استمع إلى الملخص
- **استقالات متتالية**: شهد الاتحاد استقالات من الشاعر علي ملّاحي، الكاتب بومدين جلّالي، والمترجم أحمد ختاوي، احتجاجاً على الوضع الكارثي للاتحاد وصمته أمام القضايا الكبرى.
- **ردود الفعل**: أثارت الاستقالات ردود فعل متباينة، حيث اقترح الروائي بشير مفتي تأسيس اتحادات جديدة، وانتقد البعض صمت المستقيلين الطويل قبل انسحابهم.
لا يكاد "اتحاد الكتّاب الجزائريين" يُذكَر في المشهد الثقافي والإعلامي الجزائري إلّا في معرض الحديث عن الخلافات والانقسامات التي تعصف به منذ قرابة عقدين؛ وكان من بين مظاهرها إطلاقُ قرابةِ سبعين كاتباً وشاعراً، مطلع العام الماضي، ما سمّوه مبادرةً لردّ الاعتبار إلى الاتحاد (تأسّس عام 1963).
يتّهم هؤلاء رئيسَه الحالي يوسف شقرة بـ"تغييب الاتحاد عن وظائفه الثقافية والحضارية، وعن التظاهرات والأحداث الكبرى وطنياً ودولياً"، و"استمرار تشويهه لدرجة إغلاق مقرّه التاريخي في وجوه الكتّاب الجزائريّين وضيوف الجزائر (...) وتحويله إلى ما يُشبه وكالة أسفار خاصّة، إضافةً إلى افتتاحه مكاتب وفروعاً دون منخرطين، مع منح بطاقات الانخراط لمن لا يستحقّون ضمن مخطَّط مفضوح للسيطرة والخلود في المنصب".
تدرّج الرئيس الحالي في "اتحاد الكتّاب الجزائريين" من رئيسٍ لفرعه في ولاية عنّابة (شرقَي البلاد)، منذ عام 1999، إلى عضو في المجلس الوطني عام 2005، فعضو في المكتب التنفيذي. وخلال دورة استثنائية للمجلس الوطني عُقدت بمدينة سكيكدة عام 2008 وشهدت استقالة الرئيس السابق للاتحاد عبد العزيز غرمول بعد خلافات وصلت إلى أروقة القضاء، انتُخب شقرة رئيساً لفترة انتقالية (إلى غاية عقد مؤتمر جديد)، استمرّت لقرابة ستّة عشر عاماً، ظلّ مُعارِضوه خلالها يصفونه بـ"غير الشرعي"، وستستمرّ حتى 2027، بعد إعادة انتخابه لفترة جديدة في مؤتمر عُقد بمدينة زرالدة، غربَي الجزائر، مطلع 2023.
ثلاث استقالات من اتحاد الكتّاب في غضون يومين
عدا هذه القصّة القديمة المتجدّدة، يواصل الاتحاد انكفاءه إلى مقرّه في "88 شارع ديدوش مراد" بالجزائر العاصمة، وغيابه عن المشهد الثقافي المحلّي إلّا بفعاليات هزيلة لا تُثير انتباه أحد، وبموقع إلكتروني متوقّف، وصفحة على "فيسبوك" لم يجرِ تحديثها منذ 2013، وعن تسجيل مواقف من القضايا الوطنية والدولية؛ باستثناء بيان تضامُني مع الشعب الفلسطيني أصدره بعد أيّام من بدء العدوان الإسرائيلي على غزّة في تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، وأعلن فيه "تعليق كلّ أنشطته الثقافية إلّا ما تعلّق بنصرة القضية الفلسطينية".
قبل أيام، عاد اسم "اتحاد الكتّاب الجزائريين" إلى الواجهة مجدَّداً مع إعلان الشاعر والأكاديمي علي ملّاحي، الأحد الماضي، استقالته من الاتحاد الذي كان يشغل فيه عضويّة مكتبه التنفيذي ومجلسه الوطني ورئاسة "رابطة النقد". وبسبب عدم توضيحه أسباب خطوته تلك، دعا الشاعر والكاتب عادل صيّاد، وهو مِن معارضي الرئيس الحالي، ملّاحي إلى "الكشف من موقعه ومستواه عن أسباب هذه الاستقالة، لعلّها تفتح النقاش مجدّداَ حول موضوع الاتحاد، وهويّة مغتصبيه، مع عملية جرد مفصَّل لحجم الأضرار الرمزية والمادية والتاريخية التي ألحقوها به".
