اليابان تغلق حساب "يوم القيامة": ما قصة الطائفة القاتلة؟

06 يوليو 2018
خلال نقل أساهارا إلى المحكمة عام 1995 (فرانس برس)
+ الخط -
أغلقت اليابان الجمعة، حساباً قديماً وطوت فصلاً تضمّن إحدى أكثر الجرائم الصادمة في البلاد وأعنفها في القرن العشرين، مع تنفيذها حكم الإعدام شنقاً بحقّ زعيم طائفة "أوم شنريكيو" (يوم القيامة)، شوكو أساهارا، وستة من أتباعه لضلوعهم في هجوم دموي بغاز "السارين" وقع عام 1995 في محطات قطار أنفاق طوكيو وجرائم أخرى، بحسب ما أفادت وزارة العدل اليابانية. وانتظر أساهارا، أكثر من عشر سنوات لتنفيذ الحكم بحقه بعد تأييد المحكمة العليا الحكم في 2006، عقب إدانته بالتورط في جرائم عدة منها الهجوم بغاز الأعصاب في محطات قطار طوكيو والذي صدم العالم وأدى إلى مقتل 13 شخصاً وإصابة 6 آلاف آخرين، ودفع بالسلطات إلى إطلاق حملة قمعية ضد الطائفة. وقد شنّت الطائفة جرائم أخرى أدّت، إلى جانب هجوم قطارات الأنفاق، إلى مقتل 27 شخصاً إجمالاً.

وأكدت وزيرة العدل اليابانية، يوكو كامكاوا، إعدام المدانين السبعة، وقالت إنّ أتباع طائفة "أوم" مسؤولون عن "أعمال غاية في الوحشية والخطورة وكانت غير مسبوقة ويجب ألا تتكرر". ولا يزال ستة أعضاء آخرين في الطائفة ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بحقهم.

وحوّل الهجوم الذي وقع خلال ساعة الذروة في طوكيو عام 1995 العاصمة إلى ما يشبه ساحة حرب. وأطلق أعضاء الطائفة الغاز الكيميائي بشكله السائل في خمس نقاط في شبكة قطارات الأنفاق بعد ثقبهم أكياساً بلاستيكية انطلق منها غاز السارين إلى داخل عربات قطارات الأنفاق. وسرعان ما شعر الركاب بإعياء وصعوبة في التنفس، وخرجوا بصعوبة من القطارات وكانت عيونهم تدمع، وانهار آخرون وكانت الرغوة تخرج من أفواههم والدم يسيل من أنوفهم، فيما أصابت صور جثث الضحايا التي تناثرت على الأرصفة، اليابان بصدمة وحطمت أسطورة السلامة العامة.

ويبلغ أساهارا من العمر 63 عاماً وكان يعمل معلم يوغا قبل تأسيسه "أوم شنريكيو". فقد بصره جزئياً وصدر حكم بإعدامه عام 2004 بعد إدانته بثلاثة عشر اتهاماً منها الهجمات بالغاز على قطار الأنفاق، بالإضافة إلى جرائم قتل فيها أكثر من 12 شخصاً آخرين.

وأسس أساهارا هذه الطائفة في العام 1987 في اليابان، كجماعة دينية تتألّف معتقداتها من خليط من الهندوسية والبوذية، أضافت إليها لاحقاً عناصر من التنبؤات القيامية المسيحية. وادعى أساهارا، أنه تجسيد للإله الهندوسي شيفا، وكذلك أوّل "مستنير" منذ بوذا نفسه. ونالت الطائفة، اعترافاً رسمياً في اليابان بوصفها مجموعة دينية في عام 1989، ونجح أساهارا في استمالة العديد من الأشخاص حول العالم من خلال كتبه والمحاضرات التي كان يلقيها في الجامعات. وبلغ عدد المنتمين للطائفة في أوج مجدها عشرة آلاف على الأقل في اليابان وخارجها، بينهم خريجون من أعرق الجامعات اليابانية. وكان أتباع أساهارا يعتقدون أنه المسيح، وكانوا انضموا إلى طائفته بهدف "محاربة الفساد والمذهب المادي الذي تفشّى في المجتمع الياباني بشكل كبير"، بحسب ما كانوا يقولون، وهو ما دفع حكومة البلاد وقتها إلى بدء شنّ حملة للقضاء عليها.

