لطالما كانت علاقة نظام الأسد بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" غريبةً ومرتبكة؛ حيث حظر النظام السوري "فيسبوك" في وقت مبكر جداً، فكان الموقع الأزرق غير متاحٍ للسوريين من قبل اندلاع ثورة 2011 بأعوام، ولكن ذلك لم يمنع السوريين من إنشاء حسابات شخصية على الموقع المحظور، بالاستعانة بكاسر الحجب، بروكسي.
وبعد اندلاع الثورة في مارس/ آذار 2011، حمّل النظام السوري الموقع الأزرق مسؤولية "خراب البلد"، وهو ما لمّح إليه بشار الأسد في خطاباته، ودأب إعلام النظام على تكراره. ومع ذلك، سمح النظام السوري باستخدام موقع "فيسبوك" سنة 2011، عقب اندلاع الثورة، في محاولة منه لـ"ضبط استخدام السوريين له"، ورافق القرار إنشاء الجيش السوري الإلكتروني، بهدف محاربة السوريين الثائرين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي كان له دور في الترويج لرواية النظام الإعلامية عبر "فيسبوك" نفسه. وقد أقرّ وزير الداخلية السابق، محمد الرحمون، بأن النظام يراقب حسابات مواطنيه على "فيسبوك".
ظنّ النظام السوري أنه قادر على تطويع "فيسبوك" ليصبح أداة جديدة تستثمرها أجهزته الأمنية والقمعية لضبط الشارع، ولكنّ الوقت أثبت أن ضبط الموقع الأزرق أمر مستحيل. ليس ذلك بسبب ما ينشره السوريون المعارضون من شتائم وفضائح لنظام الأسد، فهذه المنشورات يستثمرها النظام لـ"فرز السوريين" وتصفية المعارضين، لكنّ الأمر يتعلق بالمنشورات التي ينشرها مؤيدو نظام الأسد والتي تبدو "خروجاً غير مرغوبٍ" عن النص. وأبرز مثال على ذلك، الرسائل التي كتبها الفنانون السوريون في العامين الماضيين، والتي وجّهوها مباشرةً إلى رئيس النظام بشار الأسد، وحملت عتاباً ومطالب واعتراضات.
وقد حاول النظام السوري أن يتصدى لهذه المنشورات "الرمادية"، من خلال مراسيم استصدرها الأسد بنفسه، مثل المرسومين الثالث والرابع لعام 2020، اللذين يجرّمان السوريين الذين يتداولون أسعار الصرف، واللذين تكفّلا حينها بإيقاف سيل المنشورات والتعليقات على الأحوال المعيشية الصعبة التي كان السوريون يعيشونها في الشهر الأول من العام الجاري.
وآخر ما نشر على "فيسبوك" وأكثره جدلاً، المنشورات والفيديوهات التي بثّها الشاب السوري، يزن سلطاني، عبر صفحته الشخصية، مخطاباً الأسد وابنته زين، طالباً يدها للزواج، قبل أن يُعتقَل.
وللإشارة، يزن سلطاني جندي سوري يختزل كل الصور النمطية التي قام إعلام النظام بتمجيدها في الأعوام الماضية. فهو موالٍ للأسد، ويقدسه، وحمل روحه على كفه ليخدم الأسد بنحو أعمى. وامتلاكه لهذه المواصفات جعل الشارع السوري الموالي للنظام ينقسم حول قضيته. فهناك من وجد في طلب سلطاني "تمادياً على قداسة الأسد وعائلته"، وهؤلاء شمتوا بسلطاني عندما اعتُقل قبل يومين، وأيدوا السلطة في إجرائها الغريب. أما القسم الثاني، فهم سوريون موالون لنظام الأسد تعاطفوا مع سلطاني، ولم يتقبلوا فكرة اعتقال جندي سوري بتهمة حبه لابنة الأسد، فأطلقوا وسم #كلنا_يزن، للتعبير عن تعاطفهم.
وما بين التعليقات التي تبادلها هذان الفريقان، كان هناك فريق ثالث يشك في أن الحكاية برمتها مفبركة، وهي ليست سوى عرض قدمه شاب سوري معارض يدعي أنه جندي في جيش النظام، واستدلوا على استنتاجهم بأن حساب سلطاني على "فيسبوك" أنشئ في بداية الشهر الجاري. لكن متابعة الحكاية ومراقبة منشورات سلطاني قبل اعتقاله، والمنشورات التي كتبها شقيقه على حسابه بعدها، إذ تحوّل من الترجي واستجداء التعاطف إلى سبّ آل الأسد، وحذف كل المنشورات المرتبطة بزين الأسد من حساب سلطاني بعد يوم من اعتقاله، تشير إلى أنّها قصة حقيقية تحكي عن ارتباك النظام وتخبّطه بسبب "فيسبوك"، وعن قمعه الكبير الذي لا يوفّر أحداً.