بيت حنينا.. حكاية حيّ مقدسي انتفض

06 يوليو 2014
أقسم أهالي بيت حنينا على مواصلة المقاومة (فرانس برس/Getty)
+ الخط -


تتماهى الجغرافيا بين بلدة شعفاط، مسقط رأس الشهيد محمد أبو خضير، وحي بيت حنينا الجديدة، رغم اختلاف التركيبة الاجتماعية بين المنطقتين. فقد عرف المقدسيون بيت حنينا الجديدة، حياً ارستقراطياً من الدرجة الأولى، لا تقطنه سوى العائلات الميسورة، وكان مثالاً للهدوء على مدى عقود الاحتلال. بالكاد سُجّلت لقاطنيه مشاركات في مقاومة الاحتلال، أو في فعاليات الانتفاضتين الأولى والثانية.

لكن دم الشهيد أبو خضير أزال هذه الفوارق إلى الأبد، لتبدو بيت حنينا وشعفاط، امتداداً جغرافياً واحداً وامتداداً نضالياً متصلاً. امتداد عكسته وحدة المقاومة الشعبية، في موجة الغضب المستعرة، التي حولت شوارعها إلى ساحة مواجهة واحدة واحتلت عناوين وسائل الإعلام.

في الطريق من أقصى الشمال في بيت حنينا، إلى أقصى الجنوب في شعفاط، مسافة طويلة، لا تزال شاهدة على عنف الاشتباكات التي خاضها الشبان مجتمعين. فعربات النفايات ومتاريس الحجارة والإطارات المشتعلة، لا تزال تملأ الشوارع وتعيق حركة انتقال المركبات. كما تموضعت قوة كبيرة من شرطة الاحتلال الخاصة عند ملتقى البلدتين، بالقرب من منزل عائلة الطفل موسى زلوم، من بيت حنينا، الذي تعرّض إلى محاولة خطف، سبقت اختطاف الشهيد أبو خضير وقتله.


في هذه المنطقة، أغلق الجنود الطريق المؤدي إلى شعفاط من بيت حنينا، ولا تزال رائحة الإطارات المشتعلة تملأ المكان، ولا تزال الأرصفة مزدحمة ببقايا قنابل الصوت والعيارات المعدنية المغلّفة بالمطاط. وبالقرب من معرض سيارات، وقف عدد من سكان الحي يراقبون حركة السير في المنطقة وتصرّفات الجنود، غير آبهين بتحذيراتهم بعدم الاقتراب من حواجزهم. ناصر عسيلة، وهو صرّاف مقدسي، أطلّ على الواقفين من شرفة منزله، الذي تحطّم زجاجه بسبب المواجهات، وحيّاهم، وتوجّه إلى مجموعة من الشبان الملثّمين قائلاً: "الله يكون معاكم، الله يحميكم يا شباب".

لم يكن مثل هذا الموقف يصدر في السابق، ولم تكن تجد له تعبيراً على الأرض في حي أرستقراطي ينعم أهله بالهدوء، لا بل إن الإسرائيليين دعوه بـ"كفار شالوم"، أي قرية السلام.

الأمر مختلف اليوم، فبعد استشهاد أبو خضير، كشفت بيت حنينا الجديدة، في الأيام القليلة الماضية، عن موقف مغاير عن ماضيها، وكان لشبابها ونسائها حضور مختلف.
"الاحتلال لا يفرّق بين أحد، ونحن اليوم نحيا في مأساة واحدة ومعاناة واحدة أيضاً"، على ما يردّد محمود أبو زهرية، وهو رجل أعمال كان مقيماً في الولايات المتحدة قبل أن يستقرّ في بيت حنينا، مسقط رأسه، قبل 5 سنوات، ليدير مشاريعه التجارية والعقارية، بعدما وجد حاضره ومستقبله في بلدته فقط.
أما تاجر العقارات، محمد أبو عيشة، فيقول: "إن ما حدث في بيت حنينا، وتحوّلها إلى ساحة مواجهة، كان أشبه بحلم، بل كان واحداً من المستحيلات، بيد أن استشهاد أبو خضير، فجّر حالة عارمة من الغضب".
وغير بعيد عن منزل عائلة الشهيد في شعفاط، كانت المتاجر والصيدليات وسائر المحال، لا تزال أبوابها مغلقة، تضامناً مع عائلة الشهيد. ويُلخّص التاجر، كمال مسودة، التضامن بالقول: "ربنا بعوّض.. المال بروح وبيجي بس الولد ما بتعوَّض".
وهل يقتصر الأمر على شعفاط أو بيت حنينا؟ ليس بالنسبة إلى الخباز، أحمد السلايمة، إذ يعتبر أن "الشهيد أبو خضير، أصبح رمز التضحية في القدس المحتلة، والمدينة لن تهدأ حتى يتم كنس الاحتلال منها".

المساهمون