تجارب مصر الفاشلة للشمول المالي

18 سبتمبر 2017
اتساع المستفيدين من الخجمات المالية والمصرفية (العربي الجديد)
+ الخط -

تناول الإعلام المصري موضوع مؤتمر الشمول المالي الذي عقد أخيرًا، في مدينة شرم الشيخ، وكأنه اكتشاف جديد، أو أن مصر قد أمسكت بالمفتاح السحري لحل مشكلاتها الاقتصادية المزمنة، والشمول المالي ليس طرحًا اقتصاديًا جديدًا، فالعديد من المنظمات الإقليمية والدولية تناولت الموضوع عبر فعاليات متنوعة على مدار سنوات.

كما أن الشمول المالي ليس أكثر من اتساع شريحة المستفيدين من الخدمات المالية والمصرفية، حتى لا يكون عدم الحصول على التمويل أحد أسباب البطالة أو الركود.

وثمة إحصاءات تنشر على مدار السنوات الماضية عن عدد المصارف والمؤسسات المالية بكل دولة، وعدد السكان المستفيدين من الخدمات المصرفية.

ومن أهداف الشمول المالي في الدول النامية استهداف الاقتصاد غير المنظم، واعتبار الشمول المالي إحدى الوسائل التي تنتقل بأكبر شريحة ممكنة من الاقتصاد غير المنظم للاقتصاد المنظم، فوجود حساب بنكي مثلاً، يظهر الحركة المالية للأفراد والمؤسسات، ويسهل حصر المجتمع الضريبي، ويقلل من مساحات المدخرات والاستثمارات غير الرسمية.

ومصر واحدة من الدول التي تتسع فيها مساحة الاقتصاد غير الرسمي، وبخاصة في ظل السياسات الاقتصادية التي تستهدف الكبار، وتنحاز للأغنياء.

وتمتلك مصر بنية أساسية كبيرة على صعيد المؤسسات المالية، سواء من خلال البنوك، أو شركات التأمين، أو المؤسسات المالية خارج إطار العمل المصرفي مثل (بنك ناصر الاجتماعي، والصندوق الاجتماعي للتنمية، والبنك الزراعي)، وإن كان أخيرًا، تم تحويل البنك الأخير إلى بنك تجاري سوف يخضع لإشراف البنك المركزي، تحت اسم البنك الزراعي المصري).

ومع ذلك ظل الشمول المالي محدودًا في مصر، بسبب تفضيل البنوك للتعامل مع كبار المستثمرين، والزهد في تمويل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، بحجة ارتفاع تكاليف التمويل والمتابعة، ومنذ أكثر من عقدين من الزمن فضلت البنوك الاستثمار في أدوات الدين الحكومي مثل الأذون، بنسبة تصل إلى 55% من الودائع المتاحة لها، مما قلص من فرص انتشار الشمول المالي، بمزاحمة الحكومة للقطاع الخاص والعائلي في الاقتراض من البنوك.

ومع إلحاح العديد من المنظمات الدولية لتمويل المشروعات متناهية الصغر، عملت البنوك المصرية في تمويل هذه المشروعات ولكن من خلال التمويل عبر المنح من المنظمات الأجنبية الدولية، وكان دور البنوك مجرد وسيط تمويلي بين تلك المنظمات والجمعيات المعنية بتمويل المشروعات متناهية الصغر، وبذلك يضاف عبء جديد للتمويل يتمثل في عمولة تحصل عليها البنوك، وعمولة أخرى تحصل عليها الجمعيات، وبذلك يصل سعر الفائدة لأصحاب المشروعات متناهية الصغر، لنفس معدلات سعر الفائدة للاقتراض من البنوك التجارية، رغم أن المنظمات العالمية الأجنبية قدمت هذه القروض بسعر فائدة لا يزيد عن 4%.

وإذا نظرنا إلى تجربة مصر في الشمول المالي بمعنى اتساع الشريحة المستفيدة من الخدمات التمويلية والمصرفية، فإننا نجد ثلاث تجارب واضحة، اتسمت بالانتشار الجغرافي، وكذلك زيادة عدد المستفيدين من خدماتها من السكان على مستوى جميع المحافظات، وهذه التجارب هي البنك الزراعي، والصندوق الاجتماعي، وبنك ناصر.

فبنك التنمية والائتمان الزراعي بدأ عمله في مطلع خمسينيات القرن العشرين، وتنتشر فروعه الرئيسة في 27 محافظة، ومن خلال 1024 فرعاً، تغطي معظم قرى مصر. وكذلك بنك ناصر الاجتماعي باشر نشاطه مطلع السبعينيات من القرن العشرين، ويمتلك نحو 100 فرع على مستوى الجمهورية ونحو 4 آلاف لجنة زكاة.

