تتعدد أشكال التضامن بمناسبة شهر رمضان، وتختلف معها أيضاً طرق الإحسان وتقديم المساعدة للفقراء والمحتاجين بغرض تخفيف وطأة الحاجة والحرمان عنهم، من خلال مجموعة من الأعمال الخيرية التي يشرف عليها شباب، سواء على شكل فردي أو في إطار جمعيات خيرية أو مؤسسات إسلامية.
هكذا، تعددت المبادرات وتنوعت أشكال المساهمات في سد حاجات شريحة مهمة من المجتمع المغربي، بين توزيع لوجبات الإفطار على المرضى بالمستشفيات، أو تنظيم موائد الرحمن، أو حتى نقلها إلى منازل الأسر المعوزة، بينما يفضل بعضهم الآخر توزيع وجبات الإفطار بمحطات المسافرين يشرف عليها شباب وهبوا أنفسهم في هذا الشهر لتلبية حاجات المحتاجين.
إفطار للمرضى ومساعدات للفقراء
تحتل نسبة الشباب المتطوعين في مؤسسة عطاء الخيرية حيزاً كبيراً. شباب يشرفون على عدد من المبادرات الخيرية خلال شهر رمضان وحتى خارجه، ويلعبون دوراً كبيراً لأجل تحقيق أهداف المؤسسة التي تتلخص في بث كل أشكال ومعاني التضامن بالمجتمع المغربي، والعمل على مساعدة الأسر المعوزة والفقيرة والتضامن مع الأشخاص المحتاجين بمدن مغربية مختلفة.
يقول جلال اعويطا المشرف العام على مؤسسة عطاء الخيرية في حديثه لـ "جيل العربي الجديد"، إن عمل المؤسسة خلال هذا الشهر يرتكز على عدد من المشاريع؛ أهمها قفة رمضان التي يتم توزيعها على الأسر المحتاجة، والتي تتضمن المواد الأساسية التي سيحتاجونها في هذا الشهر حيث شمل المشروع استفادة 500 أسرة تم انتقاؤهم بشكل دقيق ووفق معايير يتم تحديدها مسبقاً ضماناً لوصول الأمانات لمستحقيها".
يضيف: "فكل هذه الأعمال يشرف عليها سفراء المؤسسة بعدد من المدن المغربية كالرباط، وطنجة، ومراكش، وسلا، وجلهم شباب نشيط يساهم وبشكل تطوعي في عملية البحث عن الأسر المحتاجة وتوزيع المساعدات".
وتشتغل المؤسسة أيضًا على مشروع فطوري، وهي عملية لتوزيع وجبة إفطار متكاملة في المستشفيات، وعلى الطرقات السريعة، والتركيز على الأماكن التي يصعب فيها على الصائم الحصول على وجبة إفطار؛ فهذه العملية موجهة للصائم بشكل عام، بغض النظر عن مستواه المادي ولا تتعلق فقط بالمحتاج أو الفقير، وقد شملت العملية أزيد من 15 ألف مستفيد في السنة الماضية وقبلها 10 آلاف، حسب قول المشرف العام على المؤسسة.
كما أن مؤسسة العطاء تعمل على مشروع كسوة العيد والموجه إلى أطفال من أبناء الأسر الفقيرة والمحتاجة، حيث سيوفر المشروع ملابس العيد لعدد من الأطفال بمساعدة المحسنين، قصد إدخال الفرحة على قلوب هؤلاء وعدم حرمانهم من فرحة عيد الفطر.
إحسان بطعم الكرامة
مجموعة شباب البسمة هي الأخرى تضم عددا من الشباب التواق إلى العمل التطوعي، حيث يأخذ عملهم هذا طابعا خاصا خلال شهر رمضان؛ إذ يستهدفون عابري السبيل من المهاجرين أو المشردين بالقرب من محطة المسافرين، في خطوة منهم لتقريب وجبة الإفطار من أشخاص ربما عجزوا عن توفير مصاريفها، نظرًا للظروف الصعبة التي يمرون بها، بحسب قول يوسف انزيد، المسؤول عن هذه المجموعة التي كان موقع فيسبوك ساحة لنشأتها.
يضيف انزيد في حديثه لـ"جيل العربي الجديد": "نعلم جيداً أن جنبات محطة المسافرين تعج بالمشردين وعابري السبيل الذين لم يجدوا ما يسدون به رمقهم بعد يوم طويل من الصيام، الشيء الذي حركنا من أجل العمل على توفير وجبة الإفطار لهم بمساعدة بعض المحسنين الذين يوفرون لنا المواد الأساسية التي سنقوم بتوزيعها، إلا أن الشعور بشفقة الآخر وما يحس به المستفيد دفعنا إلى محاولة ابتكار طريقة أخرى تجعل المستفيد يحس براحة وهو يأخذ منا ما جادت به قلوب المحسنين".
يعمل فريق بسمة على توزيع وجبات الإفطار على شكل مسابقة؛ حيث يقومون بتجهيز مجموعة من الأسئلة الدينية البسيطة ويتم طرحها على أشخاص يتم انتقاؤهم بعناية، وما إن يجيب عن السؤال حتى يتم إعطاؤه وجبة الإفطار على أساس أنه فاز بها، "وبالتالي فالمستفيد لا يحس بالشفقة وبالصدقة، بل يفاخر بأنه أجاب عن سؤال وربح"، يضيف انزيد.
حضور قوي للشباب
يُقبِل الشباب المغربي بشكل كبير على الأعمال الخيرية والتضامنية خصوصاً في شهر رمضان، سواء في إطار جمعيات خيرية أو مجموعات تتكون عبر فيسبوك وتشتغل في الميدان، يقول الناشط المدني أشرف محمود لـ"جيل العربي الجديد"، موضحاً أن إقبال الشباب على العمل الخيري هو مؤشر وبذرة خير يجب أن تسقى، وأن تولي الدولة الاهتمام بهذه الفئة التي تشتغل بدون مقابل من أجل المجتمع.
يشير المتحدث إلى أن لجوء الشباب إلى العمل التضامني فيه خير كثير للمجتمع، وينعكس بشكل إيجابي على الفرد، بيد أن المجتمع أضحى يعج بالظواهر السلبية كالمخدرات والجريمة، مؤكداً أن دور الجمعيات الخيرية يتحدّد في هذه النقطة بالذات، ومشاركة الشباب في مثل هذه الحملات والانغماس في كل ما له علاقة بالعمل التطوعي ينمي شخصيته ويقيه من كل السلبيات المحيطة به، وعلى الدولة أن تشجع أكثر على العمل الخيري، لا أن تقف في وجهه كما هو الحال بالنسبة لهذه السنة.
يشار إلى أن وزارة الداخلية المغربية كانت قد أصدرت قبل أيام قراراً يمنع أي نشاط خيري تشرف عليه جمعيات المجتمع المدني ذات صلة ببعض الأحزاب خلال شهر رمضان، خصوصاً ما يتعلق بتوزيع المساعدات الغذائية ووجبات الإفطار، نظراً لتزامن رمضان هذه السنة مع قرب الانتخابات التشريعية.
وأثار هذا القرار موجة من ردود الفعل، بين من اعتبر هذه الخطوة حسنة من أجل التحضير لانتخابات نزيهة وقطع الطريق أمام الراغبين في استغلال المواطنين، وضماناً لتكافؤ الفرص بين الأحزاب، وبين من اعتبرها غير محسوبة العواقب، والتي تضرب في العمق قيم التكافل الاجتماعي والمواطنة وقطع لرزق عدد كبير من الأسر الفقيرة خلال هذا الشهر الكريم.