لا تزال الانقسامات السياسية البريطانية حول الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) تتفاقم، على الرغم من مرور عامين على الاستفتاء وبقاء نحو تسعة أشهر على مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي. وفي كل خطوة تقوم بها رئيسة الوزراء تيريزا ماي تجاه الصفقة النهائية، تتعمّق الخلافات في صفوف حزبها (المحافظين) وحكومتها، عوضاً عن ردم هذه الهوة كما وعدت بعد الانتخابات العامة في السنة الماضية.
وتشكّل قضية الاتحاد الجمركي آخر حلقات هذه الخلافات داخل الحكومة البريطانية، إذ تنقسم حكومة ماي وحزب المحافظين حول الخيارين المطروحين: الشراكة الجمركية والتيسير الأشمل. ويأتي ذلك مع تحذير الوزير المسؤول عن بريكست، ديفيد ديفيس، لماي من أن الخيار الأول الذي تفضّله غير قانوني، بينما كان وزير الخارجية، بوريس جونسون، قد وصف الخيار الأول بأنه "مجنون"، وخيانة لروح الاستفتاء.
وأدى غموض موقف ماي حول التسوية الجمركية التي ستلي الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى تأجيل هذا الأمر حتى بداية الشهر المقبل، مع اقتراب موعد القمة الأوروبية في يونيو/ حزيران المقبل، والتي سيتم حسم الأمر فيها. وتزامنت هذه الخلافات أيضاً مع سلسلة من الهزائم البرلمانية تلقتها الحكومة البريطانية في مجلس اللوردات في التصويت على قانون بريكست.
وتفضّل ماي خيار الشراكة الجمركية، والذي يسمح لبريطانيا بجمع الضرائب والعائدات الجمركية لصالح الاتحاد الأوروبي، وفرض تعرفتها الجمركية الخاصة، ولكن مع الالتزام بمعايير الاتحاد، وكل ذلك من خارج عضوية الاتحاد الجمركي والسوق الأوروبية المشتركة. أما خيار التيسير الأشمل المفضّل لدى مؤيدي البريكست المشدد في الحكومة والبرلمان البريطانيين، فيعتمد على استخدام التقنيات المتطورة في مراقبة الحدود، ما يساهم في تخفيض حجم البنية الحدودية مع الاتحاد الأوروبي ويسهّل من حركة البضائع من بريطانيا وإليها. ويواجه كلا الخيارين عقبات قانونية كونهما يخرقان قوانين التجارة الدولية التي تعتمدها منظمة التجارة العالمية والتي يفترض أن تشكل الأسس في التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد بريكست.
وتمكن قراءة تصريحات جونسون وديفيس، وكلاهما من مؤيدي بريكست مشدد، على أنها ضغوط يمارسانها على رئيسة الوزراء كي تذعن لابتزاز الكتلة البرلمانية المؤيدة للبريكست المشدد، المعروفة باسم مجموعة الأبحاث الأوروبية، والتي يتزعمها جاكوب ريس موغ، وعدد مؤديها نحو 60 برلمانياً محافظاً، تحتاجهم ماي لتمرير قانون بريكست المقرر أن يعود إلى مجلس العموم الشهر المقبل، بعد أن تعرض لأربع عشرة هزيمة في مجلس اللوردات.
وترى هذه المجموعة أن الطلاق الكامل مع الاتحاد الأوروبي هو الخيار الأفضل لمستقبل بريطانيا، إذ يفتح أمامها أبواب التجارة العالمية والسيادة الشاملة على قرارها. إلا أن الخط الذي تسير عليه هذه المجموعة، يدفع باتجاه تهميش عملية السلام في إيرلندا الشمالية، والتي يتطلّب الحفاظ عليها إبقاء الحدود مفتوحة مع الجمهورية الإيرلندية. وتؤيد هذه المجموعة الانسحاب من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والخروج من الصفقة في حال تعنّت الاتحاد في قبول مطالب بريطانيا.
اقــرأ أيضاً
إلا أن مفاوضات بريكست خلال العام الماضي كانت قد برهنت للجميع بأن خطوط بريكست الحمراء ليست بالصلابة التي يصوّرها مؤيدوها. فقد قبلت ماي بدفع فاتورة الطلاق الباهظة، وقبلت بفترة انتقالية تمدد من بقاء بريطانيا على وضعها الحالي حتى نهاية عام 2020. كما تسعى ماي للبقاء في العديد من الوكالات الأوروبية، خصوصاً في مجالات الطاقة والأمن.
