شنّت قوات الأمن التركية، ليل الاثنين، حملة مداهمات واسعة داخل المجمّعات السكنية، التي يقطنها رجال الأمن، في عمليات متزامنة جرت في 22 ولاية تركية، كجزء من التحقيق في الاتهامات ضد "الدولة الموازية".
واعتبر رئيس الوزراء، رجب طيب إردوجان، اليوم الثلاثاء، في مؤتمر صحافي بعد حضوره اجتماعاً لكتلته النيابية في البرلمان، أنه "تم إلقاء القبض على المعنيين بعد عملية بحث وبأوامر قضائية، ونحن نتابع التطورات لنرى ماذا سيحصل". وأكد أن "العملية قابلة للتوسّع أكثر".
ووفقاً لبيانٍ صادر عن مكتب المدّعي العام في اسطنبول، فقد أُصدرت أوامر اعتقال بحق 115 من ضباط الشرطة، وأُلقي القبض على 67 منهم حتى الآن، وذلك في إطار التحقيقات التي أجرتها وحدة مكافحة الإرهاب، في مزاعم "التجسس" و"التنصّت غير القانوني"، ووُجّهت الى المُعتقلين تهم: تزوير محتوى الوثائق الرسمية، وسوء السلوك، والحصول على معلومات تتعلق بأمن الدولة، وانتهاك سرية الاتصالات.
ومن بين المعتقلين الرئيس السابق لقسم مكافحة الإرهاب في شرطة اسطنبول، يورت أتايون، ورئيس قسم مكافحة الارهاب أثناء عملية "17 ديسمبر"، أومير كوس، فضلاً عن كل من نواب قائد الشرطة السابقين، كاظم أكسوي، ورمضان كندان، وجافور أتاج.
وبحسب وسائل الإعلام الموالية للحكومة التي نقلت عملية المداهمة مباشرة، فقد بدأت المداهمات عند الساعة الواحدة والنصف من فجر اليوم الثلاثاء، بالتوقيت المحلي، في إطار الجهود التي تبذلها الحكومة لـ"تنظيف مؤسسات الدولة التركية من عملاء حركة الخدمة" الذين يبايعون فتح الله غولن، حسبما تؤكد الحكومة.
وتعمل الحركة في مئات الأماكن في جميع أنحاء العالم من خلال المدارس المستأجرة وغيرها، وتتهمهم الحكومة بـ"التسلّل الى مؤسسات الدولة التركية، لاقامة دولة موازية، تدين بالولاء إلى فتح الله غولن، بدلاً من الدولة التركية وقوانينها".
وجاءت حملة المداهمات على خلفية تغييرات كبيرة، من بينها إنشاء "محكمة الصلح والجزاء"، وبعد اطلاق الحكومة التركية أكبر عملية تبديلات في صفوف القضاة والمدعين العامين، أطاحت نحو 1000 نائب عام وقاضٍ، بمن فيهم زكريا أوز، الذي أشعل فتيل قضية الفساد في إسطنبول، ونَقَلتْهم إلى وظائف وأماكن أخرى في أطراف البلاد. وأطاحت في مرحلة تالية نحو 15 ألف شخص من الكوادر البيروقراطية المختلفة.
وبحسب الصحف المعارضة، فإن غالبية من أُلقي القبض عليهم، شاركوا وأشرفوا على عمليات كشفت النقاب عن شبكة "أرغينيكون" الإرهابية ومخططات الانقلابات العسكرية، مثل "المطرقة الثقيلة" (باليوز)، كما كانوا في مناصب رئيسية، ونفَّذوا عمليات الضبط في قضية الفساد والرشوة في 17 و25 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، التي تورّط فيها مسؤولون وأبناء عدد من الوزراء ورجال الأعمال المقرّبين من الحكومة.
وشدّد الكاتب في صحيفة "زمان"، الموالية لـ"حركة الخدمة"، بولنت كورجو، في مقال بعنوان "لماذا اعتقلوا قضاة الصلح؟"، على "عدم قانونية اعتقالات الشرطة، كونه تم القبض على أفراد الشرطة، الذين يقومون بمهمة تنفيذ الإجراءات القضائية في تحقيقات أعمال الفساد". ولفت الى أن "أفراد الشرطة كانوا تحت إدارة المدعي العام بنحو كامل أثناء تنفيذ الإجراءات القضائية، وتم إجراء التحقيق في عمليات الفساد وفقاً لتعليمات المدعي العام والقاضي أيضاً. وإذا كانت هناك جريمة أو انتهاك، فليست الشرطة هي المسؤولة، إنما المدعون العامون والقضاة هم المسؤولون أساساً".
وأشار إلى أن "أول تهمة ألقي بها على الشرطة، من اليوم الأول، كانت عدم إخطار رؤسائهم المدنيين، ليتم تغيير النظام القضائي، فيما بعد، ويصبح إخطار المسؤولين من قبيل الإلزام، علماً أن المحامين اعتبروا أن إخطارهم يُعدّ جريمة أمام القانون". وبالفعل، فقد أوقف مجلس الدولة سريان هذا القرار، وكان قراره بمثابة تبرئة للشرطة من قبل أعلى سلطة قضائية.
يبدو أن المعركة بين حزب "العدالة والتنمية" و"حركة الخدمة" لم تنته بعد، بالرغم من انشغال الجميع بالحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية، في العاشر من أغسطس/ آب المقبل، إذ تؤكد جميع المؤشرات واستطلاعات الرأي على انتصار أردوجان "الحتمي" بها. ولذلك يبدو الأخير وكأنه مُصِرّ على إضعاف "حركة الخدمة" أكثر ما يمكن قبل انتقاله لكرسي الرئاسة.