تغيّرت الأسماء، وتبدلت الأرقام، لكن التاريخ بقي، ليحكي قصة نهائي أسطوري، رسخ في ذاكرة عشاق كرة القدم، يومٌ لن ينساه أحد، حيث بكت جماهير وفرحت أخرى، في ليلة سطرت بأحرف من ذهب، في كتاب "ألف ليلة وليلة من الخيال في عالم كرة القدم". هو كتاب ليس حقيقيّاً، هو من نسج خيال أولئك الذين عاصروا أمسية أسطنبول في نهائي دوري الأبطال 2005.
مباراة الحسم، على وشك أن تبدأ، وأطلق حكم الساحة صافرة البداية، ليعلن انطلاق الملحمة الكروية، ضربة حرة خطيرة للروسونيري، وبيرلو على التنفيذ في الدقيقة الأولى، وفي لحظة خاطفة، انبرى مالديني للكرة وأسكنها شباك الحارس البولندي دوديك، لينفجر ملعب أتاتورك في مدينة أسطنبول.
وفي لحظات مجنونة، شاءت الصدف، أن تبتسم الكرة للميلان ولاعبيه، والذي كانوا فريقاً مرعباً على جميع المستويات، وها هو شيفشينكو يدخل منطقة الجزاء، ويرسل كرة خلف المدافعين، لتجد قدم المتألق الأرجنتيني، هيرنان كريسبو، لا أحد هنا كان يتوقع هذا السيناريو، هدفان قاتلان في الشوط الأول، لكن الفنان الشاب ريكاردو كاكا، يضع كريسبو ثانية في مواجهة حارس المرمى، ليسجل "البيج ميلان هدفه الثالث"، هي مباراة ميلان من دون شك، لقد ضمنوا اللقب، ها قد حققوا النجم السابع...
الفريقان الآن في غرف تبديل الملابس، لاعبو الميلان فرحون، لم يصدقوا أنهم يعيشون لحظات الواقع، أما أنشيلوتي فيحاول أن يخفف جوّ الفرح ويجعلهم هادئين، 45 دقيقة، تفصلهم عن لقب أسياد أوروبا، سيعود مالديني ويحمل الكأس الغالية ثانية، في المقابل كان معسكر الريدز حزيناً ومحبطاً، لكنّ روحاً أشعلت جيرارد وبينيتز، فزج بهامان، ودفع بجيرارد إلى الأمام، ودخل الفريقان أرض الملعب، لتبدأ معهما الرواية الثانية، حيث تحطمت القيود، وسقطت حروف المنطق.
يدخل الملهم جيرارد الشوط الثاني، والجميع لم يعد يفكر في إمكانية الريدز على العودة في النتيجة، الجماهير الحمراء حاولت استجماع شظايا الأهداف الثلاثة، وغنت "لن تسير وحدك أبداً"، كلمات جعلت ستفين يهز شباك نيلسون ديدا من رأسية محكمة في الدقيقة 54، وانفجر جيرارد، وركض في الملعب، يرفع يديه، ويحفز اللاعبين، وكأنه كان يقول "سنفعلها هيّا بنا هيا".
الكرة على مشارف منطقة الجزاء الآن، هي بين قدمي فلاديمير سميتشر، وكلارنس سيدورف يقترب منه، وفي لمح البصر، يطلق صاروخاً في الأرض، بهز شباك ديدا، لتبدأ الجماهير في البكاء فرحاً، وأخرى وضعت اليد على القلب خائفة، من القادم، وبالفعل حدث ما كانت تخشاه جماهير النادي اللومباردي، ركلة جزاء في الدقيقة 60، جاتوزو يرتكب خطأ في المنطقة المحرمة، وتشابي ألونسو، الآن، على التنفيذ، هو يواجه الخبير ديدا، لحظة صعبة على الجميع، يتقدم خطوة ويسدد، لكن ديدا يتصدى، لقد ضاعت، لكن مهلاً ألونسو يركض بإصرار إلى الكرة، ويسجل في سقف المرمى...هدف التعادل؟ نعم لقد فعلوها، وقفت الكلمات هنا في حناجر مشجعي الميلان، بينما لم تتمالك جماهير ليفربول نفسها في لحظة لن ينساها التاريخ.
وتستمر المباراة كرات ضائعة من ميلان، وليفربول يحاول، يبدو أن ركلات الجزاء ستكون الحكم، هي التي ستفصل هذه المعركة الصعبة، يتقدم سيرجينيو، للتسديد، ويتصدى دوديك، لا يمكن أن يحصل هذا، هامان يسجل، وبيرلو يضيع، سيسيه يعلنها نحن نتقدم إلى اللقب، لكن الدنماركي توماسون أعاد قليلاً الأمل، لقد سجل، وها هو ديدا يصد كرة جون أرني ريزه، دور كاكا الآن يلعبها بثقة في الشباك، على ديدا الآن صد كرة سميتشر، لكنه يفشل، ويأتي دور شيفا، لن يضيع بالتأكيد، لكن القدر شاء أن يصد دوديك الكرة، ليحمل ليفربول كأس البطولة الأغلى.
صمت يجتاج الملعب، وفرحة مجنونة....أيام وسنين مرت ولا يستطيع أحد نسيان هذه الليلة، فهي جعلت بيرلو يقول يوماً: "لقد فكرت في الاعتزال، وإنهاء مشواري في ملاعب كرة القدم، بعد تلك الليلة، لقد كنت أشعر باليأس، إنّها أصعب لحظة عشتها في حياتي، لقد كانت الأسوأ من دون شك".
أما أنشيلوتي فكلماته كانت بالكاد تخرج من فمه فقال: "هو جنون الست دقائق، لقد خسرنا الآن، وكنا قد فقدنا لقب الدوري الإيطالي قبل أسبوع أيضاً". بدوره جالياني قلل من قيمة الخسارة، بالقول: "نحن في الوصافة في الدوري وهنا، هو ليس موسماً كارثياً". لكن كلام مالديني كان يعبر عمّا خالج زملاءه وجميع من حضر تلك الليلة: "أشعر بخيبة أمل بعد الذي حصل، وبسبب سيناريو اللقاء". ويضيف النجم الإيطالي: "لم أقدر على النوم بشكل جيد لثلاثة أشهر، حتى الآن أشعل التلفاز وأشاهد الشوط الأول".
وكان الكثيرون حينها يتحدثون عن رحيل ستيفن جيرارد إلى تشلسي فأعلنها يومها القائد الوفي: "كيف لي أن أترك هذا النادي وأغادره، بعد الذي حصل في ليلة إسطنبول، لا يمكن ذلك". أما كراجير فيقول: "لا يمكن أن أنسى وجه مالديني حينها، عندما صافحته، لقد كانت ليلة خيالية".
اقرأ أيضاً: بيرلسكوني يرصد مبلغاً ضخماً من أجل خطف أنشيلوتي