يطرح طيف واسع من التونسيين، سؤالا مركزيا منذ ظهور النتائج التي يتوقع أن تصبح رسمية، اليوم الأربعاء، للانتخابات التشريعية في البلاد: هل يعود النظام القديم في تونس من بوابة فوز حركة "نداء تونس"؟ ويذكر الجميع أنه عندما شرع الباجي قايد السبسي في بناء حزبه، قبل عامين ونصف العام، تعالت أصوات كثيرة، من بينها مكونات حكومة الترويكا في حينها، للتعبير عن تخوفها من أن يكون الهدف من تأسيس هذا الحزب تحويله إلى مظلة يحتمي بها ما يسمى في تونس بـ "أزلام النظام السابق". وقد أسس هؤلاء دعواهم على المعطيات التالية:
أولاً انتماء الباجي قايد السبسي إلى الحزب الدستوري منذ ما قبل الاستقلال، وهو ما جعله متعلقا بشكل كامل بشخصية الحبيب بورقيبة، سواء من حيث أسلوبه في الحديث وفي مخاطبة التونسيين، أو في ثقافته السياسية. وهذا الجانب جعل الكثيرين يعتقدون أنه سيعمل على إعادة ربط صلة الشعب بمؤسس الدولة الوطنية، وبالحزب الدستوري. ثانياً انخراط عدد واسع من الكوادر الصغرى والمتوسطة الذين كانوا في "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وساهم بعضهم في تمويله. وتتم الإشارة باستمرار في هذا السياق إلى رجل الأعمال المعروف فوزي اللومي الذي يتولى مسؤولية قيادية في الحزب. وقد شكل هؤلاء جناحاً قوياً وفاعلاً داخل حزب نداء تونس.
أخيراً، حرص الباجي قايد السبسي على توحيد العائلة الدستورية بما في ذلك "التجمعيون"، والدفع بمختلف مكوناتها نحو الالتفاف حوله، بحجة أن حزب نداء تونس قد جعل من التراث البورقيبي أحد مرجعياته الأساسية. ومن الخطوات الرمزية الدالة على ذلك، تعيين السبسي لمحمد الغرياني، آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري المنحل، مستشاراً له، وذلك بعد مغادرته للسجن. لكن الغرياني سرعان ما أعلن انسحابه من الحزب، وانتقد أجواءه الداخلية، وبرر خروجه بعوامل متعددة، من بينها أن "قيادة الحزب تعمل على استغلال التجمعيين
واستعماله كورقة انتخابية".
هل سيكون لهذه العوامل تأثير على سياسة حزب نداء تونس خلال المرحلة المقبلة؟ لا يزال الحزب في مرحلة تأسيس ومخاض، إذ عمره لا يتجاوز الثلاث سنوات، ولا شك في أنه استفاد في الانتخابات الأخيرة من دعم جزء من الآلة القديمة ومن أنصار النظام السابق، وهو ما تؤشر عليه نتائج الكثير من الجهات الداخلية، لكن أيضاً يضم الحزب عدداً واسعاً من كوادر الإدارة التونسية التي التحقت به من دون أن يكون لها بالضرورة ولاء خاص لنظام بن علي. كما أن استعراض أسماء وسيَر الكوادر القيادية المؤسِّسة والحالية، يكشف أن معظمهم يتحدرون من تيارات سياسية متعددة المشارب والتجارب، وأن معظمهم كانوا في المعارضة زمن بن علي، أو محسوبين على المغضوب عليهم. ومنهم عدد من الوجود اليسارية والنقابية والحقوقية التي لها أهداف وأولويات مختلفة عن طريقة تفكير الذين كانوا يحتكرون السلطة ويعتاشون منها. وهذه الكوادر لن يكون من مصلحتها أن تسمح للحزب بأن يتجه نحو معاكسة اتجاه حركة التاريخ، إذ بذلك تفقد رصيدها، وقد تجد نفسها خارج أطر الحزب والدولة، إذا ما قبلت بأن تتحول إلى وسائل لإعادة أشباح الماضي.
لا يستبعد عدد من المراقبين أن يشهد حزب نداء تونس في هذه المرحلة التي يطلق عليها البعض مرحلة توزيع الغنائم، تجاذبات متنوعة الأغراض والمصالح، لكن بحكم تعدد الروافد السياسية الداخلية للحزب، فإن ذلك سيشكل عاملاً ضمن عوامل أخرى من شأنها أن تخفف من احتمال انقلاب الحزب على قيم الثورة وأهدافها.
حزب نداء تونس، حتى ولو حصل على أكبر مقاعد البرلمان (84 مقعداً)، فإنه غير قادر على الانفراد بالقرار السياسي للبلاد، ولن يستطيع، حتى لو أراد، أن ينسف ما تحقق من تطورات نوعية في هذه الديمقراطية الناشئة، إذ إن هناك أطرافاً عديدة لن تسمح بهيمنة الدولة العميقة من جديد، وستقف ضد محاولات بعض الأطراف للسعي نحو إجهاض هذه التجربة.
