ازدادت الحملات الدعائية في وسائل الإعلام التابعة والموالية للنظام السوري، التي تطرح النظام كـ"أفضل طرف" يُمكن أن يتصدى لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتقوم في الوقت عينه بتشويه صورة جميع أطراف المعارضة السورية، من خلال التركيز على عيوبها ومكامن الخلل في أدائها. ويعتمد النظام على هذه الحملات لإعادة تعويم نفسه سياسياً، بعد الفشل الميداني الذريع، الذي باتت قواته تعاني منه أمام قوات المعارضة ومسلّحي "داعش" في آن معاً.
واستخدمت آلة النظام الإعلامية والعسكرية، استراتيجيات متنوّعة ومتكاملة في سعيها للتعويم السياسي. وزادت وسائل الإعلام الموالية من تركيزها في الأشهر الأخيرة على خطر "داعش" على التراث الحضاري الهامّ الموجود في مدينة تدمر الأثرية، التي تُعدّ إحدى أشهر المدن الأثرية في العالم، والتي انسحبت منها قوات النظام قبل نهاية شهر مايو/أيار الماضي.
ولم يعتدِ "داعش" منذ سيطرته على المدينة أواخر مايو الماضي، على أي من آثار تدمر، قبل أن يقوم مسلّحوه الشهر الماضي بإعدام عالم الآثار السوري الشهير خالد الأسعد، وذلك بعد يوم واحد من المجزرة الكبرى التي ارتكبتها طائرات النظام في مدينة دوما (13 كيلومتراً شمال شرق دمشق). لكن إعلام النظام استثمر جريمة إعدام الأسعد بغية لفت الأنظار عما حصل في دوما.
لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل قامت طائرات النظام بارتكاب مجازر جديدة في دوما وسقبا وحمورية، الواقعة في غوطة دمشق الشرقية، وسقط ضحيتها أكثر من 60 مدنياً، بحسب إحصائيات فرق الدفاع المدني في غوطة دمشق.
اقرأ أيضاً: عشرات الغارات بالغوطة تخلّف نحو 400 قتيل في أسبوعين
ويعتقد الأمين العام لـ"الائتلاف السوري" المعارض يحيى مكتبي، أن "التزامن بين مجازر غوطة دمشق وانتهاكات داعش في تدمر، يسمح لإعلام النظام باستثمار جرائم التنظيم للتعمية عن جرائم النظام، وهذا ليس مجرد صدفة".
ويضيف مكتبي في تصريح لـ"العربي الجديد": "نعتقد أن هناك تنسيقا غير معلن بين النظام وداعش على جميع المستويات". ويكشف أن "هناك أدلّة على التنسيق غير المُعلن، عليه دلائل عديدة منها تقديم داعش النفط للنظام مقابل حصول التنظيم على الكهرباء لمناطق سيطرته من النظام. كما أن طيران النظام يقدّم إسناداً جوياً لمسلّحي داعش، الذين يحاولون التقدم على حساب قوات المعارضة بريف حلب الشمالي". ويلفت إلى أن "التزامن في جرائم الطرفين بهذا الشكل شبه الدائم، يؤكد وجود تنسيق مسبق بينهما، إذ تُغطي جرائم داعش جرائم النظام".
ولا تقتصر استراتيجية النظام الإعلامية على الاعتماد على جرائم التنظيم للفت النظر عن المجازر التي ترتكبها طائرات النظام، إذ اعتادت وسائل الإعلام الموالية، والتابعة للنظام على استخدام سياسات "نفي الوقائع"، ومن ثم فبركة سيناريوهات غير حقيقية للوقائع التي قامت بنفيها. وحصل هذا الأمر سابقاً حين نفت وسائل الإعلام الموالية للنظام حصول أي هجوم كيماوي في غوطة دمشق في عام 2013، قبل أن تقوم وسائل الإعلام نفسها بالترويج لرواية تقدّم قوات النظام في جوبر، وعثورها في مقرات المعارضة على مستوعبات تحوي غاز "السارين". ثم أقرّت وسائل الإعلام عينها بـ"تسليم النظام كل الغازات والمواد الكيماوية العسكرية التي يملكها، بعد قرار مجلس الأمن الذي تلا الهجوم الكيماوي على غوطة دمشق".
وتكرر هذا الأمر أخيراً مع نفي وزير الخارجية وليد المعلم في لقاء تلفزيوني وقوع مجزرة في دوما، معتبراً أنها "ملفّقة وتمّت فبركتها باستخدام فن إعلامي معين"، رغم وجود مئات مقاطع الفيديو والصور التي بثها ناشطون من غوطة دمشق المحاصرة، والتي تظهر جثث القتلى وعمليات الإسعاف وآثار الدمار في مكان المجزرة.
ويسعى النظام من خلال ذلك إلى تشتيت الرأي العام وتضليل المتابعين، خصوصاً غير السوريين، الذين بات الملمّون منهم بالشأن السوري، يعانون من تناقض في المعلومات الواردة من سورية، بسبب سياسات النظام السوري الإعلامية المضللة.
ويشير إلى أنه "قام نشطاء يُفترض أنهم معارضون للنظام، يوم الجمعة الماضي، بتمثيل مشهد إيمائي في العاصمة الفرنسية باريس إحياءاً لذكرى مجزرة الكيماوي، ولم يتضمن المشهد أي إشارة لمسؤولية النظام عن المجزرة، التي راح ضحيتها أكثر 1300 من سكان مدن وبلدات غوطة دمشق. في المقابل أبرز الناشطون ما اعتبروه مسؤولية المتطرفين عن المجزرة، إذ ارتدى من قام برش المواد الكيماوية في المشهد، اللباس الأسود، مع شعر طويل ولحية، كما هو حال المتطرفين".
ويرى السلوم أن "النظام نجح حتى الآن بطرح نفسه كقوة علمانية تواجه داعش، في مقابل تخبّط الإعلام المعارض بين الخطاب الإسلامي والخطاب المدني. كما أن داعش ما زال بالنسبة لكثير من وسائل الإعلام المعارضة، بمثابة قوة يُحتفل بانتصاراتها على النظام، بينما يجري الحديث باستحياء عن انتهاكاته".
ويشير السلوم إلى أن "هناك علامات واضحة على نجاح الحملات الدعائية للنظام، منها تردد الولايات المتحدة حتى اليوم في تقديم دعم للمعارضة، كي تتمكن من إسقاط النظام بالقوة. كما يصبّ في هذا السياق، الطروحات التي ظهرت في بعض الصحف في الغرب حول وجوب دعم النظام للتصدّي لداعش، في ظلّ انحسار الضغط السياسي على النظام للقبول بحل سياسي يؤدي لانتقال السلطة في البلاد".
اقرأ أيضاً: سورية ليست محاصصة