وعلى الرغم من قبول متشددي البريكست بهذه التنازلات، إلا أنهم يخشون الآن من أن تسفر الشراكة الجمركية التي تطرحها ماي عن البقاء في عضوية الاتحاد الجمركي عملياً، وهو أحد الخطوط الحمر التي رسمها تصويت بريكست، وفقاً لجونسون وريس موغ. وكان وصول ساجد جاويد إلى وزارة الداخلية، قد عزز من أصوات مؤيدي بريكست مشدد داخل الحكومة البريطانية، بينما كانت آمبر رود، الوزيرة السابقة والتي استقالت أخيراً على خلفية معاملة وزارة الداخلية لأبناء مهاجري الكاريبي، أكثر ميلاً تجاه بريكست مخفف.
في مواجهة هذه العقبات، يبرز سؤال لماذا لا تتم الإطاحة بماي من رئاسة الحكومة؟ والإجابة البسيطة عليه تأتي من ضعف منافسيها. ماي كانت قد فقدت الأغلبية البرلمانية في الانتخابات العامة التي جرت العام الماضي، واضطرت بذلك للتحالف مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" الإيرلندي لتتجاوز عتبة 325 نائباً، وهي عتبة تمثل نصف عدد أصوات مجلس العموم. كما أن الجناح المتشدد في حزبها يقوّض خط سياستها الخاص بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي بشكل متكرر، إضافة إلى تصاعد قوة المعارضة العمالية بزعامة جيريمي كوربن.
إلا أن ماي على دراية جيدة بالتوازنات السياسية التي أنتجت البرلمان البريطاني الحالي. فهي ترى ألا أغلبية للبريكست المشدد في البرلمان البريطاني سواء في حزبها أو في صفوف المعارضة. فقد تعرّض قانون بريكست إلى أربعة عشر هزيمة في مجلس اللوردات الشهر الماضي في رسالة قوية لمعارضة المجلس لرؤية ريس موغ. كما شجّعت هذه الهزائم متمردي حزب المحافظين من مؤيدي بريكست مخفف للتحالف مع المعارضة البرلمانية التي يتزعمها حزب العمال في مجلس العموم. وتكمن المفارقة في أن ماي ستعتمد على أصوات متمردي حزبها والمعارضة العمالية لكبح جماح تيار البريكست المتشدد.
يضاف إلى ما سبق أن منافسي ماي على زعامة حزب المحافظين لا يتمتعون بشعبيتها، خصوصاً أنهم يدركون أن من سيخلفها، في حال انهارت حكومتها وتنحّت عن رئاسة الوزراء، سيواجه العقبات نفسها التي تواجهها ماي حالياً. وبالتالي يقتصر دورهم على الضغط على ماي من دون استلام زمام الأمور. كما أن مجموعة ريس موغ تدرك أيضاً أن التهديد بالانسحاب من المفاوضات الأوروبية ليس بالسهولة التي يرسمونها للناخبين، وذلك بسبب عقبة الحدود الإيرلندية. فالحفاظ على حدود مفتوحة، ويفضّل على شكلها الحالي، بين شطري الجزيرة الإيرلندية، يُعدّ الخيار الأفضل لدى الجمهورية الإيرلندية مدعومة بالاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أغلبية سكان إيرلندا الشمالية، وفقاً لاستطلاعات الرأي في الأشهر الماضية.
وكان استطلاع لرأي سكان إيرلندا الشمالية نهاية العام الماضي قد كشف أنه وفي حال انسحاب بريطانيا من المفاوضات ومواجهة خيار عدم الاتفاق، فإنهم يفضّلون الانسحاب من المملكة المتحدة والانضمام إلى الجمهورية الإيرلندية. ولا يمكن تخيل قبول أي من السياسيين البريطانيين بأن يكون المسؤول عن مثل هذه الخطوة.
اقــرأ أيضاً
وأدى غموض موقف ماي حول التسوية الجمركية التي ستلي الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى تأجيل هذا الأمر حتى بداية الشهر المقبل، مع اقتراب موعد القمة الأوروبية في يونيو/ حزيران المقبل، والتي سيتم حسم الأمر فيها. وتزامنت هذه الخلافات أيضاً مع سلسلة من الهزائم البرلمانية تلقتها الحكومة البريطانية في مجلس اللوردات في التصويت على قانون بريكست.
وتفضّل ماي خيار الشراكة الجمركية، والذي يسمح لبريطانيا بجمع الضرائب والعائدات الجمركية لصالح الاتحاد الأوروبي، وفرض تعرفتها الجمركية الخاصة، ولكن مع الالتزام بمعايير الاتحاد، وكل ذلك من خارج عضوية الاتحاد الجمركي والسوق الأوروبية المشتركة. أما خيار التيسير الأشمل المفضّل لدى مؤيدي البريكست المشدد في الحكومة والبرلمان البريطانيين، فيعتمد على استخدام التقنيات المتطورة في مراقبة الحدود، ما يساهم في تخفيض حجم البنية الحدودية مع الاتحاد الأوروبي ويسهّل من حركة البضائع من بريطانيا وإليها. ويواجه كلا الخيارين عقبات قانونية كونهما يخرقان قوانين التجارة الدولية التي تعتمدها منظمة التجارة العالمية والتي يفترض أن تشكل الأسس في التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد بريكست.
