تتصاعد أسهم الكرد في المنطقة، خصوصاً بعد أزمة العراق والسيطرة على كركوك النفطية، ما دعا تركيا الى التجاوب مع المتغيّرات لتعيد الحياة مرة أخرى لعملية السلام المتعثرة مع حزب "العمال الكردستاني". إذ تقدم حزب "العدالة والتنمية"، الحاكم، يوم الخميس، بحزمة جديدة من القوانين تحت اسم "مشروع قانون لإنهاء الإرهاب وتعزيز التضامن الاجتماعي" والذي غالباً ما يشار إليه في الإعلام التركي بـ"حزمة التسوية".
وتهدف الحزمة، وفقاً لنائب رئيس مجلس الوزراء التركي بشير أتلاي، إلى إنهاء ما أطلق عليه "الإرهاب" وتعزيز الوحدة المجتمعية، والتي تشكل استمراراً لدعم جهود الحكومة لحل القضية الكردية المستمرة منذ عقود عبر الحوار.
وتتكوّن الحزمة من ستة مواد، تسمح للحكومة بالاتصال وعقد اجتماعات مع الأفراد والجماعات على حد سواء داخل البلاد وخارجها، وتعيين أفراد وإنشاء مؤسسات لتنفيذ تلك الاجتماعات واتخاذ التدابير اللازمة والاجراءات اللازمة، لتيسير دمج المقاتلين الذين يودون إلقاء أسلحتهم وإعادتهم إلى الحياة المدنية الطبيعية مرة أخرى. ويسعى مشروع القانون لتوفير الضمانات لتجنب محاكمة للمسؤولين الحكوميين الذين شاركوا في المحادثات مع أعضاء رفيعي المستوى من حزب "العمال الكردستاني" كجزء من عملية التسوية.
وتلبي هذه الاصلاحات أهم مطالب "الحركة القومية الكردية"، الممثلة بحزب "الشعوب الديمقراطية" (جناح حزب العمال الكردستاني)، إذ تفسح المجال أمام المقاتلين للعودة إلى الحياة المدنية والبدء بالنضال السلمي في إطار الديمقراطية لنيل الحقوق الكردية. في المقابل، تحتوي هذه الحزمة على بعض البنود التي تبدو غير مفهومة للمراقب خارج تركيا، خصوصاً المتصلة بحماية المسؤولين الحكوميين من أي تبعات قانونية نتيجة للاتصال مع حزب "العمال الكردستاني"، الذي يصنفه القانون التركي منظمة إرهابية يحرم على الحكومة التعامل معها. فعلى الرغم من أن الحكومة ما زالت تدير عملية السلام بواسطة جهاز الاستخبارات التركي منذ عام 2012 بقيادة رئيس الجهاز، حاقان فيدان، والتي ما فتئ الكثير من المعارضين للحكومة التركية ولعملية التسوية يستغلون الأمر للنيل منها. وتؤكد التسريبات أن حركة "الخدمة"، بقيادة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، كانت قد حاولت النيل من فيدان، والذي لم يسمح لها بالتغلغل ضمن جهاز الاستخبارات في مطلع عام 2012، عندما حاول أحد المدعين العامين استجوابه على خلفية انخراطه في مفاوضات سرية نيابة عن الحكومة مع زعيم حزب "العمال الكردستاني"، عبد الله أوجلان.
وتأتي هذه التطورات بعدما أكد نائب رئيس حزب "الشعب الديمقراطي"، سري ثريا أوندار، قبل أيام، بأنه سيتم إطلاق سراح أوجلان في العام المقبل، وذلك خلال حديثه أمام حشد من أنصار الحزب في بلدة يني شهير، التابعة لولاية دياربكر، في لقاء تحت اسم "الحرية لأوجلان". وقال أوندار إنه "سيتم إطلاق سراح أوجلان خلال العام المقبل، وسوف يلوّح بيده لمناصريه من الميدان نفسه الذي ألقي منه خطابي".
من جهتها، أصدرت المحكمة الدستورية العليا، يوم الأربعاء الماضي، قراراً ينص على "أن مصادرة كتب أوجلان، أثناء طباعتها، وحرق نسخها، يمثّل انتهاكاً لحقوقه".
وجاء ذلك بعد قرار أصدرته "محكمة دنيا"، يقضي بمصادرة كتب "بيان الثورة في كردستان" و"المسألة الكردية والحل الوطني الديمقراطي" وحرقها، وتم اتخاذ قرار المحكمة الدستورية بغالبية أعضائها الـ14 في حين غاب ثلاثة أعضاء عن جلسة المحكمة.