وتحوّلت هذه الجماعة تدريجياً إلى طائفة عدمية سوداوية تؤمن بأنّ العالم سيفنى في حرب عالمية ثالثة وأنها وحدها ستنجو من تلك المحرقة وعليها البدء بالعمل الجدي لإنقاذ العالم من الكارثة المقبلة... عبر القتل. وقال أساهارا إن الولايات المتحدة ستهاجم اليابان وتحوّلها إلى مكبّ للنفايات النووية. وقال أيضاً إنه سافر عبر الزمن حتى عام 2006 وتحدّث إلى أشخاص في ذلك الوقت عن تفاصيل الحرب العالمية الثالثة. ولاحقاً أصبحت الجماعة تنحو بشكل متزايد نحو العنف والاختطاف والاعتداء على مناوئيها وقتلهم.

واستمرت المحاكمات لأعضاء طائفة "أوم" بمن فيهم أساهارا 20 عاماً، وانتهت في يناير/ كانون الثاني 2018. والإعدامات التي نفّذت أمس تعدّ الأكبر من نوعها من حيث تنفيذها في الوقت نفسه في اليابان منذ 1911 عندما أعدم 11 شخصاً شنقاً بتهمة التآمر لاغتيال الإمبراطور. وانتقدت "منظمة العفو الدولية" الأحكام، وقالت إنه رغم كون أعمال الطائفة "بغيضة"، لكن "عقوبة الإعدام ليست أبداً الحل". واليابان واحدة من عدد قليل من الدول المتطورة التي لا تزال تطبق عقوبة الاعدام. ورغم الانتقادات الدولية لا تزال تحظى بتأييد واسع من الرأي العام.

لكنّ أقارب القتلى والمصابين عبّروا عن الارتياح لتنفيذ الأحكام. وقال أحدهم "تألّمت لسنوات"، مضيفاً: "من المستحيل نسيان الحادثة، لكن الإعدامات تساعد على طي الصفحة". بدورها، قالت كيوي إيواتا، التي فقدت ابنتها في الهجوم، لهيئة البث اليابانية "إن إتش كيه"، "هذا يمنحني بعض راحة البال... لطالما تساءلت لماذا كان يتعيّن أن تكون ابنتي ضحية؟ لماذا كان يتعيّن أن تقتل. الآن يمكنني زيارة قبرها وإخبارها بهذا".

ومن بين الذين أعدموا أمس عالمان قادا إنتاج غاز السارين وشنّ أحدهما هجوماً على أرض الواقع في محطة لقطارات الأنفاق. وفي هذا الصدد، أصدرت اثنتان من كبريات الصحف اليابانية نسخاً إضافية بشأن الإعدامات وعلقتها في محطات القطارات. وقال أحد المارة، ويدعى ماسامي ساكوراي إنه يشعر بأن إعدام أساهارا يمثّل نهاية حقبة.

و"أوم شنريكيو" مصنفة كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة وروسيا ودول أخرى عدة. ورغم أنها توارت عن الأنظار عقب هجوم المترو الشهير في طوكيو، إلا أنها لم تختف كلياً، بحسب ما تقول تقارير عدة، مشيرة إلى أن هذه الطائفة أصبحت تعمل تحت أسماء أخرى وقد وصل أعضاؤها إلى دول أوروبية. وكانت شنت روسيا وجمهورية الجبل الأسود في السنتين الأخيرتين مداهمات عدة طاولت أملاكاً وعقارات مرتبطة بأشخاص على علاقة بهذه الطائفة، إذ اعتقلت روسيا في إبريل/نيسان 10 أشخاص على علاقة بالطائفة، فيما طردت جمهورية الجبل الأسود في أواخر مارس/آذار من العام نفسه، 58 أجنبياً كانوا متجمعين في أحد الفنادق، ويشتبه بأن لهم علاقة بـ"أوم شنريكيو".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس)

المساهمون