تزايد عدد اللاجئين يربك السلطات الألمانية

28 ديسمبر 2015
يواجه اللاجئون إجراءات إدارية معقدة (شون غالوب/Getty)
+ الخط -

بعد أن كشفت الأرقام الرسمية أن عدد اللاجئين الذين دخلوا الأراضي الألمانية تخطى حاجز المليون لهذا العام، ارتفع سقف المخاوف مع تسبّب هذا العدد غير المسبوق للاجئين بالكثير من التخبّط والمناكفات على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ما دفع بالعديد من السياسيين إلى مهاجمة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل وتحميلها المسؤولية، على خلفية قرارها الشهير في سبتمبر/أيلول الماضي باستقبال اللاجئين واعتمادها "سياسة الأذرع المفتوحة".

وظهرت الخلافات في وجهات النظر إلى العلن بين ميركل والائتلاف الحكومي الحاكم، خصوصاً أن الشارع الألماني لم يعد يتفهم فكرة الهجرة من دون ضوابط. كما أن القواعد الحزبية بدأت أيضاً تضغط في هذا الاتجاه، وباتت هناك رغبة من أعضاء حزب ميركل وحليفها "الحزب الاجتماعي المسيحي"، في تقليص أعداد اللاجئين، وهو ما ترفضه المستشارة الألمانية، ولا تريد وضع سقف محدد لأعدادهم. هذا الأمر عادت ميركل وأكدته في مقابلة مع صحيفة "اوغسبرغر الغماينه" قبل فترة وجيزة، معتبرة أنه "من الوهم الاعتقاد أن مشكلة اللاجئين يمكن حلها عند الحدود بين النمسا وألمانيا، فحركة الأعداد الكبيرة من اللاجئين لا يمكن معالجتها إلا من خلال التعاون الدولي". ويأتي ذلك في وقت يعتبر فيه "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" الشريك في الحكومة، أن تحديد العدد هو انتهاك لحق اللجوء وفقاً للقانون الألماني والذي يعطي الحق للهاربين من الحروب أو طالبي اللجوء السياسي دخول الأراضي الألمانية.

هذا الواقع أيضاً، دفع بنائب المستشارة سيغمار غبريال، وخلال المؤتمر العام لحزبه قبل أيام، إلى مهاجمة حزب ميركل، واتهامه باعتماد معايير مزدوجة في التعاطي مع أزمة اللاجئين، بعدما جاهر العديد من أعضاء حزبها بضرورة الحد من أعداد اللاجئين. وقال غبريال إن "المستشارة تجني ثمار إملاءاتها لسياسة التقشف التي فرضتها على الدول الأوروبية"، في إشارة منه إلى الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه دول الاتحاد والذي لا يمكّنها من استيعاب أعداد إضافية من اللاجئين. واعتبر البعض هذا التصريح مؤشراً إلى فتح الحملة الانتخابية، المقررة في العام 2017 في وقت مبكر. إلا أن الرد ولو بطريقة غير مباشرة لم يتأخر من قِبل ميركل، عندما أكدت في كلمتها أمام المؤتمر العام لحزبها "المسيحي الديمقراطي"، أن القوة التي مكّنت البلاد من خلق معجزة اقتصادية، والانتقال من الانقسام إلى الوحدة، ستُمكّن ألمانيا من تنظيم والحد من أزمة اللاجئين باعتماد "خفض ملموس"، وذلك من خلال تبني نهج يرتكز على المستوى الألماني والأوروبي والعالمي، وأنها وحزبها ملتزمان بتحمّل المسؤولية الإنسانية، خصوصاً أن ألمانيا أكبر قوة اقتصادية في أوروبا.

