النقابات التونسية.. شباب من جديد

22 أكتوبر 2014
تجاوز الشباب التونسي كونه قوة احتجاج مطلبية (أ.ف.ب)
+ الخط -

ما هو معلوم لكل مطلع على وضع الواقع الشبابي في الأقطار العربية، لاسيما تونس، أن سنوات الديكتاتورية المظلمة التي مرت بهذه البلدان وشعوبها، حملت محاولات حثيثة لمحو وجود الشباب وتأثيره على خريطة الفعل السياسي والمجتمعي. نظرا لأن هذه الفئة تعبر عن قوة يمكن لها أن تزعزع عرش النظم الاستبدادية، وبشكل خاص عند انخراطها في الشأن العام، وتفاعلها بشكل جمعي ضمن التشكيلات الأهلية، من جمعيات أو نقابات أو أي شكل من الأشكال المتعارف عليها لتنظيم العمل الأهلي جماعيا.

وبالإتيان على موضوع العمل النقابي، سواء من خلال ممارسة الحق في تكوين الأجسام النقابية، أو الانضمام / الانتماء لهذه التشكيلات، والعمل الفاعل من خلالها بقصد تغيير واقع بعض القطاعات التي تشهد مشاكل بالجملة بالنسبة للشباب العامل، أو المساهمة في حلحلة مشكلة البطالة، وبشكل خاص عند أصحاب التحصيل الأكاديمي والشهادات العليا المعطلين عن العمل، أو حتى لتحسين منظومة التعليم وظروفه، كان الشباب التونسي وحضوره في الحياة النقابية عموماً، مجرد أرقام إحصائية تكتب في بعض استطلاعات الرأي، لتلميع صورة النظام السياسي المستبد، ولا وجود فعلياً له في أرض الميدان، إلا ما قل وندر من تحركات نقابية في صفوف الطلبة داخل الجامعات التونسية، والتي كانت تقمع ويُنكل بمناضليها، ويُرمى منهم الكثير في سجون النظام البوليسي، الذي حكم تونس قبل الثورة، ويطرد البعض الآخر من الدراسة، كما نشهد، اليوم، في أقطار عربية سادت فيها الثورة المضادة، ولو إلى حين.

ولم يقتصر النظام السابق على منع الشباب من المشاركة في الحياة النقابية، بل سعى جاهدا إلى نشر ثقافة الخمول والجمود والاستهتار والتنازل عن الحقوق لدى الشباب التونسي، فأصبح هذا الأخير صاحب عقلية "اخطئ رأسي واضرب" حسب القول الشعبي الدارج في تونس. وبهبوب رياح الثورة والتغيير، وما جلبته من مشروع نضال لأجل الحرية والكرامة للمواطن التونسي، كان الشباب التونسي المستفيد الأول، حيث بدأت الأغلال التي كانت تكبله تذوب شيئا فشيئا، وبدأت عقلية الانتهازية واللامبالاة التي عمل النظام المنحل على تكريسها لدى الشاب تضمحل وتتلاشى، فتعددت بذلك مجالات الفعل الشبابي، وكان أبرزها المجال النقابي، الذي أصبح المتنفس الأهم للشباب التونسي، وتتجلى تمثيلات هذه المقولة من خلال:

1- تأسيس هياكل نقابية شبابية جديدة، ولعل أبرز هذه الهياكل، ما سمي اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل (UDC)، الذي عقد مؤتمره التأسيسي الأول في شهر مايو/أيار 2013، وكذلك النقابة الوطنية للمهندسين التونسيين، هذا بالإضافة إلى رابطة المهندسين الشبان.. إلخ.

2- إعادة تفعيل هياكل نقابية شبابية قديمة، من أهمها ما يعرف بـ" الشباب العامل داخل الاتحاد العام التونسي للشغل"، وهو هيكل نقابي داخل الاتحاد العام التونسي للشغل يعنى بإعداد الشباب العامل وتكوينه نقابياً، وتعزيز مهاراته وقدراته النقابية.

3- إعادة هيكلة بعض النقابات الشبابية، حيث عقد الاتحاد العام التونسي للطلبة، مؤتمره الخامس في شهر أبريل/ نيسان 2013، بعد أكثر من 22 عاماً من حله من قبل النظام البائد عندما أصدر بحقه قرارا جائرا، وانطلقت حملة واسعة للتنكيل بمناضليه، واعتقالهم أو دفعهم إلى المنافي. ويعتبر الاتحاد، المنظمة الطلابية الجماهيرية الأولى في تونس، وهذا بالرجوع إلى نتائج انتخابات المجالس العلمية داخل الجامعات في السنتين الأخيرتين، كما عقدت النقابة الطلابية الشبابية في العام نفسه مؤتمرها الـ25 بعد عقد كامل من الانقطاع والتغييب.

كما تجاوز دور الشباب الهياكل النقابية، أو الحضور فيها بتمثيلية عالية، إلى المشاركة الفعالة من خلال هذه الهياكل في مجمل القضايا الوطنية، والتحول من قوة احتجاج مطلبية، إلى قوة اقتراح وبناء. ويتجلى ذلك من خلال التصور الواضح لحلول مقترحة للوضع الاجتماعي المتردي، وللوضع الاقتصادي الذي شهد تراجعا بعد الثورة، والمنوال التنموي والسياسات التعليمية التي ما زالت تنشد الكثير من الجهد والتغيير. ولم يقتصر أيضاً على الهياكل النقابية الشبابية، بل شمل كل الهياكل والمنظمات النقابية، حيث نجد الشباب منخرطون بنسبة كبيرة في نقابة المحامين ونقابة الأطباء ونقابات التعليم الأساسي والتعليم العالي، بل أكثر من ذلك، نجدهم فاعلون وبشكل كبير في هذه القطاعات النقابية.

في تونس، اليوم، ونحن على أبواب مرحلة هامة من مراحل بناء ديمقراطيتنا واستدامتها، يتضح أن الطلاب والشباب المعطل عن العمل والشباب العامل يتخذ على نفسه مسؤولية ومهاما متفقة مع رهانات المرحلة، ويعود إلى الساحة الوطنية بنفس جديد، وإرادة في التنظيم والفعل لا يستهان بها، كما أنه أمام سؤال تشبيك العلاقات والروابط فيما بينه وطنياً، ومع التنظيمات والنقابات الشبابية العالمية، وأمام ابتكار ما هو جديد من أجل استيعاب الإقبال الشبابي على العمل النقابي والأهلي، خدمة للمشروع الديمقراطي والاجتماعي الذي تناضل من أجله التنظيمات الشبابية في تونس ما بعد الثورة.

المساهمون