لا يتوقع أن يتعامل المجتمع المدني بتسامُح مع الحزب الفائز في صورة انزلاق هذا الأخير نحو إعادة سيناريو المنظومة السابقة. يؤكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المحامي عبد الستار بن موسى لـ"العربي الجديد"، أن "تونس تحظى حالياً بدستور وقوانين قائمة على التداول على السلطة، وتقيد صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا تسمح بتغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية. كما أن حرية الإعلام مكسب لم يعد هناك احتمال للتفريط فيه". وأضاف رئيس الرابطة أن المجتمع المدني والشباب وغيرهما من القوى "لن تسمح بالعودة إلى الوراء، إضافة إلى المعاهدات الدولية التي التزمت بها تونس". وينهي كلامه بالتشديد على أن "إمكانية العودة للنظام القديم غير واردة حالياً في تونس".
كذلك تُعتبر حركة النهضة من بين الأطراف الفاعلة التي تواجه أي احتمال للمساس بالمكاسب التي تحققت في مجال الحريات العامة. فهي وإن خسرت المرتبة الأولى، إلا أنها تبقى القوة الحزبية الثانية في البرلمان وفي البلاد، ولا يتصور أن موجة قمع جديدة يمكن أن تلحق بها ما دامت تحترم القانون وقواعد اللعبة الديمقراطية.
ولا يزال من غير المؤكد شكل الحكومة التي تنوي قيادة حزب نداء تونس تشكيلها: هل تكون حكومة وحدة وطنية قائمة على المحاصصة، أم حكومة تكنوقراط؟ وهنا لا يمكن إغفال ما صرح به الباجي قايد السبسي قبل يوم الاقتراع، عن أنه يقبل بوجود "حركة النهضة" كطرف في حكومة يشكلها حزبه في حال فاز بالانتخابات، مؤكدا بالتحديد على أنه "لا عداء لنداء تونس مع أي حزب، وأنه لن يحكم منفردا، باعتبار أنّ مصلحة البلاد تقتضي التوافق العريض".
وتعتبر هذه رسالة مطمئنة، إذا ما تم الالتزام بها، واتخاذها منهجاً ثابتاً في التعامل مع كل مكونات الساحة السياسية، وبالخصوص مع حركة النهضة وعموم الإسلاميين.
لا توجد حالياً أي مؤشرات جدية حول احتمال عودة النظام القديم الذي، مثلما قال عنه راشد الغنوشي، قد تفكك وأصبح جزءاً من الماضي، لكن مع ذلك فإن الدعوات إلى اليقظة تبقى ضرورية ومشروعة، اليوم وغداً.
أولاً انتماء الباجي قايد السبسي إلى الحزب الدستوري منذ ما قبل الاستقلال، وهو ما جعله متعلقا بشكل كامل بشخصية الحبيب بورقيبة، سواء من حيث أسلوبه في الحديث وفي مخاطبة التونسيين، أو في ثقافته السياسية. وهذا الجانب جعل الكثيرين يعتقدون أنه سيعمل على إعادة ربط صلة الشعب بمؤسس الدولة الوطنية، وبالحزب الدستوري. ثانياً انخراط عدد واسع من الكوادر الصغرى والمتوسطة الذين كانوا في "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وساهم بعضهم في تمويله. وتتم الإشارة باستمرار في هذا السياق إلى رجل الأعمال المعروف فوزي اللومي الذي يتولى مسؤولية قيادية في الحزب. وقد شكل هؤلاء جناحاً قوياً وفاعلاً داخل حزب نداء تونس.
أخيراً، حرص الباجي قايد السبسي على توحيد العائلة الدستورية بما في ذلك "التجمعيون"، والدفع بمختلف مكوناتها نحو الالتفاف حوله، بحجة أن حزب نداء تونس قد جعل من التراث البورقيبي أحد مرجعياته الأساسية. ومن الخطوات الرمزية الدالة على ذلك، تعيين السبسي لمحمد الغرياني، آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري المنحل، مستشاراً له، وذلك بعد مغادرته للسجن. لكن الغرياني سرعان ما أعلن انسحابه من الحزب، وانتقد أجواءه الداخلية، وبرر خروجه بعوامل متعددة، من بينها أن "قيادة الحزب تعمل على استغلال التجمعيين
واستعماله كورقة انتخابية".