وتمكن قراءة تصريحات جونسون وديفيس، وكلاهما من مؤيدي بريكست مشدد، على أنها ضغوط يمارسانها على رئيسة الوزراء كي تذعن لابتزاز الكتلة البرلمانية المؤيدة للبريكست المشدد، المعروفة باسم مجموعة الأبحاث الأوروبية، والتي يتزعمها جاكوب ريس موغ، وعدد مؤديها نحو 60 برلمانياً محافظاً، تحتاجهم ماي لتمرير قانون بريكست المقرر أن يعود إلى مجلس العموم الشهر المقبل، بعد أن تعرض لأربع عشرة هزيمة في مجلس اللوردات.
وترى هذه المجموعة أن الطلاق الكامل مع الاتحاد الأوروبي هو الخيار الأفضل لمستقبل بريطانيا، إذ يفتح أمامها أبواب التجارة العالمية والسيادة الشاملة على قرارها. إلا أن الخط الذي تسير عليه هذه المجموعة، يدفع باتجاه تهميش عملية السلام في إيرلندا الشمالية، والتي يتطلّب الحفاظ عليها إبقاء الحدود مفتوحة مع الجمهورية الإيرلندية. وتؤيد هذه المجموعة الانسحاب من المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والخروج من الصفقة في حال تعنّت الاتحاد في قبول مطالب بريطانيا.
إلا أن مفاوضات بريكست خلال العام الماضي كانت قد برهنت للجميع بأن خطوط بريكست الحمراء ليست بالصلابة التي يصوّرها مؤيدوها. فقد قبلت ماي بدفع فاتورة الطلاق الباهظة، وقبلت بفترة انتقالية تمدد من بقاء بريطانيا على وضعها الحالي حتى نهاية عام 2020. كما تسعى ماي للبقاء في العديد من الوكالات الأوروبية، خصوصاً في مجالات الطاقة والأمن.
وعلى الرغم من قبول متشددي البريكست بهذه التنازلات، إلا أنهم يخشون الآن من أن تسفر الشراكة الجمركية التي تطرحها ماي عن البقاء في عضوية الاتحاد الجمركي عملياً، وهو أحد الخطوط الحمر التي رسمها تصويت بريكست، وفقاً لجونسون وريس موغ. وكان وصول ساجد جاويد إلى وزارة الداخلية، قد عزز من أصوات مؤيدي بريكست مشدد داخل الحكومة البريطانية، بينما كانت آمبر رود، الوزيرة السابقة والتي استقالت أخيراً على خلفية معاملة وزارة الداخلية لأبناء مهاجري الكاريبي، أكثر ميلاً تجاه بريكست مخفف.
في مواجهة هذه العقبات، يبرز سؤال لماذا لا تتم الإطاحة بماي من رئاسة الحكومة؟ والإجابة البسيطة عليه تأتي من ضعف منافسيها. ماي كانت قد فقدت الأغلبية البرلمانية في الانتخابات العامة التي جرت العام الماضي، واضطرت بذلك للتحالف مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" الإيرلندي لتتجاوز عتبة 325 نائباً، وهي عتبة تمثل نصف عدد أصوات مجلس العموم. كما أن الجناح المتشدد في حزبها يقوّض خط سياستها الخاص بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي بشكل متكرر، إضافة إلى تصاعد قوة المعارضة العمالية بزعامة جيريمي كوربن.
إلا أن ماي على دراية جيدة بالتوازنات السياسية التي أنتجت البرلمان البريطاني الحالي. فهي ترى ألا أغلبية للبريكست المشدد في البرلمان البريطاني سواء في حزبها أو في صفوف المعارضة. فقد تعرّض قانون بريكست إلى أربعة عشر هزيمة في مجلس اللوردات الشهر الماضي في رسالة قوية لمعارضة المجلس لرؤية ريس موغ. كما شجّعت هذه الهزائم متمردي حزب المحافظين من مؤيدي بريكست مخفف للتحالف مع المعارضة البرلمانية التي يتزعمها حزب العمال في مجلس العموم. وتكمن المفارقة في أن ماي ستعتمد على أصوات متمردي حزبها والمعارضة العمالية لكبح جماح تيار البريكست المتشدد.
وكان استطلاع لرأي سكان إيرلندا الشمالية نهاية العام الماضي قد كشف أنه وفي حال انسحاب بريطانيا من المفاوضات ومواجهة خيار عدم الاتفاق، فإنهم يفضّلون الانسحاب من المملكة المتحدة والانضمام إلى الجمهورية الإيرلندية. ولا يمكن تخيل قبول أي من السياسيين البريطانيين بأن يكون المسؤول عن مثل هذه الخطوة.