تذكرة رجوع

26 يوليو 2015
إياد صبّاح/ فلسطين
+ الخط -

أنت الهارب من أواسط أفريقيا أو جنوب المتوسط، من أعالي النيبال أو غرب الكاريبي. أنت الذي تارة بلا تأمين، طوراً بلا سقف. السائر مسرنماً في عين الشمس. يفلت خيط حياتك من يدك ولا تفهم.

تجري هنا، وتلهث هناك، ما بين مؤسسات "السوسيال" و"سيَار" وأبواب الكنائس. بينما الأهل ينتظرون رقم التحويلة والمبلغ، غير منتبهين أن أمثالك مطرودون من جنة "الويسترن يونيون". وأن من باع البيت ليدفع تكاليف الطريق، غدا الآن بلا بيت ولا طريق.

إنه "الفشل". تقول موظفة الصليب الأحمر مُقرّعةً، وكأنها تتكلّم عن عارٍ اقترفتَه. أنت لا تفهم، لأنك من ثقافة أخرى. وهي تستغرب برود الردّ لأنها من ثقافة أعلى فضائحها ألا ينجح المرء. ستخرج من مكتبها ولن تعود أبداً، لا "سوسيال" ولا كنائس ولا "سيَار" بعد اليوم.

ستعتمد على ذاتك، فتذهب للعمل الأسود حالَ توفّر، فإن لم، وكثيراً ما يحدث، فتبيع البيرة لسوّاح الصيف على الشواطىء وفي الحدائق، كما يفعل زملاؤك الباكستانيون. وفي الشتاء ستلجأ إلى نفخ فقاعات الصابون في قوس النصر أو سواه، كما يفعل الغجر.

يفرح الأطفال ويرمي ذووهم بقروش في الطاقية، فإن لم تأت بهمّها هذه الشغلة، ففي فضالة الحاويات متّسع، فإن أقفرت، ما من حلّ غيره: التسوّل. هكذا يفعل الرومانيون ولست أفضل منهم.

تمضي السنوات، ورزقك يومٌ بيوم. تمضي السنوات، ويشحب الأمل عند الأهل بأن تسحبهم إلى الجنة الموعودة. تشحب أنت وتتهدّل، صحتك تتدهور وسوء التغذية يطاردك. لكنك في أعماقك تعتقد أن حالك أهون من غيرك، فثمة عديدون تعرفهم، خرجوا من مجرّة العقل، وصاروا يهيمون على وجوههم في الطرقات ويكلمون حالهم. أنت لا، أنت بعدُ. ما زلت بعقلك، وتحاول.

ما زلت بعقلك وتكابر.

ما زلت على أمل، كأنّ منفاك أمّ، تقسو أحياناً، لترحم طويلاً بعد ذلك.

غير واع بأنك جئتهم وهم في معمعان أزمة. أزمة ستطول، وربما تموت أنت قبل أن تنفرج. أزمة تستوطي حائط المهاجرين، شرعيين وغير شرعيين، أولاً وخامساً. أزمة عليك أنت أن تدفع ثمنها، ثم يأتي فقراء البلد المواطنون تالياً.

ستحلم كثيراً بتغيّر الحال، ولما تقنط، ستحلم أكثر بتذكرة الرجوع.

المساهمون