تركيا تقرأ... عودة الشباب إلى الكتاب الورقي

إسطنبول
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق
عدنان عبد الرزاق مراسل العربي الجديد في سورية
04 سبتمبر 2017
66426C74-0C9C-494F-8351-6EC26908ACA2
+ الخط -
بدأت تركيا في استشعار خطر ابتعاد الشباب عن الكتب، وهيمنة الكومبيوتر ووسائل التواصل على حياتهم، ما ينذر بجيل "سطحي" غير ملمّ بتاريخ بلاده وثقافتها، وهو ما دفع إلى تشجيع الكتب المطبوعة

أطلقت ولايات تركية حملات لإعادة توجيه الشباب إلى المكتبات وقراءة الكتب، ضمن فعاليات فيها من الإغراء والجذب، ما يرجح نجاحها، بحسب القائمين عليها. من ذلك تنظيم حملة "اقرأ" في عدد من المدن التركية أخيراً، في إطار الاحتفال بأسبوع المكتبات.

من جهتها، أقامت ولاية أضنة الفعالية في "حديقة أتاتورك" وهي أحد أهم المراكز المزدحمة في الولاية، بمشاركة واليها محمود ديميرتاش، وجاءت بعنوان "أضنة تقرأ". شهدت الفعالية إقبالاً كبيراً من المواطنين، إذ توجّه كلّ من يحمل كتاباً إلى مركز الفعالية، من مختلف الفئات العمرية، حتى غدا الأمر أشبه بمهرجان قراءة، بعدما وزعت البلدية الكتب المجانية للجميع بحسب اهتماماتهم وأعمارهم. علق ديميرتاش: "في حال أردنا معرفة العالم، وأردنا دخول حقل المنافسة العالمية في مختلف الأصعدة، علينا أن نعلم أنّه لا منافسة في مكان ما، ما لم تكن القراءة فيه". لفت الوالي إلى أنّ الدول الأقل تقدماً هي الأقل قراءة: "من دون العلم نخسر المنافسة حتى قبل البدء بها، وعندما ننظر إلى المجتمعات، نجد أنّ الأكثر تطوراً من بينها هي التي تتسم بأكبر نسبة قراءة". أضاف: "إذا أردنا أن نحوّل أهدافنا التي نسعى إلى تحقيقها إلى واقع ملموس، ما علينا سوى القراءة".

منذ المدرسة
تقول المعلمة سهار من مدرسة "إمام خطيب": "بدأنا نلمس ابتعاد التلاميذ عن الكتب وزيادة تعلقهم بالهواتف الذكية التي لا يمكن أن تمدهم بالمعرفة والثقافة، بل ثمة مخاطر نخشى على أولادنا الانزلاق بها، لأن التكنولوجيا سلاح مزدوج ومليء بالإغراءات". تضيف سهار لـ"العربي الجديد": "بدأنا في المدارس التركية زيادة ساعات القراءة للكتب العامة غير الداخلة في المنهج، ولثلاث حصص أسبوعياً، كما فتحنا أبواب المكتبات أمام التلاميذ لاستعارة الكتب والقراءة". تشير إلى تخصيص علامات دراسية لتلك الحصص والزيارات إلى المكتبة، توضع ضمن نتائج التلميذ في نهاية العام، كترغيب وتحفيز على القراءة.

من المدرسة نفسها، تقول التلميذة هوسنا غندوغدو (11 عاماً): "لدينا مكتبة في كلّ صف لكتب من خارج البرنامج المدرسي. نقرأ في حصص القراءة وحصص الفراغ، ونقدم تلخيصاً عن كلّ قصة للمعلمة، وحين تتأكد من حسن القراءة وفهم مضمون القصة، تشجعنا بلاصقات التميز". تتابع غندوغدو لـ"العربي الجديد": "كلّ تلميذ يقرأ قصصاً كثيرة يجري وضع اسمه في لوحة تعلق عند مدخل المدرسة، عليها صورته واسمه والكتب التي قرأ، وهو ما يشجعه ويحفز الآخرين". تتابع: "لدينا 4 حصص قراءة أسبوعياً، نقرأ خلالها كتباً وقصصاً نحضرها نحن أو تجلبها المعلمة لنا، ومن ثم نلخصها، شفوياً أو كتابة، وتحسب للتلميذ علامة على 100 في أعمال آخر السنة". تشير التلميذة إلى أنّ بعض الدروس تعطى داخل مكتبة المدرسة، ويطلب إليهم إحضار الكتاب من مكتبة المدرسة "ليعرف التلاميذ أماكن الكتب وتخصصاتها ويعتادوا التعامل مع رفوف المكتبة".

