الوصول إلى القارئ

22 مارس 2016
مائيات كلود مونييه(ويكيبيديا)
+ الخط -

من البدهي أن يجيب أي كاتب عندما يُسأل "لماذا تكتب؟"، بالعبارة العفوية "أولًا لكي أُقرأ".
هذا ما نجد تأكيدًا عليه أيضًا من طرف الروائي التونسي الحبيب السالمي ضمن الحوار معه، فهو يقول: "نحن لنا قُرّاء، وأنا أستغرب كيف يتحدث البعض عن الكاتب العربي وكأنه يعيش في جزيرة، لوحده" قاصدًا في قطيعة تامة مع جمهور القرّاء.
من هذا القول البدهي، وفي عالم تتعدّد وسائل الوصول إلى القرّاء باعتبارهم جمهور هدف الكاتب، لا بُدّ من طرح سؤال حول طرق أو وسائط التسويق.
يعتقد ضيف العدد أن ظهور جوائز كثيرة تخص الرواية العربية في السنوات الأخيرة، ساهم إلى حدّ كبير في تسويقها. ولا ينكر أن جائزة البوكر أفادت الرواية العربية كثيرًا. وطبعًا الأمر غير منحصر في تسويقها فقط.
قبل الجوائز برزت طرق تسويق أخرى، تبقى في مقدمها السينما.
في هذا الشأن، يذكر السالمي أنه شخصيًا لا يعتبر الإيطالي أمبرتو إيكو روائيًا جيدًا. فهو من منظوره باحث كبير ومنظّر ذو باع طويل في النقد، ذكيّ وعلّامة، كتب رواية "اسم الوردة"، وهي جميلة، لكنها تظلّ في النهاية رواية شعبية. والروائيون الإيطاليون الحقيقيون الذين طوّروا الرواية هم، بحسب قوله، إيتالو كالفينو وألبرتو مورافيا وأري دو لوكا.
ربما لا نجازف حين نقول إن سببًا رئيسيًا لشهرة "اسم الوردة" خارج موطنها يعود إلى نقلها للسينما عبر فيلم من إخراج جان جاك أنو توافر على عناصر نجاح متعدّدة في شباك العرض، بينها طاقم ممثلين جيّد وقف على رأسه شون كونري وكريستيان سلاتر. وأحسب أن ظهور الفيلم سنة 1986 كان أحد دوافع كثيرين مثلي للبحث عن الرواية الأصل التي كانت صدرت قبل ذلك بست سنوات، وللغوص في عالم كاتبها.
وشهد تاريخ السينما العربية وما يزال حالات كثيرة ساهمت من خلالها أفلام في تسويق روايات عربية.

ولدى القيام ببحث سريع في الإنترنت يتبين أن موضوع العلاقة بين الرواية العربية والسينما، جرى تناوله في عديد من الكتب أو الدراسات المتفرقة من جانب كثير من النقّاد والباحثين. ويصعب حصرها جميعًا في هذه العجالة، بل ومن العسير حتى الإشادة ببعضها فقط من خلال مطالعة عناوينها وموجزاتها دون الانكشاف على محتوياتها.
تحتاج الرواية إلى تسويق قبل أي شيء كي تُقرأ.
والمحور الخاص بالرواية - القارئ، يتناوله السالمي بصفته من لزوميات الكتابة، إلى جانب الفكرة والانطباع والإحساس. وهذا شأن غيره من الروائيين العرب. ووفقًا لقوله، فمن الأمور القارّة في وعي الكاتب أن هناك قراء، وهؤلاء القراء ينتمون إلى نخبة، وهذه النخبة هي التي تغيّر، وتحدث تأثيرًا في المجتمعات.
وهو يؤمِنُ بأن الأجيال تُراكِم تجاربَهَا، وتفيد بعضها البعض. ومن هذه التجارب وعليها تُشيّد طبقات الذاكرة لدى الشعوب.
كيف يتكرّر الحديث دومًا عن الذاكرة؟.
أثناء بحثي السريع في الإنترنت، الذي أشرت إليه سالفًا، صادفت شكوى مريرة للروائي العراقي محسن الرملي مرتبطة بموضوع العلاقة بين الرواية العربية والسينما، أشار فيها إلى أن للعراق أكثر الأعمال السينمائية التي كانت مقتبسة عن الروايات قبل سقوط بغداد، ولكن بعد سقوط بغداد لم ينتج أي فيلم عراقي مأخوذ عن الرواية.
ولشرح غاية شكواه أجرى مقارنة مع السينما الإسبانية، لافتًا إلى أن أكثر الأفلام التي تتحدث عن الحرب الأهلية الإسبانية مأخوذة عن الروايات. وبحسب الرملي، فإن البعض يعتقد أن هذا تكرار ويجب تغيير الموضوع لكن العكس صحيح، فالتاريخ ذاكرة الشعوب، والشعوب التي تفقد ذاكرتها لا تستطيع أن تنمو، والثقافة هي الذاكرة.
وحتى لا يُفهم مما تقدّم أن العلاقة بين الرواية والسينما في عالمنا مقتصرة على أفق تسويق الثانية للأولى لناحية إشهارها، من الجدير درس الأثر المترتب على هذه العلاقة في مجالي تطوير السينما والرفع من قيمتها الفنية.
يرى السالمي أن الرواية العربية حققت في العقود الأربعة الأخيرة قفزة كبيرة، وقطعت خطوات مهمة جدًا. وهي صارت جريئة أكثر، وتنوعت كثيرًا أساليبُها ورؤاها ومقارباتها للواقع، وأيضًا تغيرت اللغة العربية وأصبحت أكثر التصاقًا بالواقع وخرجت من إنشائيتها.
كل هذا حدا بالكثيرين إلى القول إن هذا زمن الرواية. ولا يعني ذلك أنه ليس زمن السينما أيضًا. والربط بين أمرين باتا واقفين في صلب هذا الزمن لجعله بهيًّا أكثر يشكل تحديًّا للروائيين والسينمائيين على حدّ سواء.
المساهمون