رجّحت مصادر برلمانية مصرية أن يتقدّم حزب "مستقبل وطن" المدعوم من الاستخبارات العامة، باقتراح لتعديل الدستور، خلال جلسات مجلس النواب المقررة الأسبوع المقبل، يستهدف مدّ الفترة الرئاسية من 4 إلى 6 سنوات، وتقليص العديد من صلاحيات البرلمان لصالح رئيس الجمهورية، وإعادة مجلس الشورى كغرفة تشريعية ثانية، فضلاً عن إلغاء تحصين منصب شيخ الأزهر من العزل، وتغيير بعض مواد السلطة القضائية.
وقالت المصادر في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إنّ طلب تعديل الدستور سيشمل تواقيع أكثر من 450 نائباً من مجموع 595 برلمانياً، بدلاً من الاكتفاء بخُمس عدد الأعضاء بحسب ما نصّ عليه الدستور، موضحة أنّ أول الإجراءات سيكون بمناقشة التعديل من حيث المبدأ، والتصويت بأغلبية الثلثين على قبول التعديل من عدمه، قبل الخوض في مناقشات المواد المراد تعديلها، وأسباب تعديلها، ومبرراتها.
وكشفت المصادر أنّ عضو البرلمان مصطفى بكري هو من يروّج للإسراع في وتيرة تعديل الدستور بإيعاز من جهاز الأمن الوطني، في محاولة لتحفيز النواب للإدلاء بتصريحات إعلامية مؤيدة للتعديل خلال دور الانعقاد الجاري، خصوصاً وأنهم يعلمون جيداً أن إجراء الانتخابات النيابية المقبلة سيكون من خلال نظام القائمة المغلقة بنسبة تراوح بين 75 و80 في المائة، ما يعني تحكم الجهاز الأمني في أسماء تلك القوائم.
وأوضحت المصادر أنّ هناك تعليمات صارمة من ضابط الاستخبارات المنتدب في رئاسة الجمهورية، المقدم أحمد شعبان، إلى رؤساء تحرير الصحف الحكومية والخاصة، والمسؤولين عن البرامج الحوارية في القنوات الفضائية، بعدم التعرّض خلال هذه الأيام لمسألة تعديل الدستور داخل البرلمان، أو المواد المرجّح تعديلها، قبل التقدّم بطلب التعديل رسمياً من قبل حزب الأغلبية.
وأفادت المصادر بأنّ تعليمات شعبان شملت في المقابل، ظهور بعض أعضاء لجنة دستور 2014 البارزين على شاشات الفضائيات، للحديث عن أهمية تعديل الدستور، والترويج لمسألة التعديل "مبدئياً"، مع إجراء حوار مجتمعي حول المواد التي سيتضمنها التعديل، وفي مقدمة هؤلاء الرئيس السابق للجنة "الخمسين" عمرو موسى، ونقيب المحامين سامح عاشور، وعضو لجنة "العشرة" لإعداد الدستور، صلاح فوزي.
وجدّدت المصادر التأكيد على أنّ مسودة تعديل الدستور أعدّت داخل مقرّ جهاز الاستخبارات العامة، وتحت إشراف مستشار السيسي القانوني، محمد بهاء الدين أبو شقة، مؤكدةً استبعاد طرح فتح مدد الرئاسة على غرار تعديلات دستور 1971، لتجنب غضب الإدارة الأميركية، ودول الاتحاد الأوروبي، مع سماح التعديلات بترشح السيسي مجدداً (بعد انتهاء ولايته) من خلال نصّ انتقالي بعدم احتساب مدة ولايتيه السابقة والحالية.
وتنتهي ولاية السيسي الثانية في يونيو/ حزيران 2022، ولا يحقّ له الترشّح للرئاسة من جديد بموجب الدستور الحالي، الذي قيّد شغل المنصب الرئاسي على فترتين بإجمالي 8 سنوات. إلا أنّ التعديل المرتقب يقضي بأنّ الدستور لا يسري بأثر رجعي، ويمهّد لترشّح السيسي لولايتين رئاسيتين أخريين مدة كل واحدة منهما 6 سنوات، من دون الإخلال بمدة ولايته الحالية.
ونصّت المادة (226) من دستور مصر على أن "يناقش مجلس النواب طلب التعديل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه، ويصدر قراره بقبول طلب التعديل كلياً أو جزئياً بأغلبية أعضائه. وإذا وافق المجلس على طلب التعديل، يناقش نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يوماً من تاريخ الموافقة، فإذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء المجلس، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ الموافقة".