هل سيكون لهذه العوامل تأثير على سياسة حزب نداء تونس خلال المرحلة المقبلة؟ لا يزال الحزب في مرحلة تأسيس ومخاض، إذ عمره لا يتجاوز الثلاث سنوات، ولا شك في أنه استفاد في الانتخابات الأخيرة من دعم جزء من الآلة القديمة ومن أنصار النظام السابق، وهو ما تؤشر عليه نتائج الكثير من الجهات الداخلية، لكن أيضاً يضم الحزب عدداً واسعاً من كوادر الإدارة التونسية التي التحقت به من دون أن يكون لها بالضرورة ولاء خاص لنظام بن علي. كما أن استعراض أسماء وسيَر الكوادر القيادية المؤسِّسة والحالية، يكشف أن معظمهم يتحدرون من تيارات سياسية متعددة المشارب والتجارب، وأن معظمهم كانوا في المعارضة زمن بن علي، أو محسوبين على المغضوب عليهم. ومنهم عدد من الوجود اليسارية والنقابية والحقوقية التي لها أهداف وأولويات مختلفة عن طريقة تفكير الذين كانوا يحتكرون السلطة ويعتاشون منها. وهذه الكوادر لن يكون من مصلحتها أن تسمح للحزب بأن يتجه نحو معاكسة اتجاه حركة التاريخ، إذ بذلك تفقد رصيدها، وقد تجد نفسها خارج أطر الحزب والدولة، إذا ما قبلت بأن تتحول إلى وسائل لإعادة أشباح الماضي.
لا يستبعد عدد من المراقبين أن يشهد حزب نداء تونس في هذه المرحلة التي يطلق عليها البعض مرحلة توزيع الغنائم، تجاذبات متنوعة الأغراض والمصالح، لكن بحكم تعدد الروافد السياسية الداخلية للحزب، فإن ذلك سيشكل عاملاً ضمن عوامل أخرى من شأنها أن تخفف من احتمال انقلاب الحزب على قيم الثورة وأهدافها.
حزب نداء تونس، حتى ولو حصل على أكبر مقاعد البرلمان (84 مقعداً)، فإنه غير قادر على الانفراد بالقرار السياسي للبلاد، ولن يستطيع، حتى لو أراد، أن ينسف ما تحقق من تطورات نوعية في هذه الديمقراطية الناشئة، إذ إن هناك أطرافاً عديدة لن تسمح بهيمنة الدولة العميقة من جديد، وستقف ضد محاولات بعض الأطراف للسعي نحو إجهاض هذه التجربة.
لا يتوقع أن يتعامل المجتمع المدني بتسامُح مع الحزب الفائز في صورة انزلاق هذا الأخير نحو إعادة سيناريو المنظومة السابقة. يؤكد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان المحامي عبد الستار بن موسى لـ"العربي الجديد"، أن "تونس تحظى حالياً بدستور وقوانين قائمة على التداول على السلطة، وتقيد صلاحيات رئيس الجمهورية، ولا تسمح بتغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية. كما أن حرية الإعلام مكسب لم يعد هناك احتمال للتفريط فيه". وأضاف رئيس الرابطة أن المجتمع المدني والشباب وغيرهما من القوى "لن تسمح بالعودة إلى الوراء، إضافة إلى المعاهدات الدولية التي التزمت بها تونس". وينهي كلامه بالتشديد على أن "إمكانية العودة للنظام القديم غير واردة حالياً في تونس".
كذلك تُعتبر حركة النهضة من بين الأطراف الفاعلة التي تواجه أي احتمال للمساس بالمكاسب التي تحققت في مجال الحريات العامة. فهي وإن خسرت المرتبة الأولى، إلا أنها تبقى القوة الحزبية الثانية في البرلمان وفي البلاد، ولا يتصور أن موجة قمع جديدة يمكن أن تلحق بها ما دامت تحترم القانون وقواعد اللعبة الديمقراطية.
ولا يزال من غير المؤكد شكل الحكومة التي تنوي قيادة حزب نداء تونس تشكيلها: هل تكون حكومة وحدة وطنية قائمة على المحاصصة، أم حكومة تكنوقراط؟ وهنا لا يمكن إغفال ما صرح به الباجي قايد السبسي قبل يوم الاقتراع، عن أنه يقبل بوجود "حركة النهضة" كطرف في حكومة يشكلها حزبه في حال فاز بالانتخابات، مؤكدا بالتحديد على أنه "لا عداء لنداء تونس مع أي حزب، وأنه لن يحكم منفردا، باعتبار أنّ مصلحة البلاد تقتضي التوافق العريض".
وتعتبر هذه رسالة مطمئنة، إذا ما تم الالتزام بها، واتخاذها منهجاً ثابتاً في التعامل مع كل مكونات الساحة السياسية، وبالخصوص مع حركة النهضة وعموم الإسلاميين.
لا توجد حالياً أي مؤشرات جدية حول احتمال عودة النظام القديم الذي، مثلما قال عنه راشد الغنوشي، قد تفكك وأصبح جزءاً من الماضي، لكن مع ذلك فإن الدعوات إلى اليقظة تبقى ضرورية ومشروعة، اليوم وغداً.