تلوح بوادر تبدّل كلّي في معطيات الصراع على شمال وشرقي سورية، مع دخول تحضيرات لعملية عسكرية واسعة النطاق لقوات المعارضة، بدعم تركي، لانتزاع الرقة، إلى دائرة العلن، مع ما يحمل ذلك من بذور صدام دامٍ، ربما يقلب موازين القوى، بين هذه القوات و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي طرحت نفسها ذراعاً برياً للتحالف الدولي في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي لا يبدو أنه بصدد إخلاء الرقة وريفها من دون قتال ضارٍ.
وتولي الولايات المتحدة الأميركية أولوية قصوى لمعركة الرقة، مع ورود معلومات عن البدء بتأهيل مطار الطبقة العسكري (غرب الرقة بنحو 50 كيلومتراً)، الذي سيطرت عليه "قوات سورية الديمقراطية" أخيراً، ليكون قاعدة أميركية مركزية تخفف من اعتماد واشنطن على قاعدة أنجيرليك، جنوب تركيا. وأكد قيادي في الجيش السوري الحر، لـ"العربي الجديد"، انطلاق تحضيرات، وصفها بـ"النظرية"، لعملية عسكرية وشيكة لانتزاع السيطرة على مدينة الرقة، شرقي سورية، من "داعش"، الذي يسيطر على المدينة وريفها منذ بدايات عام 2014، وباتت أهم معاقله. وأعلن أن العملية المتوقعة ستكون بدعم مباشر من الجيش التركي، وسيشارك فيها "قسم من القوات التي شاركت في عملية درع الفرات، التي أعلنت أنقرة توقفها منذ أيام"، موضحاً أن فصائل تابعة للمعارضة السورية المسلحة، "قامت هيئة تحرير الشام بالسطو عليها"، وفق تعبيره، بقي لديها عناصر من دون عتاد، سيزج بهم في العملية. وتوقع القيادي أن تبدأ العملية إثر انتهاء الاستفتاء على تعديل الدستور التركي في 16 إبريل/ نيسان الحالي، مرجحاً انطلاقها قبيل نهاية الشهر الحالي. وأوضح القيادي أن ترتيبات العملية ترجح دخول قوات المعارضة عبر مدينة تل أبيض التي تسيطر عليها الوحدات الكردية منذ منتصف عام 2015، متوقعاً في حال حدوث "مفاجآت" دخول القوات من مناطق قرب جرابلس والتوغل باتجاه الرقة.
وأشار القيادي، في معرض حديثه، إلى أنه ستشارك في العملية "أنواع من الطيران الحربي، والقاذفات، إضافة إلى صواريخ استراتيجية، فضلاً عن القوات على الأرض"، موضحاً أن الخطة تستهدف حسم المعركة سريعاً "لإظهار تفوق الأسلحة الأميركية"، وفق تعبيره. وقال إن ما سمّاها "اللعبة في شمال سورية" ستكون "بثوب مختلف تماماً عما نتوقعه"، معرباً عن اعتقاده بأن استعادة السيطرة على الرقة "تعني انتهاء المسلسل الطويل للقضية السورية". وكانت وزارة الدفاع التركية قدمت إلى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تصوراً لانتزاع الرقة، يتضمن عدة رؤى، منها التوغل من تل أبيض، أو عبور الفرات من جرابلس باتجاه الرقة. ورفض الطرف الأميركي استبعاد الوحدات الكردية من المعركة، وهو ما جمد الخطة التركية، إذ تصر أنقرة على استبعاد الوحدات الكردية، التي تعتبرها "منظمة إرهابية". ويبدو أن الإدارة الأميركية وجدت أن حسم معركة الرقة سريعاً لا يمكن أن يتم من دون مساندة من الجيش التركي، ومن قوات المعارضة السورية التي تمتلك حاضنة اجتماعية كبيرة في الرقة، بعكس "قوات سورية الديمقراطية" المتهمة بالقيام بعمليات انتقامية وتهجير في المناطق التي انتزعتها من "داعش" بدعم دولي في أرياف الحسكة، والرقة، وحلب.
ويكتسب التوغل عبر مدينة تل أبيض أهمية كونه الأقصر مسافة باتجاه الرقة، خصوصاً أن "قوات سورية الديمقراطية" توغلت جنوب تل أبيض، وباتت على مسافة نحو 30 كيلومتراً من المدينة، أي أن قوات المعارضة والقوات التركية لا تحتاج إلى وقت كبير كي تكون على التخوم الشمالية للرقة، لتبدأ عمليات واسعة النطاق لاقتحام المدينة التي تشهد أوضاعاً مأساوية. وتبلغ المسافة من مدينة جرابلس إلى مدينة الرقة نحو 150 كيلومتراً، لكن يبقى على القوات المهاجمة انتزاع السيطرة على مدينة الطبقة الاستراتيجية، التي فشلت "قوات سورية الديمقراطية" في السيطرة عليها، رغم حصارها من الشمال والغرب والجنوب. وتحاول "قسد" جاهدة السيطرة على مدينة الطبقة لخلق وقائع على الأرض من الصعب تجاوزها في حال حسمت أميركا أمرها، وقررت الاعتماد على الأتراك في عملية انتزاع السيطرة على الرقة، لكن جهود هذه القوات لم تكلل بالنجاح رغم عمليات إنزال جوي قام بها التحالف في ريف الطبقة الغربي.
وكانت تركيا أعلنت، أخيراً، انتهاء عملية "درع الفرات" بعد أن أفشلت تفاهمات روسية أميركية مساعي لاستعادة مدينة منبج من الوحدات الكردية، والانطلاق منها نحو محافظة الرقة. وشكّلت مدينة منبج عقدة استعصت على الحل، وهو ما أدى إلى انسداد الأفق أمام "درع الفرات"، لأن مهاجمة منبج ستؤدي إلى نزاع دموي طويل، وهو ما حاولت واشنطن تجنبه بوضع قوات فصل في محيط المدينة، كي لا تعيق عملية انتزاع الرقة من "داعش". ولا تزال "قسد"، التي تشكّل الوحدات الكردية عمادها، ترفض أي دور تركي في معارك الرقة. ومن المتوقع أن ترفض منح قوات المعارضة، المدعومة من أنقرة، ممرات للعبور ضمن مناطق سيطرتها في تل ابيض وشرقي نهر الفرات، لكن من المرجح أن تفرض واشنطن عليها ذلك، إذا تم التوصل إلى تفاهم نهائي بين تركيا وأميركا. ولا تريد الولايات المتحدة تكرار سيناريو الموصل في الرقة، لذا تحاول إقناع أنقرة بشتى الطرق لتكون قوات تابعة للمعارضة "رأس الحربة" في الهجوم الوشيك لانتزاع الرقة. وتحقق تركيا من خلال اشتراكها في عملية استعادة الرقة أكثر من هدف، لعل أهمها وضع حد نهائي لمساعي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي فرض إقليم ذي صبغة كردية في شمال سورية، وهو ما تعتبره أنقرة مساساً مباشراً بأمنها القومي. فدخول قوات تركية، وأخرى تابعة للمعارضة، إلى تل أبيض يعني قطع الاتصال الجغرافي بين "كانتونات" أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي في محافظة الحسكة، أقصى شمال شرقي سورية، وفي ريف حلب الشمالي الشرقي، وجنوبه الغربي. وتعد مدينة تل أبيض واسطة العقد بين هذه "الكانتونات"، وعملت الوحدات الكردية، خلال نحو عامين، على ترسيخ وجودها في المدينة الحدودية مع تركيا.