أسلوب حض التلاميذ على القراءة ينسحب على جميع المدارس التركية، وإن بتفاوت، فالتلميذ بران بوغزيت (14 عاماً) من مدرسة "هتات راكيم" يقول: "لدينا حصتا قراءة عامة وحصة ثالثة من ضمن حصص اللغة التركية، نقرأ ونقدم تلخيصاً كلّ أسبوع عن القصص التي قرأناها". يضيف لـ"العربي الجديد": "في درس القراءة التركي امتحان نقدم خلاله تلخيصاً عن كتاب قرأناه في خمس صفحات، وعليه علامة من 100 درجة، كما يجري وضعه في كتاب الجلاء المدرسي (اكوما دارسيّ)".

يقرّ بوغزيت أنّ القراءة لا تبعده عن جهازه اللوحي، لكنّه يؤكد استمرار محاولات المعلمين في حضه هو وزملائه عليها: "نشتري أحياناً الكتب من المكتبات بناء على طلب المعلمين الذين يحددون عنواناً معيناً خلال حصة القراءة التركية، كما قد يكون الكتاب بناء على اقتراح تلميذ نقرأه ضمن حصص القراءة بحسب قائمة يحددها المعلمون".

يلفت بوغزيت إلى أنّ المدرسة تأتي بطبيب مختص لفحص سرعة العين بالقراءة بداية العام وتعيد الكرّة نهاية العام، لمعرفة مدى تحسن التلميذ في القراءة، وإن كان يقرأ في المنزل أم لا".

تختار هذه المدرسة تلميذاً من كلّ صف، وتنظم لهم مسابقة "التلميذ الأكثر قراءة". يلقي التلاميذ كلمة يعتادون فيها على الخطابة، ويوضع اسم الفائز على اللوحة المدرسية لمدة أسبوع، وتقدم له هدية من قبيل الملابس أو الأجهزة اللوحية.

مبادرات فردية
يتخذ تحفيز التلاميذ الأتراك على القراءة أساليب مختلفة، إذ أطلق المعلم نورجان ينيق، من مدينة جانقري، شمال شرق الأناضول، العام الماضي، حملة "أقرأ كتاباً وأركب دراجة هوائية". وتشير وسائل إعلام تركية إلى أنّ تلك الحملة تسمح للتلميذ الذي يقرأ كتاباً في المنزل خلال فترة أسبوعين، بركوب الدراجة الهوائية الخاصة بالمدرسة في باحة المدرسة. وقد أعدّ ينيق جدولاً بالكتب التي ينصح التلاميذ بقراءتها، وجدولاً آخر لتقييم مدى استيعابهم الكتب التي يقرأونها خارج نطاق الكتب المدرسية.

لا تقتصر المبادرات الفردية على المدارس، إذ ترسل مكتبة تركية أحد موظفيها محملاً بالكتب إلى المحال التجارية، بهدف تشجيع المتواجدين فيها على الاستعارة وقراءة الكتب، سعياً منها إلى نشر عادة القراءة بين شرائح المجتمع المختلفة. وقد بدأت الفكرة بمبادرة من قائمقام منطقة إغيردير في ولاية إسبرطة، جنوب غرب تركيا، لتتحول إلى حملة بات اسمها "التاجر القارئ". وقال القائمقام عبد الله أقداش إنّ المكتبات في العادة تكون غنية بالكتب المتنوعة إلاّ أنها تعاني من قلة الزائرين، ومن هنا ولدت فكرة الخروج بالمكتبة من كونها مؤسسة ذات مكان ثابت، والوصول بها إلى أماكن تواجد المواطنين.