ويلفت مراقبون إلى عوائق تواجه اللاجئين في ألمانيا، ومنها مطالبة مفوضية شؤون الهجرة في البلاد السلطات الرسمية باعتماد أساليب جديدة من أجل إدماج الوافدين، وحثها لاتخاذ قرارات حازمة وجريئة، بعد أن سبّبت هذه القضية لألمانيا الكثير من المشكلات، في وقت يؤكد فيه مسؤولون ألمان أنه لا يمكن للجميع البقاء في البلاد.

وما فرض هذا النوع من التصريحات، المزاج العام الذي خيّم على البلاد، والامتعاض الذي يبديه المواطنون بعد تفاقم أعداد اللاجئين وارتباك السلطات والإدارات الرسمية في كيفية التعامل مع الوضع، عدا عن التعثر في إدارة شؤونهم وملفاتهم، نظراً لقلة أعداد الموظفين المؤهلين للتعاطي مع هكذا ملفات في مراكز التسجيل وتلك الخاصة بطلبات تقديم اللجوء، إضافة إلى النظام البيروقراطي المعتمد في ألمانيا والذي يؤخر الإجراءات الخاصة بتقديم هذه الطلبات. مع العلم أن زيادة عدد اللاجئين يواجه مشكلة ضيق أماكن استقبالهم وعدم توافر المساكن الكافية واضطرار الآلاف منهم للبقاء داخل خيم غير مجهزة.

اقرأ أيضاً: عودة الخلافات الألمانية حول سياسة اللجوء

كل هذه العوامل أدت دوراً سلبياً في طريقة التعاطي مع هذه الأزمة، على الرغم من كل الجهد المبذول من السلطات الرسمية، وإجرائها تعديلات على بعض القوانين الخاصة باللاجئين والهجرة، إضافة إلى اتخاذها تدابير استثنائية لتتماشى مع واقع الحال لتحقيق المزيد من التقدّم في تسيير أمورهم. لكن السلطات واجهت مشاكل كثيرة قائمة، ومنها فقدان اللاجئين لأوراقهم الثبوتية، أو حيازتهم لأوراق مزورة، وعائق اللغة والترجمة وتشتت العائلات وتوزعها على أكثر من مدينة، كون الأكثرية منهم وصلت تباعاً إلى البلاد حتى بلغت بالكثيرين المطالبة بإرسال الموظفين إلى مراكز الإيواء وليس العكس نظراً لتشكّل طوابير من اللاجئين أمام الإدارات ومراكز تقديم اللجوء وعلى مدى أسابيع من دون الحصول على مقابلة.

وتشير أرقام الشرطة إلى تراجع أعداد القادمين خلال الشهرين الماضيين عبر الحدود النمسوية الألمانية، وتقلّص العدد الذي يصل إلى مدينة باساو الحدودية إلى ما بين ألف وألفي شخص يومياً. ويعزو المسؤولون السبب إلى برودة الطقس والعواصف في جزر بحر إيجة اليوناني، وصعوبة الوصول عبر البراري والغابات، وتقلص ساعات النهار خلال فصل الشتاء. ولكن على الرغم من ذلك تبقى المسؤوليات التي تقع على عاتق عناصرها كبيرة ومتنوعة، مع تراجع الهمة لدى عدد كبير من المتطوعين.

وعن الصعوبات التي تواجهها حكومات الولايات، يشير متابعون إلى أن المشاكل اللوجستية تأتي في المقدمة ومنها عدم توفر أماكن سكن ملائمة مع حلول فصل الشتاء، وهذا ما يدفعهم إلى الاعتماد على السكن المشترك، ناهيك عن العبء الاقتصادي، مع تفاوت القدرات والموارد المالية التي تتمتع بها حكومات الولايات. وهناك مطالبات بالوصول لحل وسط يقضي بتوزيع الأموال بشكل عادل، وهي محل نقاش دائم. وفي هذا الإطار ذكر معهد الاقتصاد العالمي في مدينة كيل الألمانية، أن كلفة اللاجئين السنوية تُقدر بـ55 مليار يورو سنوياً (نحو 60 مليار دولار)، أي أن كل لاجئ سيكلف الدولة الألمانية بحدود 13 ألف يورو (نحو 14 ألف دولار) في العام الواحد. مع العلم أن تقديرات الدراسة أشارت إلى أن اللاجئ الذي يحصل على فرصة عمل لا يمكن أن يعود بالنفع على الاقتصاد والمجتمع إلا بعد 7 سنوات.

