اليمن نحو تحوّلات جديدة... من الحديدة إلى مأرب وعدن

15 مارس 2020
تحشيدات مكثفة للحوثيين تصل إلى الحزم(محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

ينزلق اليمن إلى نفق مظلم، قبل أيام من دخول الحرب، التي يشنّها التحالف السعودي الإماراتي في البلاد، عامها السادس. ففي حين يسعى الحوثيون للانقضاض على أكبر رقعة جغرافية في البلاد المتشرذمة، بعد سيطرة شبه كاملة على الجوف وتداعي هدنة الحديدة، تأججت الأزمة بين السعودية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم إماراتياً، بشكل غير مسبوق، ما يجعل العاصمة المؤقتة عدن مرشحة لجولة جديدة من العنف.

وفي فبراير/شباط الماضي، كانت الكفة تُرجح فرص سلام بدأت تلوح في الأفق بقوة، ابتداء من رفع الحظر الجزئي عن مطار صنعاء الدولي وتسيير رحلات إنسانية لنقل حالات مرضية إلى الخارج، وصولاً إلى تفاهمات بين الحكومة اليمنية والحوثيين على إبرام أكبر صفقة تبادل أسرى منذ بداية الحرب، لتشمل 1420 أسيراً ومعتقلاً من الجانبين، يتم تنفيذها قبل نهاية مارس/آذار الحالي، وغيرها من مؤشرات بناء الثقة، لكن كل ذلك بدا أنه قد تبخر مع مطلع الشهر الحالي.

وصعّد الحوثيون الموقف عسكرياً بشكل مفاجئ. فبعد السيطرة على عاصمة محافظة الجوف وغالبية مناطقها، اتجهت أنظارهم نحو محافظة مأرب، الغنية بالنفط والغاز، شرقاً، فضلاً عن هجمات عنيفة على المناطق الشمالية في محافظة الضالع جنوباً. أما في الساحل الغربي، فيبدو أن الهدنة الهشة، التي ترعاها الأمم المتحدة في الحديدة منذ 15 شهراً، في طريقها للانهيار بعد تصاعد الخروقات، وسحب الحكومة الشرعية لممثليها في لجنة التهدئة ومراقبة وقف إطلاق النار.

وفي آخر إحاطة له أمام مجلس الأمن، أبدى المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث تخوّفه من التدهور الجديد. وقال إن اليمن "يمر بمنعطف حرج" وتصعيد يمكن أن يؤدي إلى "صراعات في محافظات أخرى، ويجُر البلد إلى دائرة جديدة وغير مسؤولة من العنف". ومن المرجح أن غريفيث قد فشل في إقناع الحوثيين بخفض التصعيد وعدم اجتياح مأرب. فعلى الرغم من وصفه للقاء الذي جمعه بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي بـ"البنّاء"، إلا أن المبررات التي ساقها قادة موالون للحوثي، ينحدرون من مأرب، تؤكد أنهم ماضون لاجتياحها، بهدف وضع اليد على منابع النفط والغاز والتحكّم بمحطة مأرب الغازية في منطقة صافر فقط، من دون الدخول إلى مركز مدينة مأرب، كما تؤكد مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد".



ودفع الحوثيون بمبارك المشن وحسين حازب وعلي محمد طعيمان ومحمد الأمير، وجميعهم قيادات مأربية موالية لهم، من أجل إظهار أن أبناءها هم من سيدخلها. لكن اللافت أن الحديث عن الجانب الإنساني والتعرض للمسافرين عبر مأرب لم تكن التبريرات الوحيدة من تلك القيادات للمبعوث الأممي للهجوم المحتمل، بل أفصحت بشكل صريح عن "حق" جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بالنفط والغاز، عندما "نددت بما يجري في مأرب من استحواذ للسلطة والثروة". وحالت الضربات الجوية المكثفة لمقاتلات التحالف، الذي تقوده السعودية، خلال الأيام الماضية، دون إكمال الحوثيين سيطرتهم على الطريق الدولي الرابط بين الجوف ومأرب باتجاه صافر، لكن مصادر عسكرية أكدت أن تحشيدات مكثفة للحوثيين تصل تباعاً إلى مدينة الحزم، بهدف شن عملية عسكرية باتجاه المحافظة النفطية.