حزمة التسوية تثير شهية الأكراد
في غضون ذلك، أثار توقيت الدفع بحزمة التسوية الكثير من الاتهامات لحزب "العدالة والتنمية" بأنه يحاول أن يستغل عملية السلام للحصول على تأييد الناخبين الكرد في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في العاشر من أغسطس/ آب المقبل، وذلك على الرغم من أن حزب "الشعب الديمقراطي" كان قد أعلن في وقت سابق بأنه لن يدعم مرشح "العدالة والتنمية"، على الأقل في الجولة الأولى من الانتخابات.
في الأثناء، أبدى الرئيس المشترك لحزب "الشعب الديمقراطي"، صلاح الدين ديمرتاش، استحسانه لـ"حزمة التسوية" بغض النظر عن توقيتها. وأكد أن "الآمال في إحلال السلام في تركيا لن تكون مرتبطة فقط بحزب (العدالة والتنمية)، بفضل حزمة الاصلاحات الجديدة، وهذا يعني أن الشعب سيبقى على أمل في أن عملية التسوية سوف تستمر حتى لو خسر الحزب الحاكم حالياً السلطة".
انتقادات المعارضة التركية
وأصدر الأمين العام لحزب "الحركة القومية" المعارض، عصمت بيوك أتمان، بياناً انتقد فيها الحزمة بقسوة. وقال إنها تهدف الى تأمين دعم "العمال الكردستاني الإرهابي" لحكومة "العدالة والتنمية" قبل الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي أكده حزب "الشعب الجمهوري" على لسان رئيس كتلته النيابية، أنجين ألتاي.
ويبدو بأن القضية الكردية، سواء داخل تركيا أوخارجها، تطفو على السطح مرة أخرى. فاستئناف عملية السلام جاء في الوقت الذي أعلن فيه رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود برزاني، من مدينة كركوك، عن استعداده "لحمل السلاح والدفاع عن المحافظة". وأكد أن "الكرد لن يفرّطوا بشبر من أرضها". في حين استقبل رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الخميس، رئيس حكومة اقليم كردستان نجيروان بارزاني.
واستمر اللقاء المغلق نحو ساعة، في مقر رئاسة الوزراء في أنقرة، بحضور وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، وزير الطاقة والموارد الطبيعية، طانر يلدز، رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، نائب المستشار في رئاسة الوزراء إبراهيم كالين، ومستشار وزارة الخارجية فريدون سينرلي أوغلو. وتم الإعلان رسمياً عن مناقشة التعاون في مجال النفط والأزمة العراقية الحالية إضافة إلى أمن التركمان العراقيين.
وركز الإعلام التركي على مستقبل التركمان في مدينة كركوك ومخاوفهم من ضم المدينة إلى الإقليم في ظل "الغرور" الذي تحدث به برزاني عن "الكرم الكردي الذي ستقابل به الأقليات في كركوك وكأنهم ضيوف".
الصحف التركية: خيارات أنقرة محدودة
من جهته، أشار الكاتب التركي، يافوز بايدر، في صحيفة "زمان" التركية، في مقال بعنوان: "الواقع الكردي لا يترك خيارات أخرى"، إلى أن تركيا تقف أمام نقطة تحول تاريخية، إذ إن اقتحام تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) قطع شريان الحياة بين إيران والنظام السوري وسمح للكرد بالسيطرة بسهولة على كركوك، وهو ما لم يبقِ للحكومة التركية الكثير من الخيارات.
وتساءل الكاتب عن قدرة الحكومة المركزية في العراق على إبقاء الوحدة مع إقليم كردستان، وفي حال لم تستطع، ماذا على تركيا أن تفعل للحفاظ على 1200 كلم من الحدود المشتركة، بعيداً عن التنظيمات الجهادية. وطرح فكرة التعاون مع إقليم كردستان وحزب "الاتحاد الديمقراطي" (جناح العمال الكردستاني) في سورية، مشيراً إلى أن التطورات الأخيرة في المنطقة أعادت إلى الأذهان رؤية رئيس الجمهورية التركية السابق، توركت أوزال، لحل القضية الكردية بضرورة إقامة "دولة كردية علمانية في كل من العراق وسوريا أو على الأقل الحفاظ على حكم ذاتي كردي".
أما الكاتب التركي في صحيفة "طرف" التركية، أورهان مير أوغلو، فقد سخر في مقال بعنوان: "مستقبل الكرد وسعيهم من أجل الاستقلال"، من خطة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بإرسال 300 خبير عسكري إلى العراق لإيقاف تقدم "داعش". وأشار إلى أنه "على الرغم من تجنّب مسؤولي إقليم كردستان من استخدام كلمة استقلال وتأكيداتهم على خيار الوحدة مع العراق، فإن الأمر لا يبدو كذلك، حيث إن الإقليم لم يكن قريباً من الاستقلال كما هو الآن". وأكد أن استخدام الكرد لحقهم في تقرير المصير "هو مسألة وقت ليس إلا".