ترامب قبل نقل السفارة

10 مارس 2018
+ الخط -
يريد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إتمام عهده لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة في 14 مايو /أيار المقبل. ينوي مواصلة ما بدأه في 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي من إعلان "القدس عاصمة لإسرائيل"، مروراً بتخفيض التمويل الأميركي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، للوصول إلى يوم 14 مايو. يراهن ترامب بالطبع على عامل أساسي، وهو "غياب ردّ الفعل الملائم لمواجهة هذا القرار"، وفي الوقت عينه، مساهمة بعض الدول العربية في تمرير قراره تحت غطاء "صفقة القرن".
مخطئٌ من يظنّ أن عملية "سيناء 2018" التي يقوم بها الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء، ضد تنظيم ولاية سيناء الموالي لـ"داعش"، لا تصبّ في هذا الصدد، إنها واحد من الأهداف غير المعلنة لصفقة القرن. المعلن في العملية هو "القضاء على الإرهابيين"، أما السرّي فيمرّ عبر تعبيد الطريق لتسهيل حلّ إسكان الفلسطينيين في جزءٍ من المنطقة. وسبق للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن "منح" جزيرتي تيران وصنافير للسعوديين، كما "منحهم" أيضاً قطعة أرضٍ بمساحة ألف كيلومتر مربّع دعماً لمشروع نيوم الذي سيُقام على مساحة 26500 كيلومتر مربّع على الحدود السعودية ـ الأردنية ـ المصرية. بالتالي، من "يمنح" أراضي سابقاً "سيمنح" غيرها لاحقاً. وأيضاً إن قانون سحب الجنسية أو سحب الهوية من 300 ألف مقدسي، الذي أقرّه الكنيست أخيراً، صبّ في إطار التمهيد لترحيل هؤلاء من القدس إلى خارج الضفة الغربية بكاملها حتى.
وأمام حالة انتقالية ستكون متسارعةً في المنطقة، لا بدّ لترامب من إشاحة النظر، أو التخفيف من احتمال حصول ردّ فعلٍ ما، عبر التلويح بإعادة طرح مشكلةٍ أخرى، لتطغى في مايو/ أيار على ما عداها من مشكلات، وخصوصاً عملية نقل السفارة الأميركية. المشكلة تتمحور حول الملف النووي الإيراني. وهو ملفٌّ سيعود إلى الواجهة بقوة، مع توريط الأوروبيين مجدّداً في المسألة. الضغط الذي يمارسه الأميركيون، يمكن قراءته في قضية رفع الضريبة على واردات الصلب بنسبة 25% وعلى الألومينيوم بنسبة 10%، وهي نسبةٌ ستنعكس على أوروبا التي تتصدّرها ألمانيا في تصدير الصلب إلى الولايات المتحدة. بالتالي، سيضع هذا الأمر الأوروبيين أمام حلّ من اثنين: مواجهة الولايات المتحدة تجارياً أو القبول بالضرائب الأميركية. القبول بالضرائب أمر لا يمكن لأوروبا تحمّله على المدى الطويل، أما المواجهة إن حصلت فستكون خاسرة للأوروبيين، ما لم يتطلّعوا إلى تحسين علاقاتهم التجارية مع الشرق، خصوصاً روسيا والصين. وهو أمر صعب، كونه يمرّ بالملف الإيراني.
عليه، قد يحتاج الأوروبي إلى الموافقة الاضطرارية لإعادة البحث بالملف النووي الإيراني، وفقاً لشروط أميركية، كي يكسب السوق الإيرانية لاحقاً، فالصدام مع الأميركيين سيضعهم حكماً أمام منطق الخضوع لروسيا. وهي مسألةٌ حسّاسة للأوروبيين الذين قد يجدون أنفسهم من دون صواريخ أميركية، وبلا دعم عسكري أميركي، وحتى بلا جيش أوروبي موحّد. إظهار القوة العسكرية أمر حتمي في سياسات الفترة الحالية، تحديداً في المرحلة المقبلة التي ستمضي فيها روسيا إلى اتخاذ منطق "المبادرة" في ملفاتٍ ساخنةٍ من أوكرانيا إلى سورية إلى البلطيق، بعد إعادة انتخاب فلاديمير بوتين رئيساً في 18 مارس/ آذار الحالي.
"البحث عن مشكلة" لن يكون مشكلة لترامب، فالحيّز الجيوبوليتيكي في الشرق الأوسط يسمح بتسعير صدامٍ ما. الساحات السورية والعراقية واللبنانية كلها مشاريع ـ حواضن لأي مشكلة تطغى على عملية نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وبالنسبة إلى ساعة الصفر، يمكن أن تحصل في أي لحظة، ومسبّباتها أو شراراتها جاهزة. أما أمر عرقلة تلك المشاريع فمرتبط بالسلوكيات الروسية تحديداً التي لن ترفض "المشكلة"، طالما يمكنها كسب أوروبا بكاملها أو كسرها من جهة، وتمكين وجودها في الشرق الأوسط من جهة أخرى.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".