وخلافاً للجوف ومأرب، كثّف الحوثيون من هجماتهم في البلدات الجبلية الواقعة شمال محافظة الضالع، وباتت قرى مديرية قعطبة، من أكثر الجبهات اشتعالاً في الأيام الأخيرة. وعلى الرغم من صعوبة تحقيقهم لأي اختراق جوهري نحو عاصمتها، إلا أن جماعة الحوثي تريد على الأرجح استثمارها كجبهة استنزاف للقوات التابعة إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي". ويبدو أن الحديدة ستكون مسرح النزال المقبل بين القوات الموالية للحكومة والحوثيين، بعد تداعي الهدنة الإنسانية خلال الأيام الماضية. ووفقاً لمصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، فإن تحشيدات مكثفة للجانبين وصلت إلى مناطق التماس في الأطراف الشرقية والجنوبية للمدينة الساحلية، فيما عاد دوي المدافع يُسمع داخل الأحياء السكنية كما كان الوضع قبل بدء الهدنة الهشة.

مأزق جديد للسعودية

بعد هدوء نسبي للأوضاع في محافظة المهرة الشرقية، يبدو أن السعودية قد دخلت في مستنقع جديد في عدن، بعد تأزم العلاقة بشكل غير مسبوق مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم من الإمارات، على الرغم من أن العلاقة بين الطرفين يسودها التوتر، منذ التوقيع على اتفاق الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وشرارة الأزمة الجديدة اندلعت بعد حظر الرياض عودة قيادات انفصالية بارزة إلى عدن، واستعرت بشكل أكبر عندما دفعت القوات السعودية في العاصمة المؤقتة بوحدات عسكرية يمنية، قامت بتدريبها إلى مطار عدن من أجل التكفل بإدارته أمنياً، وإزاحة العناصر التابعة لـ"المجلس الانتقالي".

وعلى الرغم من محاولات السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، امتصاص غضب الانفصاليين، والحديث أن الرياض تكن الاحترام لهم جميعاً، بعد الإهانة التي تلقتها قياداتهم في مطار الملكة علياء الدولي بالأردن، وإجبارهم على العودة إلى أبوظبي بدلاً من عدن، إلا أن الأوضاع في العاصمة المؤقتة بدأت تخرج عن السيطرة بشكل تدريجي. ورفضت القوات الموالية للإمارات تنفيذ الأوامر السعودية بالانسحاب من مطار عدن. ووفقاً لمصادر "العربي الجديد"، فقد دفع الانفصاليون بتعزيزات لتطويق المطار من كل الاتجاهات، وهو ما أجبر قائد القوات السعودية مجاهد العتيبي، على إعطاء أوامر للقوات الجديدة بالانسحاب والعودة إلى البريقة. وقالت مصادر حكومية، لـ"العربي الجديد"، إن عناصر القوة التي كانت الرياض تريد الدفع بها إلى المطار هم من أبناء الجنوب، وتم تدريبهم ضمن اتفاق الرياض كقوة متخصصة بأمن الموانئ، وستتكفل بحماية مطار وميناء عدن.

ولا يُعرف ما إذا كانت السعودية سترضخ للقوات الموالية للمجلس الانفصالي أم لا، لكن مراقبين يرون أن "الانتقالي" يتهرب من الالتزام بالاستحقاقات السياسية عبر خلق العراقيل والمزيد من بؤر الفوضى. واعتبر السياسي الجنوبي شفيع العبد، أن ما حدث في مطار عدن، محاولة أخرى تضاف إلى سابقاتها من العراقيل، هدفها التصعيد وإيجاد حالة قلق وإرباك تمنع تحقيق أي تقدم باتجاه تنفيذ أول بنود اتفاق الرياض. وقال العبد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "المتابع للمشهد السياسي والاجتماعي منذ توقيع الاتفاق، لن يجد صعوبة في معرفة حجم العراقيل التي يختلقها الانتقالي، وهي في حقيقة الأمر لها دوافع إماراتية مباشرة". ووصف الناشط اليمني "المجلس الانتقالي" بأنه "الأداة الإماراتية الأبرز في جنوب اليمن"، موضحاً أنه يمارس سياسة العبث والفوضى بمدينة عدن، وكأنها المهمة الوحيدة التي أنشئ من أجلها، والرافضة لوجود أي حضور لمؤسسات الدولة. وأشار إلى أنه منذ انقلاب أغسطس/آب الماضي، و"الانتقالي" عبر مليشياته المسلحة، يفرض أمراً واقعاً على المدينة، له علاقة بالفوضى، وما يؤكد ذلك تراجع كل الخدمات الضرورية للمواطنين، معتبراً أن إصراره بعناد على رفض قيام الدولة بواجباتها يرتبط بأهداف النشأة وطموح المُمول.