يوجد ما يؤخذ عليه من هذا الجانب.

كما سارعت الحكومة الفرنسية، التي تعرف مدى إسهامات الرجل وما تَدين له والآلاف من العمال، إلى تأكيد متانة واستمرارية التحالف بين الشركتين الفرنسية واليابانية، أي بين فرنسا واليابان، وهو ما يؤكده لقاء وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لومير، مع نظيره الياباني، هيروشيجي سيكو، غدا الخميس، في تزامن مع قرار مجلس إدارة "نيسان" المرتقب بخصوص مصير غصن.

وإذا كان الكثيرون صدّقوا في اليابان وفرنسا، لأول وهلة، اتهامات العدالة اليابانية غصن بالتهرب الضريبي، إلا أن الموقف الرسمي الفرنسي لا يسير في هذا الاتجاه.


الموقف الفرنسي الرسمي الداعم


أكّد وزير الداخلية الفرنسي برونو لومير، صباح اليوم الأربعاء، أن فرنسا "لا تتوفر لحدّ الساعة على أي دليل يُبرّر التهمَ التي يواجهها غصن حاليا"، وأيّد الوزير طلب مجلس شركة "رينو" من السلطات اليابانية "الحصول على كل المعلومات من طرف نيسان"، وخاصة أن كل المعلومات المتوافرة مصدرها التصريحات العلنية لشركة "نيسان".

وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته بلجيكا، أن الدولة الفرنسية ستكون يقظة جدا، من أجل "استقرار رينو" ومستقبل تحالفها مع "نيسان". كما أكد أن "الدولة ستعمل على الاستقرار الضروري من أجل مجموع عمال مجموعة "رينو"، الذين طمأنهم الرئيس بـ"كل الدعم من الدولة".

كما سارعت الحكومة إلى تجديد الثقة بإدارة غصن لشركة رينو، عن طريق تثبيته كرئيس ومدير عام لمجموعة "رينو"، ومنح مجلس إدارتها للرجل الثاني في الشركة تيري بولوري، الإدارةَ التنفيذية للمجموعة، بحيث "يتمتع بكل السلطات" بصفة مؤقتة، على رأس هذه الشركة الفرنسية، مع الاحتفاظ برئيسها غصن في كل وظائفه وشغله، ومن بينها الاحتفاظ بمرتبه كاملا، مع "الاعتراف بعجزه المؤقت عن إدارة الشركة"، وهذا نوع من الثقة وأملٌ فرنسي بعودة سريعة للرجل لتحمل مسؤولياته.


المؤازرة من "رينو" أيضاً


وقد أرادت "رينو"، ومن خلفها الحكومة الفرنسية، "تثبيت حوكمة صلبة تضمن الاشتغال الجيد لرينو"، في ظل ظروف غير مسبوقة.

وليست الحكومة الفرنسية وحدها في هذا الموقف، إذ هو موقف الشركة الفرنسية أيضاً.

وهكذا يبدو أن مسؤولي "رينو" لا يصدقون الاتهامات اليابانية، بل يشير الكثير منهم، وهو ما لقي صدى واسعاً في وسائل الإعلام الفرنسي، إلى أن الرغبة اليابانية في التخلص من غصن تأتي بعدما أبدى هذا الأخير توجّهاً نحو انصهار كامل بين "رينو" و"نيسان"، وهو ما يعارضه اليابانيون بشدة.

وفي هذا الصدد أكدت صحيفة "لوموند" اليوم الأربعاء هذه الفرضية، ودعّمها بما صرّح به أحد العارفين بحوكمة "رينو" من أنه، "تم تكليف غصن في التجمع العام الأخير باقتراح خطة لإدامة التحالف. وبدا أن الانصهار كان أحد الخيارات المطروحة على الطاولة".

وفي انتظار انقشاع الرؤية عن التهم الحقيقية وراء اعتقال غصن في اليابان، فإن الحكومة الفرنسية من خلال وزارة الاقتصاد، تشدد على استمرارية التحالف بين الشركتين، لأن "إيقافه سيلحق ضربة مدمرة بالشركتين معا".

يُشار إلى أنه حتى من يستحضرون عناد الرجل وثقته الفائقة بنفسه، التي تقترب من الكبرياء، يعتبرون أنه قدّم كثيرا من التنازلات بعد ضغوط من الدولة، حين ارتضى بداية سنة 2018، خفض مرتبه 30%، كما قَبِل بتعيين تيري بولوري كرجل ثان حقيقي في الشركة، وهو ما يرى فيه الكثيرون وريثَه في قادم الأيام، رغم عدم تصريح غصن بهذا الشيء.

لكن قبل أن يتسلم تيري بولوري مقاليد "رينو" في مستقبل غير قريب، تأمل الحكومة الفرنسية أن يعود غصن، ليكمل كل البرامج التي فتحها، وخاصة طموحه لبيع 11 مليون سيارة هذه السنة، وأيضا احتلال المرتبة الأولى عالميا في إنتاج السيارات الكهربائية، أي تحقيق هذا الانتقال الإيكولوجي رغم التنافس الشديد في هذا الميدان الواعد.
المساهمون