كما تظهر صعوبات أيضاً في تأمين مقعد دراسي لكل طفل ومراهق من اللاجئين، وصفوف اللغة للبالغين، حتى إن الواقع الديني فرض نفسه في العديد من الحالات، بعدما تفاقمت المشكلات بين اللاجئين أنفسهم واخذت كل فئة تحاول فرض سلطتها على مراكز الإيواء، وهي محل متابعة من قبل القيّمين على الملف، وبات يحكى عن تعرض المتطوعين الألمان للاعتداء من قبل مواطنيهم بسبب مساعدتهم للاجئين، معتبرين أن اللاجئين يحصلون على الكثير من المال والإعانات، وبات المطلوب العمل على تبديد المخاوف والعمل على إظهار الواقع، وإفهامهم أن تقديم الإعانات لفترة مرحلية ولن يبقى الوضع على هذا النحو.

ولمواجهة هذا الواقع، لجأت وزارة الداخلية إلى اعتماد اقتراحات جديدة تقضي بمراجعة طلبات اللجوء ومنها الخاصة بالسوريين والعراقيين، بعدما كانت تتم في السابق من دون الاستماع إلى أصحابها، مع العمل على تسريع عملية اتخاذ قرار بقائهم أو ترحيلهم، ممن صُنفت بلدانهم بالآمنة أو من أطلق عليهم المهاجرين الاقتصاديين. كما اتُخذ قرار بالعمل على بطاقة الهوية الموحدة للاجئين على مستوى البلاد بحلول فصل الصيف، لأغراض تنظيمية وبهدف ضبط تحركاتهم. وكذلك توحيد قواعد بيانات للهيئات التي تتعامل مع اللاجئين، والتي تتضمن البيانات الشخصية والأطفال المرافقين والبصمات والديانات والوضع الصحي والمؤهل المهني أو الوظيفي، وهذا ما سيسمح بالتحكم بتدفق أعداد اللاجئين بشكل أفضل والمرونة في البت بطلباتهم.

الى ذلك، يشدد خبراء على أهمية العمل بنظام الحصص وتوزيع الآلاف منهم بين دول الاتحاد الأوروبي، وهي القرارات التي تم اتخاذها في بروكسل خلال سبتمبر/أيلول الماضي. هذا الأمر عاد وطالب به قبل أيام وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني غيرد مولر في مقابلة صحفية، مشيراً إلى أنه لم يتم توزيع سوى 160 شخصاً من أصل 160 ألفاً. كما انتقد طريقة تعامل دول الاتحاد مع ملف الأزمة، وغياب المعالجات المفترضة، وذهب للمطالبة بإنشاء صندوق خاص باللاجئين وتعيين مفوض أوروبي للتنسيق وإدارة شؤونهم وتشديد الرقابة على الحدود الخارجية لدول الاتحاد، علماً أن التقارير تشير إلى أن 700 ألف لاجئ دخلوا أوروبا عن طريق اليونان. هذا الأمر دفع بالكثيرين إلى المطالبة بالعمل مع تركيا بطريقة أسرع وجدية أكبر، وإقناعها بعدم السماح للاجئين المتواجدين على أراضيها بمغادرة سواحلها إلى أوروبا، كي لا تصل بنهاية الأمر كل دولة أوروبية إلى تحصين وبناء الأسوار لحماية حدودها الداخلية.

اقرأ أيضاً: ألمانيا: تزايد الاعتداءات على اللاجئين بدوافع يمينية متطرفة