وبحسب المصادر، فإنّ تكتّل الأغلبية في البرلمان يعتزم إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة الدستورية، والتي قيّدت "تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات"، متوقعةً إجراء الاستفتاء الشعبي على تعديل الدستور في النصف الثاني من العام الحالي، عقب انتهاء البرلمان من مناقشة وإقرار التعديل في يونيو/ حزيران المقبل على أقصى تقدير.
ويسيطر النظام بشكل كامل على قرارات مجلس النواب الحالي، ما يضمن تمرير إجراءات تعديل الدستور في سهولة ويسر، عوضاً عن طرح التعديل أمام تشكيل جديد لمجلس النواب، والذي من المقرر أن تجرى انتخاباته في نهاية عام 2020، في وقت يلعب فيه رئيس جهاز الاستخبارات العامة، اللواء عباس كامل، دوراً مهماً في خطة تطهير مؤسسات الدولة من العناصر المناوئة لتعديل الدستور خلال الفترة الراهنة.
إلى ذلك، ورداً على تسريب أجهزة الأمن "مقطع جنسي" لعضو البرلمان ولجنة "الخمسين" للدستور، خالد يوسف، دعا تكتل (25 – 30)، ممثل الأقلية في مجلس النواب، "جموع الشعب للتصدي للتعديلات الدستورية المرتقبة، في إطار الحفاظ على إرادة المصريين التي تجلّت في إقرار دستور عام 2014، وأهمها التداول السلمي للسلطة، باعتباره الأداة الوحيدة للاستقرار السياسي، وطريق المستقبل الذي لا يختلف عليه أحد"، وفق الحزب.
وكان عمرو موسى قد قال أخيراً، في لقاء مع الإعلامي الموالي للنظام عمرو أديب، إنّ تعديل الدستور يجب أن يتم باحترافية شديدة و"بطريقة محترمة"، مطالباً بإذاعة جلسات مناقشة التعديل داخل البرلمان على المصريين، وعدم المساس بـ"روح الدستور" والمواد الخاصة بحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية، وإشراك الأحزاب في حوار مجتمعي موسّع حول التعديلات المقترحة.
وعن زيادة مدة الرئاسة إلى 6 سنوات، قال موسى: "لست صاحب الدستور، وبعد الانتهاء من إعداده انتقلت إلى صفوف المواطنين، ولا أعلم إن كان هناك توافق أم لا على المسألة، كما لا أستطيع الجزم بالموافقة أو الرفض على تعديل مدة الرئاسة إلا بالاطلاع على التعديلات"، مستطرداً بالقول "من الضروري والمهمّ خلال الحديث عن تعديل الدستور، الحديث أيضاً عن تعديل القوانين المكمّلة للدستور".
بدوره، قال سامح عاشور إنّ "الدستور حدّد طرق تعديله حال استشعار الشعب الحاجة إلى ذلك"، مضيفاً في لقاء مع الإعلامي وائل الإبراشي على قناة "أون إي" المملوكة للاستخبارات، إنه قال، في آخر جلسة لـ"لجنة الخمسين" لإعداد الدستور، إنّ "مشروع الدستور ليس مثالياً، ولا يمثل أقصى أماني الشعب، لأنه صدر في ظلّ مرحلة انتقالية، ومع الوقت يمكن أن نحقق أفضل منه".
كذلك قال أحد أبرز عرابي نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومدير مكتبة الإسكندرية حالياً، مصطفى الفقي، إنّ "المصريين ليسوا عبيداً للدستور، الذي يعدّ وثيقة يجب أن تحترم، لكنه ليس سيفاً مسلطاً على رقاب التطور والتقدّم وحركة الشعب"، مضيفاً في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس (الثلاثاء) في المكتبة المملوكة للدولة: "يجب الانحياز إلى إرادة الأمة التي تجمع على اتجاه معين، بغضّ النظر عن الأشخاص".
وسبق أن قالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إنّ لجنة إعداد تعديل الدستور استقرت على إجراء انتخابات الرئاسة تحت مظلة الدستور الجديد في أعقاب انتهاء الولاية الحالية للسيسي، بعد أن استبعدت طرحاً يقضي بنفاذ التعديلات الدستورية بأثر فوري، ووضع مواد منظمة للفترة الانتقالية من تاريخ إقرارها وحتى عام 2022، ومن ثمّ حلّ مجلس النواب قبل انتهاء دورته التشريعية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في عام 2020.
ووفقاً لحديث المصادر، فإنّ اللجنة قرّرت حذف المادة 161 من الدستور، والخاصة بسلطة البرلمان في الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بدعوى أنها قد تحدث حالة من الصدام وعدم الاستقرار السياسي داخل الدولة، وكونها وضعت بشكل احترازي من قبل لجنة إعداد الدستور، نتيجة ما شاب البلاد من أحداث عنف جراء رفض الرئيس المعزول محمد مرسي لدعوات إجراء انتخابات مبكرة.