أمّا الشاعر والناشط الثقافي عبد العالي مزغيش، فربط استقالة ملّاحي الذي قال عنه إنّه "ظلّ يدافع عن شرعية رئيس الاتحاد أمام منتقدي الوضع الكارثي والمخزي لاتحاد الكتاب الجزائريّين"، بما سمّاه "الوضع غير المشرّف لأعرق تنظيم ثقافي في بلادنا، وصمته المطبِق أمام القضايا الكبرى للدولة الجزائرية وشؤون الكتّاب الجزائريّين، مع غلق تام لمقرّ الاتحاد منذ 2009".
ليس دفاعاً عن الكاتبة ضدّ ما طاولها من شتائم وتشهير
اكتفى علي ملّاحي، إذن، بإعلان استقالته من دون ذِكر أسبابها، إلّا أنّ الخطوة فُهمت كموقف ضدّ صمت الاتحاد وعدم اتّخاذه موقفاً من الجدال الذي أُثير (ولا يزال يُثار)، حول رواية "هُوارية" للكاتبة إنعام بيّوض، والتي أحدثت، بعد إعلان فوزها بـ"جائزة آسيا جبّار للرواية"، انقساماً لدى الكتّاب أنفسهم بين منتقدٍ تضمُّنها عبارات وُصفت بالبذيئة وبين مُدافع عنها وعن حرّية الكاتبة.
وهذا التفسير تؤيّدُه استقالتان أُخريان؛ فبعد يوم واحد، أعلَن الكاتب والأكاديمي بومدين جلّالي استقالته من الاتحاد "لكونه لَم يتّخذ موقفاً من الرواية المسيئة إلى وهران"، في إشارة إلى رواية بيّوض التي تدور أحداثُها في مدينة وهران، غربَي الجزائر، مُضيفاً في منشور على حسابه في فيسبوك: "منذ اندلاع النقاش حول رواية (هُوارية)، اتّخذ المكتبُ التنفيذي لاتحاد الكتّاب الجزائريين موقف المتفرّج ولم يُبد أيّ ردّ فعلٍ مهما كان نوعُه، وظلّ في الظلّ كأنّ النقاش الأدبي الحاصل حول الرواية وحول الجوائز الأدبية والكتابة عموماً يقع في دولة أُخرى غير الجزائر". وفي اليوم نفسه، أعلن الكاتب والمترجم أحمد ختاوي انسحابه من الاتحاد، مُبرّراً ذلك، أيضاً، بعدم اتّخاذه أيّ موقف من الجدل حول الرواية المذكورة.
تعليقاً على هذه الاستقالات المتزامنة، تساءل الكاتب والمسرحي احميد عيّاشي في حسابه على فيسبوك: "هل كان هناك أصلاً اتحاد الكتّاب الجزائريين؟!"، بينما كتبَ الروائي بشير مفتي: "ما المانع مِن تأسيس عشرات من اتحاد الكتّاب الجزائريين؟ مع التحفُّظ على كلمة اتحاد التي لم تعد صالحة لزماننا اليوم، هل في ذلك استحالة؟ أم هو العجز عن المبادرات المستقلّة التي من شأنها أن تُنقذ الفعل الثقافي من النمطية والروتين وحتى التبعية؟"، مُضيفاً: "تعوّدنا على فئات من الكتّاب يُريدون الاستيلاء فقط على الجاهز الذي لا يحتاج إلى جهد أو فكر أو عمل خلّاق، مع أنّ مساحات الفعل الثقافي الحُرّ واسعةٌ وبلا حدود في جزائر شاسعة كقارّة".
لعلّ المفارَقة في هذه الاستقالات أنّ أصحابها ظلّوا صامتين عن صمت "اتحاد الكتّاب الجزائريين" الطويل، ثمّ قرّروا الانسحاب منه في خضمّ جدلٍ حول رواية أدبية، لكن ليس دفاعاً عن حرّية الكاتبة وناشرتها ضدّ ما طاولهما من شتائم وتشهير، بل لأنّه لم يتحوّل في هذه الحكايةِ إلى سُلطة رقابية أُخرى تُدين الأدب بدعوى "خدش الحياء العام"، ولعلّ صمته هنا تحديداً من النقاط القليلة التي تُحسَب له لا عليه!