كذلك، أوضح أقداش أنّ أحد موظفي المكتبة يتجول حاملاً حقيبة مليئة بالكتب على المحال التجارية في كلّ منطقة في يوم ثابت أسبوعياً، فيختار أصحاب المحال والعاملون فيها الكتاب الذي يروق لهم فيستعيرونه، وعندما يعود الموظف في الأسبوع التالي يمكنهم أن يعيدوا الكتب التي انتهوا من قراءتها ويستعيروا كتباً جديدة.



يعتبر مراقبون أنّ أسلوب المدارس والأسر التركية لاستعادة الشباب من أحضان التكنولوجيا إلى صفحات الكتب، يجدي نفعاً، وبدأت نتائج الدراسات تشير إلى ارتفاع نسبة القراءة في هذه الشريحة بالذات.

وتفيد دراسة أخيرة حول أنواع القراء الأتراك البالغين وسلوكهم في شراء الكتب، بأنّ فئة الشباب هي الأكثر إقبالاً على القراءة في البلاد، إذ تشكل الفئة العمرية (18- 35 عاماً) 61 في المائة من القراء في تركيا، فيما تمثل الفئة العمرية (36- 50 عاماً) 29 في المائة منهم، أما النسبة المتبقية 10 في المائة فهي لفئة (51- 65 عاماً).

تشير رئيسة تحرير دار "جان" للنشر سيرما كوكسال إلى أنّ إقبال الشباب يعود إلى فضولهم تجاه الحياة، ورغبتهم في تعلم المزيد، كما أنّ الناس يكونون أكثر تسييساً في صغرهم، وهو عامل مؤثر. أما الفئة العمرية الأكبر (36- 50 عاماً) فتعتبر كوكسال أنّ أفرادها "غالباً ما يكونون مشغولين بأعمالهم وبتربية الأطفال. وهو ما يمكن تفهمه". تتابع كوكسال التعقيب على نتائج الدراسة التي أجراها مركز "ليبونت" فتقول إنّ القراء في الفئة العمرية (51-61 عاماً) قد "فقدوا في الغالب فضولهم، وتراجعوا إلى حياتهم الصغيرة، فالتلفزيون ومسلسلاته تحلّ مكان الكتب.

مكتبات إسطنبول
تعج إسطنبول، كغيرها من المدن التركية، بالمكتبات، وجلها أنشئت منذ العهد العثماني وجرى الحفاظ عليها بعناية حتى اليوم. وقد حرص كلّ سلطان أو صدر أعظم، أن يبني في جوار المسجد مدرسة ومكتبة تابعتين له وملحقتين به. وفي إسطنبول اليوم 59 مكتبة. أمّا المكتبات خارجها فهي في مدن أدرنه، وبورصة، وأسكي شهير، وكتاهية، وأماسية وقيصري، وسامسون، وقونية والأخيرة بلد الصوفي المعروف جلال الدين الرومي. ولذلك، يندر أن تصادف مدينة من مدن تركيا الـ81 تخلو من مكتبة مخطوطات كبيرة أو صغيرة.

لكنّ إسطنبول وحدها تتفرد بنحو ثلثي المخطوطات في تركيا كلها، فهي بحق مدينة المآذن والمخطوطات. وبالإضافة إلى المكتبات التي تُنسب إلى السلاطين والوزراء ومشايخ الإسلام هناك مكتبات أخرى مثل مكتبة طوب قابي سراي، ومكتبة نور عثمانية، ومكتبة مراد ملا، ومكتبة البلدية، ومكتبة جامعة إسطنبول ومكتبة ملّت كتبخانة، ومكتبة سليم آغا في الجهة الآسيوية من إسطنبول.