وفي مطلع التسعينيات تم إنشاء الصندوق الاجتماعي للتنمية كإحدى الأدوات التي طرحت في برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي في العام المالي 1992/1991، لمواجهة الآثار الاجتماعية السلبية الناتجة عن تطبيق برنامج الخصخصة.

ولا يعني هذا أن هذه المؤسسات الثلاث هي فقط التي تعمل في مجال تقديم الخدمات المالية أو المصرفية، فهناك نحو 40 بنكًا لها مئات الفروع على مستوى الجمهورية، فضلًا عن فروع البنوك الأجنبية التي تمارس نشاطها في مصر.

نتائج التجربة

على مستوى الإطار الزمني مضت فترات طويلة على نشأت المؤسسات الثلاث، والتي كانت تستهدف الوصول لأكبر شريحة من المجتمع المصري، سواء بين الفلاحين من خلال بنك التنمية والائتمان الزراعي، أو الفقراء والطبقة المتوسطة عبر بنك ناصر الاجتماعي، أو بين الشباب وموظفي القطاع العام والحكومي من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية.
وقد تبين أن هذه المؤسسات تمت إدارتها في إطار روتيني، وركزت على نفس الشروط والضمانات التي تشترطها المؤسسات المالية الكبرى للبنوك. فوجود الضمان أو الضامن، حرم الكثير من الراغبين في الاستفادة من الخدمات التمويلية والمصرفية من خدمات المؤسسات الثلاث.

وثمة مجموعة من العوامل أدت إلى تحقيق نتائج سلبية حالت دون تحقيق هذه المؤسسات أهدافها، والتي من ضمنها الشمول المالي، ومن هذه العوامل:

المشروعات غير الحقيقية:

ظهر ذلك جليًا في القروض التي حصل عليها المتعاملون مع بنك التنمية والائتمان الزراعي، أو الصندوق الاجتماعي للتنمية، حيث تم التعامل من قبل المقترضين لتمويل مشروعات إنتاجية وخدمية، بينما كان الاستخدام الحقيقي، هو توظيف هذه القروض في استكمال بعض أوجه القصور في الحاجات الأساسية مثل السكن، أو زواج الأبناء.

تدوير القروض:

أدى عدم استخدام القروض في الأغراض التي تم الاتفاق عليها، إلى عدم تمكين المقترضين من سداد القروض والفوائد المستحقة عليها، مما أدى إلى اتفاق غير معلن بين المقترضين وموظفي هذه المؤسسات على الاقتراض لمرة ثانية لسداد التزامات القرض الأول، وهكذا يتم الدخول في دوامة الاقتراض، لتحقيق نجاح ورقي للمؤسسة، ولعدم تعرض المقترض لعقوبة السجن.

- في حالة بنك ناصر، أدى ضرورة وجود ضمان أو ضامن للمستفيد من خدمات البنك، إلى حرمان شريحة كبيرة من خدماته، على الرغم من أنه أنشأ لمساعدة الفقراء، مما جعل موظفي الحكومة أكبر المستفيدين من خدمات البنك، على الرغم من أنهم يمكنهم الحصول على نفس الخدمات من البنوك الأخرى بنفس الشروط، ولكن لعل انخفاض نسبة الفائدة ببنك ناصر هو ما شجع موظفي الدولة على التعامل معه. ولكن الشريحة الكبيرة من العاملين بالقطاع غير المنظم، والذين لا يملكون دخول ثابتة، أو ليس لديهم عقود عمل حيل بينهم وبين الاستفادة من مشروعات وخدمات بنك ناصر الاجتماعي.

- أما لجان الزكاة التابعة لبنك ناصر والتي يصل عددها إلى نحو 4 آلاف على مستوى الجمهورية، فهي محكومة بسيطرة أمنية تحد من ممارسة نشاطها بشكل يؤدي بالفعل لتحقيق الشمول المالي من خلال آلية الزكاة، والتي تسمح بتمويل أداة الحرفة للفقير، أو تدريبه، أو تمويل مشروعه الصغير.

- ومن الأمور التي أدت إلى عدم تحقيق المؤسسات الثلاث للشمول المالي، أنها اعتمدت بشكل كبير على الإدارة الحكومية، وطبقت نفس قواعد البيروقراطية، فغاب عنها الابتكار والإبداع في تقديم الخدمات، أو جلب المدخرات، على الرغم من الإمكانيات الكبيرة التي أتيحت لها، أو الأهداف التي أنشئت من أجلها.

لا أحسب أن الشمول المالي سيكون المصطلح الأخير الذي يداعب به الإعلام بمصر مشاعر المواطنين الذين يحلمون بالخروج من الأزمة الاقتصادية، وسيكون هناك عناوين أخرى كما حدث في عهد مبارك، مثل مشروع الألف يوم، والمشروعات القومية الكبرى (توشكى، شرق العوينات، خليج السويس)، ومصر نمر على النيل.. إلخ.

المساهمون