بوادر انقسام داخل الحكومة المغربية بسبب مشروع الموازنة

29 نوفمبر 2019
المادة 9 تثير جدلاً واسعاً (Getty)
+ الخط -
أكدت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" من داخل تحالف الأغلبية الحكومية بالمغرب، بروز ما سمته "الخلاف في التقدير"، بين وزيرين يحملان حقيبتين هامتين داخل الحكومة، وذلك خلال اجتماع المجلس الحكومي الذي عقد أمس الخميس بالرباط.

ويتعلّق الخلاف بالمادة المثيرة للجدل في مشروع القانون المالي الخاص بالعام 2020، والتي تحمل الرقم 9 وتنص على منع القيام بالحجز على أموال وممتلكات الدولة من أجل تنفيذ الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضدها.
المصادر التي اعتبرت أن ما تداولته بعض وسائل الإعلام المحلية "يحمل بعض المبالغة"، أكدت في المقابل بروز الخلاف بين كل من وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، المصطفى الرميد، الذي يعتبر  الرجل الثاني في الحكومة وفي قيادة حزب "العدالة والتنمية"، وبين وزير الداخلية المحسوب على معسكر التكنوقراط، عبد الوافي لفتيت. وفسّر أحد مصادر "العربي الجديد" تولي وزير الداخلية الدفاع عن هذه المادة، بكون هذه الوزارة تعتبر من القطاعات الحكومية المعنية بمضمونها، حيث جرت في السنوات الأخيرة عمليات حجز على ممتلكاتها لتنفيذ أحكام قضائية نهائية صادرة ضدها.
وفجّر اجتماع أمس الأسبوعي للمجلس الحكومي، الخلاف الذي كان قد برز منذ أسابيع، حيث لم يخف الرميد اعتراضه على هذه المادة التي تسببت في احتجاجات قوية من جانب الحقوقيين والقضاة والمحامين، وبين مؤيدي هذه المادة، يتقدمهم وزير الاقتصاد والمالية محمد بن شعبون المنتمي إلى حزب "التجمع الوطني للأحرار".
مصادر "العربي الجديد" قالت إن هذا الأخير يواجه حرجا كبيرا حاليا في مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان، حيث تصرّ الفرق البرلمانية على إدخال تعديلات على هذه المادة، سبق له أن رفضها في مجلس النواب الذي صادق بشبه إجماع على هذه المادة. ورغم خضوع فريق حزب "العدالة والتنمية" في مجلس النواب لضغوط قيادة الحزب، وتصويته لصالح هذه المادة في الغرفة الأولى للبرلمان، إلا أن فريق الحزب بمجلس المستشارين أبدى إصرارا في موقفه الرافض لهذه المادة، باعتبارها غير دستورية وتمس بالقوة المكفولة لأحكام القضاء باعتبارها تنفذ في حال أصبحت نهائية.
واستنادا إلى ما نشرته وسائل إعلام محلية من كون اجتماع الحكومة الأخير شهد مشاداة كلامية قوية بين الرميد ولفتيت، علّق رئيس "المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية"، مصطفى كرين، قائلا إنه وأمام الثقة الزائدة التي يدافع بها وزير المالية عن هذه المادة أمام غرفتي البرلمان، "فقد أصبح واضحا جدا أن الخلاف حول المادة 9 من قانون المالية لهذه السنة، ليس خلافا في مقاربة التعاطي مع إشكالية استمرار المرفق العمومي وإنما هو خلاف حول من يحكم، واستعراض للقوة بين التكنوقراط الذين لا ينطقون عن الهوى، بل هو وحي يوحى إليهم، وبين السياسيين المنبطحين".
وأضاف كرين في تدوينة له عبر حسابه في "فيسبوك"، أن الحكومة والبرلمان "افتضح سرهم وظهر جليا أنهم مجرد كومبارس مغلوبين على أمرهم في هذه التشكيلة الحكومية ولا يتحملون أية مسؤولية حقيقية في وجود هذه المادة أو غيرها، ولذلك ومن باب الكرامة، أي كرامة الحكومة والأحزاب إن كان فيها بقية، وكرامة الشعب المغربي الذي ذهب إلى صناديق الاقتراع، أن تقوم هذه الحكومة كما قلت سابقا بالاستقالة وأن يحل البرلمان نفسه لأن عوراتهم أصبحت مكشوفة للعموم ورائحة الذل المنبعثة من خطاباتهم وقراراتهم أصبحت تزكم الأنوف والعقول ".


في المقابل وجّه الأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي، انتقاده في هذا الموضوع إلى أحزاب المعارضة، والتي خفت صوتها في هذا الموضوع، في ظل شبهات تعرض الأحزاب السياسية لضغوط من أجل تمرير هذه المادة. وقال الشرقاوي تعليقا على الأنباء التي تحدثت عن حدوث "مشاداة" بين وزيرين كبيرين في الحكومة يوم أمس، قائلا إن من المؤكد أن هناك خلافا كبيرا داخل الحكومة بسبب هذه المادة التي وصفها بـ"الخارقة للدستور روحا وجسدا"، لكنه عاد ليقول إن الغريب أن المعارضة تتصرّف كأي "ألتراس"، أي جمهور ناد لكرة القدم، يقتصر دوره على رفع "التيفو"ـ أي اللافتات التي ترفعها الجماهير في الملاعب، "لكن ليس مثل تيفو الرجاء والوداد التي تخطف الأنظار أكثر من المقابلة"، في إشارة منه إلى ما رفعته جماهير فرق مدينة الدار البيضاء أخيرا من لافتات اعتبرها البعض حاملة لرسائل احتجاج سياسي.


ومع اقتراب موعد حسم مجلس المستشارين في مشروع القانون المالي، حيث يرتقب أن يعقد جلسة التصويت الأسبوع القادم، تستمر السجالاتٍ والانقساماتٍ السياسية والحقوقية في المغرب، مع خروج احتجاجات إلى الشارع قام بها المحامون طيلة الأيام الماضية، نظراً للتحفظات الكثيرة الموجودة عليها.
ويتعلّق الأمر بأكثر مواد مشروع القانون المالي للعام المقبل إثارةً للجدل، منذ أن أحالته الحكومة على البرلمان أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتنصّ المادة 9 من هذا المشروع على حظر إجراء الحجز على ممتلكات الدولة وأموالها، والذي يتمّ القيام به حالياً في حال امتناع إحدى المؤسسات الرسمية عن دفع الغرامات التي صدرت بشأنها أحكام قضائية نهائية، لتعويض أشخاص ذاتيين أو معنويين عن أضرارٍ تسببت لهم فيها الدولة، أو ديونٍ مستحقة لم يتم تسديدها.

وكانت معظم كتل مجلس النواب قد عبّرت بداية الأمر بشبه إجماع عن رفضها للمادة 9، باعتبارها تعطّل أحكام القضاء، وتمسّ باستقلاليته المنصوص عليها في الدستور المغربي. لكن هذه الكتل، بما فيها تلك المنتمية إلى المعارضة، عادت لتتفق حول حلٍّ وسط، يقضي بمنح الدولة، ممثلةً في الوزارات والجماعات المحلية، مهلة أربع سنوات لدفع التعويضات التي يصدرها القضاء لصالح أفراد أو شركات، قبل أن يصبح الحجز على ممتلكات الدولة من حسابات مصرفية، عقارات، ومنقولات، أمراً ممكناً.

المساهمون