تقول عائشة، وهي مسؤولة في مكتبة السليمانية بإسطنبول: "نحرص على استقدام التلاميذ والطلاب والباحثين ومحبي المطالعة، عبر فتح أبواب المكتبة التي تضم نحو 100 ألف كتاب ومخطوطة موزعة على 101 خزانة. وتحوي المكتبة فضلاً عن المجلدات، مخطوطات مهمة ونادرة تخص دول المنطقة وليس تركيا فقط، ففي المكتبة 48854 مخطوطاً عربياً و3641 مخطوطاً فارسياً.

تضيف لـ"العربي الجديد": "زودنا مكتبة السليمانية بكلّ مستلزمات القراءة والبحث، خصوصاً ما يتعلق بالتطورات التكنولوجية، فالمكتبة مزودة بأجهزة كمبيوتر تتضمن كتباً إلكترونية كي يتمكن الزائر من القراءة والنقل بطرق عصرية".

من جهتهم، يرى مراقبون أنّ فترة رئاسة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بلدية إسطنبول، أواخر تسعينيات القرن الماضي، هي الأهم في إحياء المكتبات التاريخية البالغة 59 مكتبة، فتلك الفترة وما تلاها، شهدت ترميمات ورفد بكوادر وأجهزة متطورة، كان آخرها الشهر الماضي عندما أشرف أردوغان بالذات على إعادة ترميم جامع السليمانية ومكتبته الشهيرة.

كذلك، لا بدّ من التطرق إلى مكتبة بيازيد التي تضم أكثر من مليون كتاب ومخطوط وتفتح أبوابها للطلاب والباحثين، بعد مواكبتها التطورات التكنولوجية وفتحها قاعات للموسيقى والعروض السينمائية والمؤتمرات.

وهناك أيضاً مكتبة إسام في القسم الآسيوي من إسطنبول، وهي مكتبة تعود إلى عام 1948، تابعة لوقف الشؤون الدينية التركية، وتضم 63 ألفاً و604 كتب باللغة العربية، ما يجعلها أضخم مكتبة تركية في الكتب العربية.

وتضم المكتبة، المؤلفة من خمسة طوابق، كتباً بثماني لغات، ويشكل مجموع الكتب باللغة التركية العدد الأكبر، وهو نحو 134 ألفاً، تليها كتب اللغة العربية، ثم اللغة الإنكليزية بنحو 33 ألف كتاب. وبعدها تأتي مجلدات ومخطوطات اللغة العثمانية بـ15 ألفاً و626 مخطوطاً وكتاباً، واللغة الفرنسية بـ10 آلاف و564 كتاباً، ثم اللغة الألمانية بـ8 آلاف و123 كتاباً، ثم الفارسية بـ6 آلاف كتاب.

ذات صلة

الصورة

سياسة

أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل أمس الأربعاء، قتل العديد من مسلحي حزب العمال الكردستاني وتدمير 32 موقعاً لهم شمالي العراق.
الصورة
احتجاج ضد مقتل الطفلة نارين غوران في تركيا، 9 سبتمر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

لم تلق جريمة قتل بتركيا، ما لقيه مقتل واختفاء جثة الطفلة، نارين غوران (8 سنوات) بعدما أثارت قضيتها تعاطفاً كبيراً في تركيا واهتماماً شخصياً من الرئيس التركي
الصورة
عبد الله النبهان يعرض بطاقته كلاجئ سوري شرعي (العربي الجديد)

مجتمع

تنفذ السلطات التركية حملة واسعة في ولاية غازي عنتاب (جنوب)، وتوقف نقاط تفتيش ودوريات كل من تشتبه في أنه سوري حتى لو امتلك أوراقاً نظامية تمهيداً لترحيله.
الصورة
الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني، يونيو 2024 (عدنان الإمام)

مجتمع

يُناشد الشاب الفلسطيني بسام الكيلاني السلطات التركية لإعادته إلى عائلته في إسطنبول، إذ لا معيل لهم سواه، بعد أن تقطّعت به السبل بعد ترحيله إلى إدلب..
المساهمون